الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهة الثانية (ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور في الشّمال)
ويشتمل على عدّة ممالك وبلاد:
منها (بلاد الجركس) : قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهم على بحر نيطش من شرقيّه، وهم في شظف من العيش. قال والغالب عليهم دين النصرانية.
قلت: وقد جلب منهم «الظاهر برقوق» «1» صاحب الديار المصرية من المماليك أيام سلطنته ما يربو على العدد حتّى صار منهم معظم جند الديار المصرية، وصار بهم جمال مواكبها، والملك باق فيهم بالديار المصرية إلى الآن.
ومنها (بلاد الآص) : بفتح الهمزة الأولى والثانية وصاد مهملة في الآخر وهم طائفة، وبلادهم على بحر نيطش.
وقاعدتهم (مدينة قرقر) . قال في «تقويم البلدان» : بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الآخر.
وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع أو في آخره. قال: والقياس أنها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي قلعة عاصية منيعة في جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه، وفي وسط الجبل وطاءة تسع [أهل]«2» تلك البلاد. وعندها جبل عظيم شاهق يقال له (جاطر طاغ) يظهر لأهل السفن من بحر القرم. وهي في شماليّ صاري كرمان على نحو يوم منها.
ومنها (بلاد البرغال) بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام في الآخر. ويقال لهم أولاق أيضا بقاف في الآخر.
وقاعدتهم (مدينة طرنو) . قال في «تقويم البلدان» : بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر، وموقعها في الإقليم السابع. قال: والقياس أنها حيث الطول ستّ وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي غربيّ صقجي على ثلاثة أيام وأهلها كفّار. قال بعض المسافرين وهي على خور البرغال.
ومنها (بلاد البلغار والسّرب) وهما طائفتان على بحر نيطش.
فأما البلغار فبضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة. قال المؤيّد صاحب حماة في تاريخه: وهم منسوبون إلى المدينة التي يسكنونها، وقد سمّاها في كتابه «تقويم البلدان» : بلار بضم الباء وفتح اللام وألف وراء مهملة في الآخر. ثم قال: ويقال لها بالعربية (بلغار) .
وأما السّرب فبفتح السين وسكون الراء المهملتين وباء موحدة في الآخر.
وهم في مملكة صاحب البلغار. وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة، وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» : حيث الطول ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبة من شط إثل من الجانب الشماليّ الشرقيّ، وهي وصراي في برّ واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلة، وهي في وطاءة، والجبل عنها أقلّ من يوم، وبها ثلاث حمّامات، ولا يكون بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه من العنب وغيره لشدّة بردها، وبها الفجل الأسود في غاية الكبر، قال المؤيّد صاحب حماة: وحكى لي بعض أهلها أنّ في أوّل فصل الصيف لا يغيب الشّفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكيّة، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء
[عدم]«1» غيبوبة الشّفق في أوّل فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصحّ ذلك على كل تقدير.
وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن حسن الرومي عن مسعود الموقّت بها: أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف تحريرا، وأنهم جرّبوه بالآلات الرّصدية فوجدوه كذلك. قال صاحب حماة في تاريخه: وكان الغالب عليهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعة. وذكر في «تقويم البلدان» أن أهلها مسلمون حنفيّة، وذكر المسعودي في «مروج الذهب» أنه كان بالسّرب والبلغار دار إسلام من قديم.
قال في «مسالك الأبصار» : أما الآن فقد تبدّلت بإيمانها كفرا، وتداولها طائفة من عبّاد الصليب، ووصلت منهم رسل إلى صاحب مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بكتاب من صاحب السّرب والبلغار، يعرض نفسه على مودّته ويسأله سيفا يتقلّده، وسنجقا يقهر أعداءه به، فأكرم رسوله، وأحسن نزله، وجهّز له معه خلعة كاملة: طردوحش بقصب بسنجاب مقندس، على مفرّج إسكندري، وكلّوته زركش، وشاش بطرفين رقم، ومنطقة ذهب، وكلاليب كذلك، وسيف محلّى، وسنجق سلطانيّ أصفر مذهب، قال في «التعريف» : وجهّز له أيضا الخيل المسرجة الملجمة. وربما أنه يظهر لصاحب السراي الانقياد والطاعة. قال في «مسالك الأبصار» : وذلك لعظمة سلطانه عليهم، وأخذه بخناقهم لقربهم منه.
ولصاحب السّرب والبلغار مكاتبة تخصّه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها (بلاد أفتكون) بألف وفاء وتاء مثناة ثم كاف وواو ونون. وهي بلاد تلي بلاد البلغار في جهة الشّمال.
وقاعدتهم مدينة تسمّى (قصبة أفتكون) والقصبة في مصطلحهم المدينة الصغيرة. قال في «مسالك الأبصار» : وبينها وبين البلغار مسافة عشرين يوما
بالسير المعتاد. وحكي عن مسعود الموقّت بالبلغار أنه حرّر ليلها فوجد أقصر ليلها ثلاث ساعات ونصف، أقصر من ليل البلغار بساعة واحدة.
ومنها (بلاد الصّقالبة) بفتح الصاد المهملة والقاف وألف وكسر اللام وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ويقال لبعض بلادها بلاد سبراوير. وهي تلي بلاد أفتكون في جهة الشمال، قال في «مسالك الأبصار» : وهي بلاد شديدة البرد، لا يفارقها الثلج مدّة ستة أشهر لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم، ولهذا تقلّ المواشي عندهم. وحكى عن الفاضل شجاع الدين: عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن منها يجلب السّمّور والسّنجاب، ثم قال: وليس بعدهم في العمارة شيء. وذكر أنه جاء جدّه فتيا من بعض أهلها يسأل فيها كيف تكون صلاة أهل بلد لا يغيب عندهم الشفق حتّى يطلع الصبح؟ لسرعة انقضاء الليل وهذا ظاهر في أن هذه البلاد مسلمون أو فيهم المسلمون.
ومنها (بلاد جولمان) بجيم وواو ولام ثم ميم وألف ونون. وهي تلي بلاد سبراوير المقدّمة الذكر في جهة الشمال. وهي على مثل حال بلاد سبراوير في شدّة البرد وكثرة الثلج وأشدّ من ذلك. قال في «مسالك الأبصار» قال حسن الروميّ:
وهؤلاء هم سكّان قلب الشّمال، والواصل إليهم من الناس قليل، والأقوات عندهم قليلة حتى يحكى عنهم أنّ الإنسان منهم يجمع عظام أيّ حيوان كان، ثم يغلي عليه بقدر كفايته ثم يتركها، وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الودك «1» قال: وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرّقيق أنعم من أجسامهم، ولا أحسن من بياضهم، وصورتهم تامة الخلقة في حسن وبياض ونعومة عجيبة، ولكنهم زرق العيون. وإذا سافر المسافر من جولمان إلى جهة الشرق، وصل إلى مدينة قراقوم قاعدة القان الكبير القديمة. قال: وهي من بلاد الصين، وإذا سافر منها إلى جهة الغرب وصل إلى بلاد الرّوس، ثم إلى بلاد الفرنج.
ومنها (بلاد الرّوس) بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» وهي بلاد واغلة في الشمال، في غربيّ بلاد جولمان المقدّمة الذكر. قال صاحب حماة في تاريخه: ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش.
ومنها (بلاد الباشقرد) قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمة كبيرة ما بين بلاد الباب وبلاد فرنجة. قال: وغالبهم نصارى وفيهم مسلمون، وهم شرسو الأخلاق. قال في «مسالك الأبصار» : وهي مصاقبة لبلاد جولمان ثم قال: وفي باشقرد قاض مسلم معتبر.
ومنها (بلاد البرجان) بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وألف ونون، وقد تبدل الجيم شينا. قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمم كثيرة طاغية قد فشا فيهم التثليث. قال: وبلادهم واغلة في الشّمال، وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنّا لبعدهم وجفاء طباعهم، وقد تقدّم أن البرجان غلب على مكانهم الألمانيّة، فيحتمل أنهم هؤلاء، ويحتمل أنهم طائفة أخرى منهم غير هؤلاء.
ومنها (بلاد بمخ) بباء موحدة وميم ثم خاء معجمة. قال في «مسالك الأبصار» : وهي بلاد مشتركة بين بلاد الروس والفرنج.
ومنها (بلاد بوغزة) بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» : قال الشيخ علاء الدين بن النّعمان الخوارزميّ: وهي بلاد في أقصى الشّمال، وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب إلا الظلمات، وهي صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان أصلا، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقد عليه، ولا تطلع عليه الشمس أبدا. قال ابن النعمان: ويقال: إن الاسكندر مرّ بأطراف أوائل جبال الظّلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناسا من جنس التّرك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحد بلغتهم، وإذا أمسكهم أحد فرّوا من يده، يأكلون من نبات الجبال المجاورة
لهم فإذا أقحطوا أكل بعضهم بعضا، فمرّ بهم ولم يعترضهم.
واعلم أنه قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ علاء الدين بن النّعمان أن التّجار المتردّدين إلى بلاد الديار المصرية لا يتعدّون في سفرهم بلاد البلغار، ثم يرجعون من هناك، ثم تجّار بلغار يسافرون منها إلى بلاد جولمان، وتجّار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزة التي ليس بعدها عمارة. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أن شماليّ بلاد الرّوس مما هو متصل بالبحر المحيط الشماليّ قوما يبايعون مغايبة. وذكر عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنه إذا وصل التّجّار إلى تخومهم أقاموا حتّى يعلموا بهم، ثم يتقدمون إلى مكان معروف عندهم بالبيع والشراء، فيضع كلّ تاجر بضاعته ويعلّمها بعلامة، ثم يرجعون إلى منازلهم، ثم يحضر أولئك القوم ويضعون مقابل تلك البضائع السّمّور «1» ، والوشق، والثعلب، وما شاكل ذلك، ويدعونه ويمضون ثم يحضر التجّار من الغد فمن أعجبه ذلك أخذه وإلا تركه، حتّى يتفاصلوا على الرضا. وقد تقدّم ذكر مثل ذلك عن قوم بالهند وعن قوم ببلاد السّودان في الكلام على مملكة مالّي.
قلت: وقد تقدّم في الكلام على مملكة خوارزم والقبجاق من مملكة التورانيين في القسم الثاني منها أن الجركس والرّوس والآص أهل مدن عامرة آهلة، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدرّ الضّرع وتجري الأنهار، وتجنى الثّمار، ولا طاقة لهم بسلطان تلك البلاد. وإن كان فيهم ملوك فهم كالرّعايا لصاحب السراي إن داروه بالطاعة والتّحف والطّرف كفّ عنهم وإلا شنّ عليهم الغارات وضايقهم وحاصرهم.