الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الحادية عشرة (في ترتيب أحوال هذه المملكة)
وتختلف الحال في ذلك باختلاف أحوال السلطان.
أما الخدمة، فخدمتان: إحداهما الخدمة اليوميّة، فإنه في كلّ يوم يمدّ الخوان «1» في قصر السلطان: ويأكل منه عشرون ألف نفر من الخانات، والملوك، والأمراء، والاصفهسلارية، وأعيان الجند، ويمدّ للسلطان خوان خاصّ، ويحضره معه من الفقهاء مائتا فقيه في الغداء والعشاء ليأكلوا معه ويبحثوا بين يديه.
وحكي عن الشيخ أبي بكر بن الخلّال: أنه سأل طبّاخ هذا السلطان عن ذبيحته في كلّ يوم- فقال: ألفان وخمسمائة رأس من البقر، وألفا رأس من الغنم، غير الخيل المسمّنة وأنواع الطير.
والثانية- الجمعيّة، فحكي عن الشيخ محمد الخجنديّ أن لهذا السلطان يوم الثّلاثاء جلوسا عامّا في ساحة عظيمة متسعة إلى غاية، يضرب له فيها حير «2» كبير سلطانيّ، يجلس في صدره على تخت عال مصفّح بالذهب، وتقف أرباب الدّولة حوله يمينا وشمالا، وخلفه السّلاح داريّة «3» وأرباب الوظائف قيام بين يديه على منازلهم، ولا يجلس إلا الخانات وصدر جهان «وهو قاضي القضاة» والدبيران «وهو كاتب السرّ الذي تكون له النّوبة» ويقف الحجّاب أمامه، وينادى مناداة عامّة: إن من كان له شكوى أو حاجة فليحضر، فيحضر من له شكوى أو حاجة، فيقف بين يديه فلا يمنع حتّى ينهي حاله، ويأمر السلطان فيه أمره.
ومن عادته أن لا يدخل عليه أحد ومعه سلاح البتّة حتّى ولا سكّين صغيرة
ويكون جلوسه داخل سبعة أبواب، ينزل الداخلون عليه على الباب الأوّل، وربما أذن لبعضهم بالركوب إلى الباب السادس. وعلى الباب الأوّل منها رجل معه بوق، فإذا جاء أحد من الخانات أو الملوك أو أكابر الأمراء، نفخ في البوق إعلاما للسلطان أنه قد جاءه رجل كبير: ليكون دائما على يقظة من أمره. ولا يزال ينفخ في البوق حتّى يقارب الداخل الباب السابع، فيجلس كلّ من دخل عند ذلك الباب حتّى يجتمع الكلّ، فإذا تكاملوا أذن لهم في الدخول، فإذا دخلوا جلس من له أهليّة الجلوس ووقف الباقون، وجلس القضاة والوزير وكاتب السرّ في مكان لا يقع فيه نظر السلطان عليهم، ومدّ الخوان. ثم يقدّم الحجّاب قصص أرباب المظالم وغيرهم، ولكلّ قوم حاجب يأخذ قصصهم، ثم يرفعون جميع القصص إلى حاجب مقدّم على الكل، فيعرضها على السلطان ويسمع ما يأمر فيها. فإذا قام السلطان جلس ذلك الحاجب إلى كاتب السرّ فأدّى إليه الرسائل في ذلك فينفّذها.
ثم يقوم السلطان من مجلسه ذلك ويدخل إلى مجلس خاصّ، ويدخل عليه العلماء فيجالسهم ويحادثهم ويأكل معهم، ثم ينصرفون، ويدخل السلطان إلى دوره.
أما حاله في الركوب، فإنه كان في قصوره يركب وعلى رأسه الچتر والسلاح داريّة وراءه محمولا بأيديهم السلاح. وحوله قريب اثني عشر ألف مملوك، جميعهم ليس فيهم راكب إلا حامل الچتر والسّلاح داريّة والجمداريّة «1» حملة القماش إن كان في غير قصوره. وعلى رأسه أعلام سود في أوساطها تنّين عظيم من الذهب، ولا يحمل أحد أعلاما سودا إلا له خاصّة. وفي ميسرته أعلام حمر، فيها تنّينان ذهب أيضا. وطبوله الذي يدق بها في الإقامة والسّفر على مثل الإسكندر.
وهو مائتا حمل نقّارات، وأربعون حملا من الكوسات الكبار، وعشرون بوقا، وعشرة صنوج «2»
قال الشيخ مبارك الأنباتيّ: ويحمل على رأسه الچتر إن كان في غير الحرب، فإن كان في الحرب حمل على رأسه سبعة جتورة، منها اثنان مرصّعان لا يقوّمان لنفاستهما. قال: ولدسته من الفخامة والعظمة والقوانين الشاهنشاهيّة ما لا يكون مثله إلا للإسكندر ذي القرنين أو لملك شاه بن ألب أرسلان.
ثم إن كان في الصيد فإنه يخرج في خفّ من اللباس في نحو مائة ألف فارس، ومائتي فيل، ويحمل معه أربعة قصور على ثمانمائة جمل، كلّ قصر على مائتي جمل ملبّسة جميعها بستور الحرير المذهبة، وكل قصر طبقتان غير الخيم والخركاوات. فإن كان يتنقّل من مكان إلى مكان للتنزّه وما في معناه، فيكون معه نحو ثلاثين ألف فارس، وألف جنيب «1» مسرجة ملجمة، ما بين ملبّس بالذهب ومطوّق وفيها المرصّع بالجواهر واليواقيت.
وإن كان في الحرب، فإنه يركب وعلى رأسه سبعة جتورة، وترتيبه في الحرب على ما ذكره قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ: أن يقف السلطان في القلب وحوله الأئمة والعلماء، والرّماة قدّامه وخلفه، وتمتدّ الميمنة والميسرة موصولة بالجناحين، وأمامه الفيلة الملبّسة البركصطوانات الحديد وعليها الأبراج المستّرة فيها المقاتلة، وفي تلك الأبراج منافذ لرمي النّشّاب وقوارير النّفط، وأمام الفيلة العبيد المشاة في خفّ من اللّباس بالسّتور والسلاح، فيسحبون حبال الفيلة والخيل في الميمنة والميسرة، تضم أطراف [الجيش]«2» من حول الفيلة ومن ورائها حتّى لا يجد هارب له مفرّا.
أما غير السلطان من عساكره، فقد جرت عادتهم أنّ الخانات والملوك والأمراء لا يركب أحد منهم في السّفر والحضر إلا بالأعلام، وأكثر ما يحمل الخان معه سبعة أعلام، وأقلّ ما يحمل الأمير ثلاثة، وأكثر ما يجرّ الخان في الحضر عشر
جنائب، وأكثر ما يجرّ الأمير في الحضر جنيبان، وفي السفر يتعاطى كلّ أحد منهم قدر طاقته.
وأما اتصال الأخبار بالسلطان، فذكر قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ: أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال: فأحوال الرعيّة له ناس يخالطون الرعيّة، ويطّلعون على أخبارهم، فمن اطّلع منهم على شيء أنهاه إلى من فوقه، وينهيه الآخر إلى من فوقه حتى يتّصل بالسلطان. وأحوال البلاد النائية لاتصال الأخبار منها من السرعة ما ليس في غيرها من الممالك، وذلك أن بين أمّهات الأقاليم وبين قصر السلطان أماكن متقاربة، مشبّهة بمراكز البريد بمصر والشأم إلا أن هذه الأماكن قريبة المدى بعضها من بعض، بين كل مكانين نحو أربع غلوات سهم أو دونها، في كلّ مكان عشرة سعاة ممن له خفّة وقوّة، ويحمل الكتب بينه وبين من يليه، ويعدو بأشدّ ما يمكنه إلى أن يوصّله إلى الآخر ليعدو به كذلك إلى مقصده، فيصل الكتاب من المكان البعيد في أقرب وقت. وفي كلّ مكان من هذه الأمكنة مسجد وسوق وبركة ماء. وبين دلّي وقبّة الإسلام اللتين هما قاعدتا المملكة طبول مرتّبة في أمكنة خاصّة، فحيثما كان في مدينة وفتح باب الأخرى أو أغلق يدقّ الطبل، فإذا سمعه ما يجاوره دقّ، فيعلم خبر فتح المدينة وفتح باب الأخرى وغلقه.