المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

[سورة الأعراف (7) : آية 158]

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)

لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَكْتُوبَةِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ الْمُقْتَضِي لِعُمُومِ رِسَالَتِهِ إِلَى النَّاسِ، جَمِيعًا، لَا كَمَا كَانَ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ عليهم السلام، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُبْعَثُونَ إِلَى قَوْمِهِمْ خَاصَّةً، وجَمِيعاً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أي: حال كونكم جميعا، والَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِمَّا فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى الصِّفَةِ لِلِاسْمِ الشَّرِيفِ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَجُمْلَةُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ بَدَلٌ مِنَ الصِّلَةِ، مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِهَا مُبَيِّنٌ لَهَا، لأنّ من ملك السموات وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا هُوَ الْإِلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهَكَذَا مَنْ كَانَ يُحْيِي وَيُمِيتُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَنَفْيِ الشُّرَكَاءِ عَنْهُ، وَالْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، وَهُمَا وَصْفَانِ لِرَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَصْفٌ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِهِ أَوِ الْقُرْآنُ فَقَطْ، وَجُمْلَةُ وَاتَّبِعُوهُ مُقَرِّرَةٌ لِجُمْلَةِ فَآمِنُوا بِاللَّهِ، ولَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ عِلَّةٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ وَالِاتِّبَاعِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعْثُ الله محمدا صلى الله عليه وسلم إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ فَقَالَ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَشْهُورَةٌ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ قَالَ: آيَاتُهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَكَلِماتِهِ قال: عيسى.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163)

وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)

ص: 290

قَوْلُهُ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى لَمَّا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مَا وَقَعَ مِنَ السَّامِرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَمَا حَصَلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ التَّزَلْزُلِ فِي الدِّينِ، قَصَّ عَلَيْنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ مِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةً مُخَالِفَةً لِأُولَئِكَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ أَيْ: يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْهِدَايَةِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَلَبِّسِينَ بِالْحَقِّ وَبِهِ أَيْ: بِالْحَقِّ يَعْدِلُونَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحُكْمِ وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِ مُوسَى الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ، لَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَّةِ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وَالْمَعْنَى: صَيَّرْنَاهُمْ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً وَمَيَّزْنَا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مَيَّزَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى صَارُوا أَسْبَاطًا، كُلُّ سِبْطٍ مَعْرُوفٌ عَلَى انْفِرَادِهِ، لِكُلِّ سِبْطٍ نَقِيبٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً «1» وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ:

اثْنَتَيْ عَشْرَةَ هو ثاني مَفْعُولَيْ قَطَّعْنَا لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّصْيِيرِ، وَأَسْبَاطًا: تَمْيِيزٌ له، أو بدل منه، وأُمَماً نَعْتٌ لِلْأَسْبَاطِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَالْأَسْبَاطُ: جَمْعُ سِبْطٍ: وَهُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ، صَارُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُمَّةً مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا، وَأَرَادَ بِالْأَسْبَاطِ: الْقَبَائِلَ، وَلِهَذَا أُنِّثَ الْعَدَدُ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَإِنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا عَشْرُ أَبْطُنٍ

وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ

أَرَادَ بِالْبَطْنِ: الْقَبِيلَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْأَسْبَاطِ فِي الْبَقَرَةِ، وَرَوَى الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ قَطَّعْناهُمُ مُخَفَّفًا، وَسَمَّاهُمْ أُمَمًا، لِأَنَّ كُلَّ سِبْطٍ كَانَ جَمَاعَةً كَثِيرَةَ الْعَدَدِ، وَكَانُوا مُخْتَلِفِي الْآرَاءِ يَؤُمُّ بَعْضُهُمْ غَيْرَ مَا يَؤُمُّهُ الْآخَرُ وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَيْ: وَقْتَ اسْتِسْقَائِهِمْ لَهُ لَمَّا أَصَابَهُمُ الْعَطَشُ فِي التِّيهِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ تَفْسِيرٌ لِفِعْلِ الْإِيحَاءِ فَانْبَجَسَتْ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ: فَضَرَبَ فَانْبَجَسَتْ، وَالِانْبِجَاسُ: الِانْفِجَارُ، أَيْ: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً بِعَدَدِ الْأَسْبَاطِ لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ أَيْ: كُلُّ سِبْطٍ مِنْهُمُ الْعَيْنَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ الَّتِي يَشْرَبُ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ مُغْنِيَةٌ عَنِ الْإِعَادَةِ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ أَيْ: جَعَلْنَاهُ ظُلَلًا عَلَيْهِمْ فِي التِّيهِ، يَسِيرُ بِسَيْرِهِمْ، وَيُقِيمُ بِإِقَامَتِهِمْ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى أَيِ: التَّرَنْجَبِينَ وَالسَّمَّانِيَّ، كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْبَقَرَةِ كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا مِنَ الْمُسْتَلَذَّاتِ الَّتِي رَزَقْنَاكُمْ وَما ظَلَمُونا بِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَكُفْرَانِ النِّعَمِ وَعَدَمِ تَقْدِيرِهَا حَقَّ قَدْرِهَا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أَيْ: كَانَ ظُلْمُهُمْ مُخْتَصًّا بِهِمْ مَقْصُورًا عَلَيْهِمْ، لَا يُجَاوِزُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ أَيْ: وَاذْكُرْ وَقْتَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ أي: ببيت المقدس أو أريحاء، وقيل:

(1) . المائدة: 12.

ص: 291

غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكُلُوا مِنْها أَيْ: مِنَ الْمَأْكُولَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَيْ: فِي أَيِّ مَكَانٍ شِئْتُمْ مِنْ أَمْكِنَتِهَا لَا مَانِعَ لَكُمْ مِنَ الْأَكْلِ فِيهِ وَقُولُوا حِطَّةٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي الْبَقَرَةِ وَادْخُلُوا الْبابَ أَيْ: بَابَ الْقَرْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ كَوْنِكُمْ سُجَّداً أُمِرُوا بِأَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ قَوْلِهِمْ حِطَّةً، وَبَيْنَ الدُّخُولِ سَاجِدِينَ، فَلَا يُقَالُ كَيْفَ قَدَّمَ الْأَمْرَ بِالْقَوْلِ هُنَا عَلَى الدُّخُولِ وَأَخَّرَهُ فِي الْبَقَرَةِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى السُّجُودِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ جَوَابُ الْأَمْرِ. وقرئ خطيتكم ثُمَّ وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ: سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ أَيْ: سَنَزِيدُهُمْ عَلَى الْمَغْفِرَةِ لِلْخَطَايَا بِمَا يُتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا لَهُمْ بَعْدَ الْمَغْفِرَةِ؟ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبَقَرَةِ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ أَيْ: عَذَابًا كَائِنًا مِنْهَا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ أَيْ: بِسَبَبِ ظلمهم. قوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ مَعْطُوفٌ عَلَى عَامِلِ إِذِ الْمُقَدَّرِ، أَيِ: اذْكُرْ إِذْ قِيلَ لَهُمْ وَاسْأَلْهُمْ، وَهَذَا سُؤَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ سُؤَالِ الْقَرْيَةِ: سُؤَالُ أَهْلِهَا، أَيِ: اسْأَلْهُمْ عَنْ هَذَا الْحَادِثِ الَّذِي حَدَثَ لَهُمْ فِيهَا الْمُخَالِفِ لِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ. وَفِي ضِمْنِ هَذَا السُّؤَالِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ تَعْرِيفُ الْيَهُودِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ اطِّلَاعَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِخْبَارٍ لَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ: أَيُّ قَرْيَةٍ هِيَ؟ فَقِيلَ: أَيْلَةُ، وَقِيلَ: طَبَرِيَّةُ، وَقِيلَ: مَدْيَنُ، وَقِيلَ:

إِيلِيَا، وَقِيلَ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَاحِلِ الشَّامِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ أَيِ: الَّتِي كَانَتْ بِقُرْبِ الْبَحْرِ، يُقَالُ كُنْتُ بِحَضْرَةِ الدَّارِ أَيْ: بِقُرْبِهَا. وَالْمَعْنَى: سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الْمَوْجُودِينَ عَنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ. قُرِئَ «وَاسْأَلْهُمْ» وَقُرِئَ «سَلْهُمْ» . إِذْ يَعْدُونَ أَيْ: وَقْتَ يَعْدُونَ، وَهُوَ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، لِأَنَّ السُّؤَالَ هُوَ عَنْ حَالِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ وَقْتَ يَعْدُونَ وَقِيلَ: إِنَّهُ ظَرْفٌ لِكَانَتْ أَوْ لِحَاضِرَةٍ.

وَقُرِئَ «يُعِدُّونَ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ الْإِعْدَادِ لِلْآلَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَعْدُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الدَّالِ مُخَفَّفَةً، أَيْ: يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ اللَّهِ بِالصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الَّذِي نُهُوا عَنِ الِاصْطِيَادِ فِيهِ، وَقُرِئَ «يَعَدُّونَ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ وَضَمِّ الدال مشدّدة، وبمعنى يَعْتَدُونَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ. وَالسَّبْتُ: هُوَ الْيَوْمُ الْمَعْرُوفُ، وَأَصْلُهُ السُّكُونُ، يُقَالُ سَبَتَ إِذَا سَكَنَ وَسَبَتَ الْيَهُودُ تَرَكُوا الْعَمَلَ فِي سَبْتِهِمْ، والجمع أسبت، وسبوت، وأسبات، وقرأ ابن السميقع فِي «الْأَسْبَاتِ» عَلَى الْجَمْعِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظَرْفٌ لِيَعْدُونَ. وَالْحِيتَانُ: جَمْعُ حُوتٍ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لِمَزِيدِ اخْتِصَاصٍ لَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الْإِتْيَانِ يَوْمَ السَّبْتِ دُونَ ما عداه، ويَوْمَ سَبْتِهِمْ ظرف لتأتيهم. وقرئ «يوم أسباتهم» وشُرَّعاً حَالٌ، وَهُوَ جَمْعُ شَارِعٍ، أَيْ: ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ، وَقِيلَ: رَافِعَةً رُؤُوسَهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ تشرع على أبوابهم كَالْكِبَاشِ الْبِيضِ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: يُقَالُ: شَرَعَ علينا فلان: إذا أدنى مِنَّا، وَأَشْرَفَ عَلَيْنَا، وَشَرَعْتُ عَلَى فُلَانٍ فِي بَيْتِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْعَلُ كَذَا، انْتَهَى وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ أَيْ: لَا يَفْعَلُونَ السَّبْتَ، وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ يَوْمِ السَّبْتِ لَا تَأْتِيهِمُ الْحِيتَانُ كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِمْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أَيْ:

ص: 292

مِثْلَ ذَلِكَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ نَبْلُوهُمْ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ، وَالِابْتِلَاءُ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى إِذْ يَعْدُونَ مَعْمُولٌ لِعَامِلِهِ دَاخِلٌ فِي حُكْمِهِ، وَالْأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ، أَيْ: قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِآخَرِينَ مِمَّنْ كَانَ يَجْتَهِدُ فِي وَعْظِ الْمُتَعَدِّينَ فِي السَّبْتِ حِينَ أَيِسُوا مِنْ قَبُولِهِمْ لِلْمَوْعِظَةِ، وَإِقْلَاعِهِمْ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَيْ: مُسْتَأْمَلٌ لَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً بِمَا انْتَهَكُوا مِنَ الْحُرْمَةِ، وَفَعَلُوا مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَقِيلَ: إِنَّ الْجَمَاعَةَ الْقَائِلَةَ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا؟ هُمُ الْعُصَاةُ الْفَاعِلُونَ لِلصَّيْدِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، قَالُوا ذَلِكَ لِلْوَاعِظِينَ لَهُمْ حِينَ وَعَظُوهُمْ. وَالْمَعْنَى: إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ مُهْلِكُنَا كَمَا تَزْعُمُونَ فَلِمَ تَعِظُونَنَا قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ أَيْ: قَالَ الْوَاعِظُونَ لِلْجَمَاعَةِ الْقَائِلِينَ لَهُمْ لِمَ تَعِظُونَ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ صُلَحَاءِ الْقَرْيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، أَوِ الْفَاعِلِينَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ قَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ مَعْذِرَةً

بِالنَّصْبِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَنَصْبُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ فَعَلْنَا ذَلِكَ مَعْذِرَةً، أَيْ: لِأَجْلِ الْمَعْذِرَةِ. وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةً إِلَى اللَّهِ حَتَّى لَا يُؤَاخِذَنَا بِتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا عَلَيْنَا، وَلِرَجَاءِ أَنْ يَتَّعِظُوا فَيَتَّقُوا وَيُقْلِعُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.

قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ عَصَتْ وَصَادَتْ وَكَانَتْ نَحْوَ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَفِرْقَةٌ اعْتَزَلَتْ فَلَمْ تَنْهَ وَلَمْ تَعْصِ، وَفِرْقَةٌ اعْتَزَلَتْ وَنَهَتْ وَلَمْ تَعْصِ، فَقَالَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تَنْهَ وَلَمْ تَعْصِ لِلْفِرْقَةِ النَّاهِيَةِ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً يُرِيدُونَ: الْفِرْقَةَ الْعَاصِيَةَ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ لِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ اللَّهِ مِنْ إِهْلَاكِ الْعُصَاةِ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ مِنْ دُونِ اسْتِئْصَالٍ بِالْهَلَاكِ، فَقَالَتِ النَّاهِيَةُ: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةً إِلَى اللَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، وَلَوْ كَانُوا فِرْقَتَيْنِ فَقَطْ نَاهِيَةً غَيْرَ عَاصِيَةٍ، وَعَاصِيَةً، لَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

قَوْلُهُ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَيْ: لَمَّا تَرَكَ الْعُصَاةُ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ مَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ الصَّالِحُونَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ تَرْكَ النَّاسِي لِلشَّيْءِ الْمُعْرِضِ عَنْهُ كُلِّيَّةَ الْإِعْرَاضِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ أَيِ: الَّذِينَ فَعَلُوا النَّهْيَ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهُمُ الْعُصَاةُ الْمُعْتَدُونَ فِي السَّبْتِ بِعَذابٍ بَئِيسٍ أَيْ:

شَدِيدٍ، مِنْ بَؤُسَ الشَّيْءُ يَبْؤُسُ بَأْسًا إِذَا اشْتَدَّ، وَفِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ قِرَاءَةً لِلسَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أَيْ: بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِأَخَذْنَا فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ أَيْ: تَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَمَرُّدًا وَتَكَبُّرًا قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً أَيْ: أَمَرْنَاهُمْ أَمْرًا كَوْنِيًا لَا أَمْرًا قَوْلِيًّا، أَيْ:

مَسَخْنَاهُمْ قِرَدَةً، قِيلَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَذَّبَهُمْ أَوَّلًا بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ فَلَمَّا لَمْ يُقْلِعُوا مَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ:

فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا تَكْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ، وَأَنَّ الْمَسْخَ هُوَ الْعَذَابُ الْبَئِيسُ، وَالْخَاسِئُ: الصَّاغِرُ الذَّلِيلُ أَوِ الْمُبَاعَدُ الْمَطْرُودُ، يُقَالُ: خَسَأْتُهُ فَخُسِئَ، أَيْ: بَاعَدْتُهُ فَتَبَاعَدَ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنَ الْعَذَابِ إِلَّا الْفِرْقَةُ النَّاهِيَةُ الَّتِي لَمْ تَعْصِ لِقَوْلِهِ: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَنَّهُ لَمْ يُعَذَّبْ بِالْمَسْخِ إِلَّا الطَّائِفَةُ الْعَاصِيَةُ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَإِنْ كَانَتِ الطَّوَائِفُ مِنْهُمْ ثَلَاثًا كَمَا تَقَدَّمَ فَالطَّائِفَةُ الَّتِي لَمْ تَنْهَ وَلَمْ تَعْصِ يَحْتَمِلُ

ص: 293

أَنَّهَا مَمْسُوخَةٌ مَعَ الطَّائِفَةِ الْعَاصِيَةِ لِأَنَّهَا قَدْ ظَلَمَتْ نَفْسَهَا بِالسُّكُوتِ عَنِ النَّهْيِ وَعَتَتْ عَمَّا نَهَاهَا اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تُمْسَخْ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظَالِمَةً لِنَفْسِهَا عَاتِيَةً عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَنَهْيِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تَظْلِمْ نَفْسَهَا بِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ صَيْدُ الْحُوتِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَلَا عَتَتْ عَنْ نَهْيِهِ لَهَا عَنِ الصَّيْدِ وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ نَاهِيَةً كَالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً لِكَوْنِهَا قَدْ جَرَتِ الْمُقَاوَلَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنَ النَّاهِينَ الْمُعْتَزِلِينَ، فَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي النَّهْيِ وَالِاعْتِزَالِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الْمَسْخِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةٌ تَكُونُ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً يُصَلُّونَ الْخَمْسَ تَكُونُ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةٌ تَكُونُ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً يُعْطُونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ تَرْجِعُ فِيهِمْ فَيَأْكُلُونَ، قَالَ: تِلْكَ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ! اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ كَهَيْئَةِ الْمَرْضَاةِ «1» لِمُوسَى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ الْآيَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَكَفَرُوا وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، تَبَرَّأَ سِبْطٌ مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا، وَاعْتَذَرُوا، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ وَرَاءِ الصِّينِ فَهُمْ هُنَالِكَ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً «2» ووعد الآخرة: عيسى بن مَرْيَمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَارُوا فِي السِّرْبِ سَنَةً وَنِصْفًا.

أَقُولُ: وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ الْعَجِيبِ وَالنَّبَأِ الْغَرِيبِ مُحْتَاجٌ إِلَى تَصْحِيحِ النَّقْلِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى بَعْدَ عِيسَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، وَلَتَفْتَرِقَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، فَأَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:

وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو، وَأَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ «3» فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو، وَأَمَّا نَحْنُ فَيَقُولُ: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ «4» فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ زِيَادَةَ كُلُّهَا فِي النَّارِ لَمْ تَصِحَّ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَانْبَجَسَتْ قَالَ: فَانْفَجَرَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عباس، وهو يقرأ هذه الآية وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ قَالَ: يَا عِكْرِمَةُ! هَلْ تَدْرِي أَيَّ قَرْيَةٍ هَذِهِ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: هِيَ أَيْلَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هِيَ طَبَرِيَّةُ. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس

(1) . أي: ترضية له.

(2)

. الإسراء: 104.

(3)

. المائدة: 66.

(4)

. الأعراف: 181.

ص: 294