الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الرابعة (في ذكر من ملك هذه البلاد)
قد ذكر ابن سعيد: أن هذه البلاد كانت بيد اليونان، وهم بنو يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام من جملة ما بيدهم قبل أن يغلب عليهم الرّوم، ثم غلب عليها الرّوم بعد ذلك فيما غلبوهم عليه، واستمرت بأيديهم في مملكة صاحب القسطنطينيّة على ما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة القسطنطينيّة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وكان كلّ من ملك هذه البلاد التي شرقيّ الخليج القسطنطيني يسمّى (الدّمستق) بضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة والتاء المثناة فوق وقاف في الآخر، وله ذكر في حروب الإسلام. قال في «العبر» : وكان ثغور المسلمين حينئذ من جهة الشام (ملطية) ومن جهة أذربيجان (أرمينية) إلى أن دخل بعض قرابة (طغرلبك) أحد ملوك السّلجوقيّة في عسكر إلى بلاد الروم هذه فلم يظفروا منها بشيء.
ثم دخلها بعد ذلك (مماني) أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربعمائة، ففتح وغنم وانتهى في بلادهم حتّى صار من القسطنطينيّة على خمس عشرة مرحلة، وبلغ سبيه مائة ألف رأس، والغنائم عشرة آلاف عجلة، والظّهر ما لا يحصى.
ثم فتح (قطلمش) بن إسرائيل بن سلجوق قونية، وأقصرا، وأعمالهما، ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين (ألب أرسلان) السّلجوقيّ بعد طغرلبك، وقتل قطلمش في حربه في سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وملك البلاد من بعده (ابنه سليمان) ثم كان بين سليمان ومسلم بن قريش صاحب الشأم حروب انهزم سليمان في بعضها وطعن نفسه بخنجر فمات في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وملك بعده ابنه (قليج أرسلان) تلك البلاد، ثم قتل قليج أرسلان في
بعض الوقائع.
وولي مكانه بقونية وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه (مسعود) واستقام له ملكها، ثم توفّي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
وملك بعده ابنه (قليج أرسلان) .
ثم قسم قليج أرسلان المذكور هذه البلاد بين أولاده: فأعطى قونية وأعمالها لابنه (غياث الدين كيخسرو) وأقصرا وسيواس لابنه (قطب الدين) ودوفاط لابنه (ركن الدين سليمان) وأنكورية لابنه (محيي الدين) وملطية لابنه (عزّ الدين قيصر شاه) والأبلستين لابنه (غيث الدين) وقيساريّة لابنه (نور الدين محمود) وأعطى أماسية لابن أخيه. ثم ندم على هذه القسمة، وأراد انتزاع الأعمال من أولاده فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين كيخسرو صاحب قونية فإنه بقي معه.
وحاصر ابنه محمودا في قيساريّة فتوفّي وهو محاصر لها في منتصف شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
واستقلّ (غياث الدين كيخسرو) بقونية وما والاها.
ثم ملكها من يده أخوه (نور الدين محمود) .
ثم ملك (قطب الدين) صاحب أقصرا وسيواس قيساريّة من يد أخيه محمود غدرا، ثم مات قطب الدين في أثر ذلك.
فملك أخوه (ركن الدين سليمان) صاحب دوفاط ما كان بيد أخيه قطب الدين من سيواس وأقصرا وقيساريّة. ثم ملك قونية بعد ذلك من يد أخيه غياث الدين. ثم ملك أماسية، ثم سار إلى ملطية، فملكها من يد عز الدين قيصر شاه سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ثم ملك أنكورية بعد ذلك في سنة إحدى وستمائة، واجتمع لركن الدين سليمان سائر أعمال إخوته وتوفي عقب ذلك.
وتولّى بعده ابنه (قليج أرسلان) فأقام يسيرا ثم قبض عليه أهل قونية وملّكوا عمه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه، وبقي حتّى قتل في حرب صاحب القسطنطينيّة سنة سبع وستمائة.
وملك بعده ابنه (كيكاوس) وتلقب الغالب بالله، وبقي حتّى مات سنة ستّ عشرة وستمائة، وخلّف بنين صغارا.
وملك بعده أخوه (علاء الدين كيقباد محمد شاه) وبقي حتّى توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة.
وملك بعده ابنه (غياث الدين كيخسرو) وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة.
وملك بعده ابنه (علاء الدين كيقباد) بعهد من أبيه. وفي أيامه أرسل القان (منكوقان بن جنكزخان) صاحب التخت بقراقوم عسكرا فاستولوا على قيساريّة ومسيرة شهر معها ورجعوا إلى بلادهم. ثم عادوا في سنة خمس وخمسين وستمائة واستولوا على ما كانوا استولوا عليه أوّلا وزادوا عليه، فسار علاء الدين كيقباد إلى القان بهدايا استصحبها معه مصانعا له فمات في طريقه، فوصل رفقته بما معهم من الهدايا إلى القان، فأخبروه الخبر، ورغبوا إليه في ولاية (عز الدين كيكاوس) أخي كيقباد المذكور فكتب القان إليه بالولاية، ثم أشرك بعد ذلك بينه وبين أخيه (ركن الدين قليج أرسلان) على أن يكون من سيواس إلى تخوم القسطنطينيّة غربا لعز الدين كيكاوس. ومن سيواس إلى أرزن الرّوم شرقا متصلا ببلاد التتر، لركن الدين قليج أرسلان، على إتاوة تحمل إلى القان بقراقوم، وجهّز القان من أمرائه أميرا اسمه (بيدو) على أن يكون شحنة له ببلاد الروم، لا ينفّذون في شيء إلا عن رأيه، ورجعوا إلى بلادهم، وقد حملوا معهم جثّة كيقباد إلى قونية فدفنوه بها. ولم يزل الأمر على ذلك حتّى سار هولاكو «1» بن طولى بن جنكزخان بعد استيلائه على بغداد إلى الشام في سنة ثمان وخمسين وستمائة، بعث إلى عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان المذكورين بالطّلب، فحضرا إليه وحضرا معه فتح حلب، ومعهما معين الدين سليمان البرواناه صاحب دقليم، فاختار هولاكو
أن يكون البرواناه المذكور سفيرا بينه وبينهما، ثم هلك بيدو الشّحنة ببلاد الروم.
وولي بعده ابنه (صمغان) ثم غلب ركن الدين قليج أرسلان على أخيه (عز الدين كيكاوس) وبقي في الملك وحده، وفرّ كيكاوس إلى (ميخائيل اللشكري) صاحب القسطنطينيّة، فأقام عنده حتّى بلغه عنه ما غيّر خاطره عليه فقبض عليه واعتقله حتّى مات.
واستبدّ ركن الدين قليج أرسلان بسائر بلاد الروم، فغلب على أمره معين الدين سليمان البرواناه المقدّم ذكره، ولم يزل حتّى قتله.
وأقام ابنه (غياث الدين كيخسرو) بن قليج أرسلان مكانه واستولى عليه وحجره، وصار البرواناه هو المستولي على بلاد الروم والقائم بملكها.
ثم دخل (الظاهر «1» بيبرس) صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم في سنة خمس وسبعين وستمائة، ولقيه صمغان بن بيدو الشّحنة من جهة التتار على بلاد الروم في جيش التّتر، فهزمهم وقتل وأسر، وسار إلى قيساريّة فملكها وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم رجع إلى بلاده.
وبلغ ذلك (أبغا) بن هولاكو صاحب إيران، فسار في جموعه إلى قيساريّة ورأى مصارع قومه فشقّ عليه، واتهم البرواناه في ممالأة الظاهر، فقبض عليه وقتله.
واستقلّ (غياث الدّين كيخسرو) بن ركن الدين قليج أرسلان بالملك بعده.
ثم لمّا ولي (أرغون) بن أبغا مملكة إيران بعد أبيه، قبض على غياث الدين كيخسرو وقتله في سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وأقام مكانه (مسعودا) ابن عمه كيكاوس، وعزل صمغان بن بيدو
الشّحنة. وولّى مكانه أميرا اسمه (أولاكو) وبقي مسعود بن كيخسرو في الملك وليس له منه سوى الاسم، والمتحدّث هو الشّحنة الذي من جهة التتر إلى أن مات في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، واستقلّ الشّحنة بالمملكة. وبقي أمراء التتر يتغالبون على الشّحنكيّة واحدا بعد واحد إلى أن كان منهم الأمير (سلامش) وبقي بها مدّة. ثم انحرف عن طاعة بيت هولاكو صاحب إيران، وكتب إلى الملك المنصور لاچين صاحب الديار المصرية يطلب تقليدا بأن يكون حاكما بجميع بلاد الرّوم، وأن يكون (أولاد قرمان) ومن عداهم في طاعته، فكتب له تقليد بذلك بإنشاء الشيخ شهاب الدين «محمود الحلبي» على ما سيأتي ذكره في الكلام على التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى في المقالة الخامسة.
ثم خاف على نفسه من (غازان) صاحب إيران، ففرّ إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية لاچين، ثم عاد إلى بلاد الروم لإحضار من تأخّر من أهله فقبضت عليه عساكر غازان وحملته إليه فقتله. ولم يزل أمرهم على التنقل من أمير إلى أمير من أمراء التتر إلى أن كان منهم الأمير (برغلي) وهو الذي قتل هيتوم ملك الأرمن صاحب سيس.
ثم كان بعده في سنة عشرين وسبعمائة الأمير (إبشبغا) .
ثم ولّى أبو سعيد صاحب إيران بعد ذلك على بلاد الرّوم هذه (دمرداش) ابن جوبان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فقوي بها ملكه. ثم قتل أبو سعيد جوبان والد دمرداش المذكور، فهرب دمرداش إلى الملك الناصر محمد بن «1» قلاوون صاحب الديار المصرية. وكان سنقر الأشقر أحد أمراء الملك الناصر قد هرب إلى السلطان أبي سعيد فوقع الصلح بين السلطانين على أن كلّا منهما يقتل الذي عنده ففعلا ذلك.
وكان قد بقي ببلاد الروم أمير من أمراء دمرداش اسمه (أرتنا) فبعث إلى
أبي سعيد بطاعته، فولّاه البلاد فملكها، فنزل سيواس واتخذها كرسيّا لملكه، ثم خرج عن طاعة أبي سعيد وكتب إلى الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية، وسأله كتابة تقليد بالبلاد، فكتب إليه بذلك وجهّزت إليه الخلع، فأقام دعوة الخطبة الناصريّة على منابر البلاد الرّوميّة، وضرب السّكّة باسمه، وجهّز بعض الدراهم المضروبة إلى الديار المصرية، وصارت بلاد الروم هذه من مضافات الديار المصرية، ولم يزل (أرتنا) على ذلك إلى أن توفّي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
واستولى على الروم أولاده من بعده إلى أن كان بها (محمد بن أرتنا) في سنة ست وستين وسبعمائة، وبقي حتّى توفّي في حدود الثمانين والسبعمائة وخلّف ابنا صغيرا.
فاستولى عليه الأمير (قليج أرسلان) أحد أمراء دولتهم وكفله.
ثم غدر به (القاضي إبراهيم) صاحب سيواس وقتله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واستولى على مملكة سيواس.
قال في «العبر» : وكان من طوائف التّركمان ببلاد الروم جموع كثيرة، كانوا يستعينون بهم في حروبهم على أعدائهم، وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميرا من أمرائهم اسمه (جق) فلما ملك سليمان بن قطلمش المقدّم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدّم ذكره، خرج جق هذا مع «مسلم بن قريش» صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش، فلما التقي الجمعان مال (جق) بمن معه من التّركمان إلى سليمان بن قطلمش، فانهزم مسلم بن قريش وقتل، وأقام أولئك التّركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها. فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبة أخيه كيكاوس، كان أمراء التّركمان يومئذ (محمد بك) وأخوه (إلياس بك) وصهره (علي بك) وقريبه (سونج) فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقرير إتاوة عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة