الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَدَقَةِ هَذَا، فَنَزَلَتِ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ الْآيَةَ، وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ أي: يطعنون على المطوّعين.
[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)
أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ صُدُورَ الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ لِلْمُنَافِقِينَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِاسْتِغْفَارِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا لِلْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وَفِيهِ بَيَانٌ لِعَدَمِ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِلْمُنَافِقِينَ وَإِنْ أَكْثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ لَكَانَ ذَلِكَ مَقْبُولًا كَمَا فِي سَائِرِ مَفَاهِيمِ الْأَعْدَادِ، بَلِ الْمُرَادُ بِهَذَا: الْمُبَالَغَةُ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ. فَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تُجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْمَثَلِ فِي كَلَامِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ التَّكْثِيرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمُ اسْتُغْفَارًا بَالِغًا فِي الْكَثْرَةِ غَايَةَ الْمُبَالِغِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ يُفِيدُ قَبُولَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا سَيَأْتِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لِتَخْصِيصِ السَّبْعِينَ وَجْهًا فَقَالَ: إِنَّ السَّبْعَةَ عدد شريف، لأنّها عدد السموات، وَالْأَرَضِينَ، وَالْبِحَارِ، وَالْأَقَالِيمِ، وَالنُّجُومِ السَّيَّارَةِ، وَالْأَعْضَاءِ، وَأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، فَصَيَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ إِلَى عَشَرَةٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَقِيلَ: خُصَّتِ السبعون بالذكر لأنه صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ عَلَى عَمِّهِ الْحَمْزَةِ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً بِإِزَاءِ تَكْبِيرَاتِكَ عَلَى حَمْزَةَ. وَانْتِصَابُ سَبْعِينَ عَلَى الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِمْ: ضَرَبْتُهُ عِشْرِينَ ضَرْبَةً. ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ: ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أَيِ: الْمُتَمَرِّدِينَ، الْخَارِجِينَ عَنِ الطَّاعَةِ، الْمُتَجَاوِزِينَ لِحُدُودِهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْهِدَايَةُ الْمُوصِلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ، لَا الْهِدَايَةُ الَّتِي بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ وَإِرَاءَةِ الطَّرِيقِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ قَبَائِحِ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ:
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ الْمُخَلَّفُونَ: الْمَتْرُوكُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَخَلَّفَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَوِ الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّطَهُمْ، أَوِ الشَّيْطَانُ، أَوْ كَسَّلَهُمْ، أَوِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَعْنَى بِمَقْعَدِهِمْ أَيْ: بِقُعُودِهِمْ، يُقَالُ: قَعَدَ قُعُودًا وَمَقْعَدًا أَيْ: جَلَسَ، وَأَقْعَدَهُ غَيْرُهُ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الجوهري فهو متعلق بفرح، أي: فرح المخلفون بقعودهم، وخلاف رسول الله:
منتصب على أنه ظرف لمقعدهم. قَالَ الْأَخْفَشُ وَيُونُسُ: الْخِلَافُ بِمَعْنَى الْخَلْفِ، أَيْ: بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ أَنَّ جِهَةَ الْأَمَامِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْإِنْسَانُ تُخَالِفُهَا جِهَةُ الْخَلْفِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَى خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ: مُخَالَفَةَ الرَّسُولِ حِينَ سَارَ وأقاموا، فانتصابه على مَفْعُولٌ لَهُ، أَيْ: قَعَدُوا لِأَجْلِ الْمُخَالَفَةِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِثْلِ: وَأَرْسَلَهَا الْعِرَاكَ، أَيْ: مُخَالِفِينَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْأَخْفَشُ وَيُونُسُ قِرَاءَةُ أَبِي حَيْوَةَ: خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَبَبُ ذَلِكَ الشُّحُّ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ، وَعَدَمُ وُجُودِ باعث الإيمان وداعي الإخلاص وجود الصَّارِفِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّفَاقِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُؤْمِنِينَ الْبَاذِلِينَ لِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِوُجُودِ الدَّاعِي مَعَهُمْ، وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ عَنْهُمْ وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ أَيْ: قَالَ الْمُنَافِقُونَ لِإِخْوَانِهِمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَثْبِيطًا لَهُمْ، وَكَسْرًا لِنَشَاطِهِمْ: وَتَوَاصِيًا بَيْنَهُمْ بِالْمُخَالَفَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ وَالْمَعْنَى:
أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ! كَيْفَ تَفِرُّونَ مِنْ هَذَا الْحَرِّ الْيَسِيرِ، وَنَارُ جَهَنَّمَ الَّتِي سَتَدْخُلُونَهَا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا أَشَدُّ حَرًّا مِمَّا فَرَرْتُمْ مِنْهُ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا فَرَرْتُمْ مِنْ حَرٍّ يَسِيرٍ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ، وَوَقَعْتُمْ فِي حَرٍّ كَثِيرٍ فِي زَمَنٍ كَبِيرٍ، بَلْ غَيْرِ مُتَنَاهٍ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينِ.
فكنت كالسّاعي إلى مثعب
…
موائلا مِنْ سُبُلِ الرَّاعِدِ
وَجَوَابُ لَوْ فِي لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ: مُقَدَّرٌ، أَيْ: لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أَنَّهَا كَذَلِكَ لَمَا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا.
قَوْلُهُ: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً هَذَانِ الْأَمْرَانِ مَعْنَاهُمَا الْخَبَرُ، وَالْمَعْنَى: فَسَيَضْحَكُونَ قَلِيلًا وَيَبْكُونَ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا جِيءَ بِهِمَا عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَحْتُومٌ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ، وقليلا وكثيرا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ: ضَحِكًا قَلِيلًا، وَبُكَاءً كَثِيرًا، أَوْ زَمَانًا قَلِيلًا، وَزَمَانًا كَثِيرًا جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ: جَزَاءً بِسَبَبِ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَهُ مِنَ الْمَعَاصِي، وَانْتِصَابُ جَزَاءً عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ:
يُجْزَوْنَ جَزَاءً فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ الرَّجْعُ مُتَعَدٍّ كَالرَّدِّ، وَالرُّجُوعُ لَازِمٌ، وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا قَالَ: إِلى طائِفَةٍ لِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ بَلْ كَانَ فِيهِمْ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لهم أعذارا صَحِيحَةٌ، وَفِيهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، ثُمَّ عَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَالثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ: إِلَى طَائِفَةٍ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَابَ عَنِ النِّفَاقِ، وَنَدِمَ عَلَى التَّخَلُّفِ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ مَعَكَ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى بَعْدَ غَزْوَتِكَ هَذِهِ فَقُلْ لَهُمْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا أَيْ: قُلْ لَهُمْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُمْ، وَلِمَا فِي اسْتِصْحَابِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا. وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ مَعِيَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَقُرِئَ بِسُكُونِهَا فِيهِمَا، وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ وَلَنْ تُقَاتِلُوا لِأَنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ، وَالْفَاءُ فِي فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ لِتَفْرِيعِ مَا بَعْدَهَا على ما قبلها، والخالفين: جَمْعُ خَالِفٍ، كَأَنَّهُمْ خَلَفُوا الْخَارِجِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ: مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْخُرُوجِ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَاقْعُدُوا مَعَ الْفَاسِدِينَ، مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ خَالَفَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِذَا كَانَ فَاسِدًا فِيهِمْ، مِنْ قَوْلِكَ خلف