الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
غَمَراتِ الْمَوْتِ قَالَ: سَكَرَاتُ الْمَوْتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عنه قال في قوله:
وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْبَسْطُ: الضَّرْبُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قَالَ فِي الْآيَةِ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن الضحاك في قوله: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ قَالَ: بِالْعَذَابِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: عَذابَ الْهُونِ قَالَ: الْهَوَانُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: سَوْفَ تَشْفَعُ لِيَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَنَزَلَتْ:
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى الْآيَةَ، قَالَ: كَيَوْمِ وُلِدَ يُرَدُّ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ نَقَصَ مِنْهُ يَوْمَ وُلِدَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ السدي في قَوْلِهِ: وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ قَالَ: مِنَ الْمَالِ وَالْخَدَمِ وَراءَ ظُهُورِكُمْ قَالَ: فِي الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ قَالَ: مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْوَصْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عن مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ قَالَ: تواصلكم في الدنيا.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى هَذَا شُرُوعٌ فِي تَعْدَادِ عَجَائِبِ صُنْعِهِ تَعَالَى وَذِكْرِ مَا يَعْجِزُ آلِهَتُهُمْ عَنْ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَالْفَلْقُ: الشَّقُّ أَيْ هُوَ سُبْحَانَهُ فَالِقُ الْحَبِّ فَيَخْرُجُ مِنْهُ النَّبَاتُ، وَفَالِقُ النَّوَى فَيَخْرُجُ مِنْهُ الشَّجَرُ وَقِيلَ: مَعْنَى فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى الشَّقُّ الَّذِي فِيهِمَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَقِيلَ: مَعْنَى فالِقُ خَالِقُ. وَالنَّوَى: جَمْعُ نَوَاةٍ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ عَجْمٌ كَالتَّمْرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ. قَوْلُهُ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَهِيَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَقِيلَ: هِيَ جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا مَعْنَاهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنَّ مَعْنَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يَخْرُجُ الْحَيَوَانَ مِنْ مِثْلِ النُّطْفَةِ وَالْبَيْضَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ.
وَمَعْنَى وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ مُخْرِجُ النُّطْفَةِ وَالْبَيْضَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ مِنَ الْحَيِّ، وَجُمْلَةُ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ
مِنَ الْحَيِ
مَعْطُوفَةٌ عَلَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ عَطْفُ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ: مَعْطُوفَةٌ عَلَى فالِقُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ جُمْلَةَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمُ إِلَى صَانِعِ ذَلِكَ الصُّنْعِ العجيب المذكور سابقا واللَّهَ خَبَرُهُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ صَانِعَ هَذَا الصُّنْعُ الْعَجِيبُ هُوَ الْمُسْتَجْمِعُ لِكُلِّ كَمَالٍ، وَالْمُفَضَّلُ بِكُلِّ إِفْضَالٍ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِكُلِّ حَمَدٍ وَإِجْلَالٍ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ مَعَ مَا تَرَوْنَ مِنْ بَدِيعِ صُنْعِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ. قَوْلُهُ: فالِقُ الْإِصْباحِ مُرْتَفِعٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَخْبَارِ إِنَّ فِي إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى، وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِلِاسْمِ الشَّرِيفِ فِي ذلِكُمُ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ فَالِقُ الْأَصْبَاحِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ جَمْعُ صُبْحٍ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ مَصْدَرُ أَصْبَحَ، وَالصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ: أَوَّلُ النَّهَارِ، وَكَذَا الْإِصْبَاحُ، وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ «فَلَقَ الْإِصْبَاحَ» بِفِعْلٍ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ. وَالْمَعْنَى فِي فالِقُ الْإِصْباحِ أَنَّهُ شَاقُّ الضِّيَاءِ عَنِ الظَّلَامِ وَكَاشِفُهُ، أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ فَالِقُ ظُلْمَةِ الْإِصْبَاحِ، وَهِيَ الْغَبَشُ، أَوْ فَالِقُ عَمُودِ الْفَجْرِ عَنْ بَيَاضِ النَّهَارِ، لِأَنَّهُ يَبْدُو مُخْتَلِطًا بِالظُّلْمَةِ ثُمَّ يصير أبيض خالصا. وقرأ الحسن وعيسى ابن عمر وعاصم وحمزة والكسائي وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً حَمْلًا عَلَى مَعْنَى فالِقُ عِنْدَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَعِيسَى فَعَطْفًا عَلَى فَلَقَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَجَاعِلُ عَطْفًا عَلَى فالق. وقرئ فالق وجاعل بِنَصْبِهِمَا عَلَى الْمَدْحِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ «وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَاكِنًا» . وَالسَّكَنُ: مَحَلُّ السُّكُونِ، مِنْ سَكَنَ إِلَيْهِ: إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَسْكُنُ فِيهِ النَّاسُ عَنِ الْحَرَكَةِ فِي مَعَاشِهِمْ وَيَسْتَرِيحُونَ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ. قَوْلُهُ: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ: أَيْ وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مجعولان حسبانا، وبالجرّ على الليل على قراءة من قرأ: وجاعل اللَّيْلَ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَالْحُسْبَانُ: جَمْعُ حِسَابٍ، مِثْلَ شُهْبَانٍ وَشِهَابٍ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: حُسْبَانٌ: مَصْدَرُ حَسِبْتُ الشيء أحسبه حسابا وَحُسْبَانًا. وَالْحِسَابُ: الِاسْمُ وَقِيلَ: الْحُسْبَانُ بِالضَّمِّ: مَصْدَرُ حَسَبَ بِالْفَتْحِ، وَالْحِسْبَانُ بِالْكَسْرِ: مَصْدَرُ حَسِبَ. وَالْمَعْنَى: جَعَلَهُمَا مَحَلَّ حِسَابٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْعِبَادِ، وَسَيَّرَهُمَا عَلَى تَقْدِيرٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، لِيَدُلَّ عِبَادَهُ بِذَلِكَ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ وَقِيلَ الْحُسْبَانُ: الضِّيَاءُ، وَفِي لُغَةٍ أَنَّ الْحُسْبَانَ:
النَّارُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ «1» وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ إِلَى الْجَعْلِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِجَاعِلٍ أَوْ بِجَعْلٍ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ. وَالْعَزِيزُ: الْقَاهِرُ الْغَالِبُ. وَالْعَلِيمُ: كَثِيرُ الْعِلْمِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَعْلُومَاتِهِ: تَسْيِيرُهُمَا عَلَى هَذَا التَّدْبِيرِ الْمُحْكَمِ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها أَيْ خَلَقَهَا لِلِاهْتِدَاءِ بِهَا فِي ظُلُماتِ اللَّيْلِ عِنْدَ الْمَسِيرِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَإِضَافَةُ الظُّلُمَاتِ إِلَى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لِكَوْنِهَا مُلَابِسَةً لَهُمَا، أَوِ الْمُرَادُ بِالظُّلُمَاتِ: اشْتِبَاهُ طُرُقِهِمَا الَّتِي لَا يُهْتَدَى فِيهَا إِلَّا بِالنُّجُومِ، وَهَذِهِ إِحْدَى مَنَافِعِ النُّجُومِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لَهَا، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ «2» . وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ «3» ، وَمِنْهَا: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ هَذِهِ الْفَوَائِدِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا بَيَانًا مُفَصَّلًا لِتَكُونَ أَبْلَغَ فِي الِاعْتِبَارِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بِمَا في هذه الآيات من
(1) . الكهف: 40.
(2)
. الصافات: 7.
(3)
. الملك: 5.
الدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَبَدِيعِ حَكَمْتِهِ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أَيْ آدَمَ عليه السلام كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ بَدِيعِ خَلْقِهِ الدَّالِّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو عَمْرٍو وَعِيسَى وَالْأَعْرَجُ وَالنَّخَعِيُّ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا مرفوعان على أنهما مبتداءان وَخَبَرُهُمَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَمِنْكُمْ مُسْتَقَرٌّ أَوْ فَلَكُمْ مُسْتَقَرٌّ، التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِيَةِ: أَيْ فَمِنْكُمْ مُسْتَقَرٌّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، أَوْ فَلَكُمْ مُسْتَقَرٌّ عَلَى ظَهْرِهَا، وَمِنْكُمْ مُسْتَوْدَعٌ فِي الرَّحِمِ أَوْ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ أَوْ فِي الصُّلْبِ وَقِيلَ: الْمُسْتَقَرُّ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ: الْمُسْتَقَرُّ فِي الْقَبْرِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: الْمُسْتَقَرُّ مَا كَانَ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ مَا كَانَ فِي الصُّلْبِ وَقِيلَ: الْمُسْتَقَرُّ مَنْ خُلِقَ، وَالْمُسْتَوْدَعُ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ وَقِيلَ: الِاسْتِيدَاعُ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ فِي الْقُبُورِ إِلَى الْمَبْعَثِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُسْتَقَرِّ بِالْكَوْنِ عَلَى الْأَرْضِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «1» ، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَاهُنَا يَفْقَهُونَ وَفِيمَا قَبْلَهُ يَعْلَمُونَ لِأَنَّ فِي إِنْشَاءِ الْأَنْفُسِ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعْلِ بَعْضِهَا مُسْتَقَرًا وَبَعْضَهَا مُسْتَوْدَعًا مِنَ الْغُمُوضِ وَالدِّقَّةِ مَا لَيْسَ فِي خَلْقِ النُّجُومِ لِلِاهْتِدَاءِ، فَنَاسَبَهُ ذِكْرُ الْفِقْهِ لِإِشْعَارِهِ بِمَزِيدِ تَدْقِيقٍ وَإِمْعَانِ فِكْرٍ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ عَجَائِبَ مَخْلُوقَاتِهِ. وَالْمَاءُ هُوَ مَاءُ الْمَطَرِ، وَفِي فَأَخْرَجْنا بِهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ إِظْهَارًا لِلْعِنَايَةِ بِشَأْنِ هَذَا الْمَخْلُوقِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ، وَالضَّمِيرُ في بِهِ عائد إلى الماء، ونَباتَ كُلِّ شَيْءٍ يَعْنِي كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ النَّبَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى رِزْقِ كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى. ثُمَّ فَصَّلَ هَذَا الْإِجْمَالَ فَقَالَ:
فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ أَخْضَرَ. وَالْخَضِرُ: رَطْبُ الْبُقُولِ، وَهُوَ مَا يَتَشَعَّبُ مِنَ الْأَغْصَانِ الْخَارِجَةِ مِنَ الْحَبَّةِ وَقِيلَ: يُرِيدُ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ وَالذُّرَةَ وَالْأُرْزَ وَسَائِرَ الْحُبُوبِ نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا هَذِهِ الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِخَضِرًا: أَيْ نَخْرُجُ مِنَ الْأَغْصَانِ الْخُضْرِ حَبًا مُتَرَاكِبًا: أَيْ مُرَكَّبًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضِهِ كَمَا فِي السَّنَابِلِ وَمِنَ النَّخْلِ خبر مقدّم، ومِنْ طَلْعِها بَدَلٌ مِنْهُ، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ يَخْرُجُ مِنْهُ حَبٌّ يَكُونُ ارْتِفَاعُ قِنْوَانٍ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى حَبٍّ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ قِنْوَانًا عَطْفًا عَلَى حَبًّا، وَتَمِيمٌ يَقُولُونَ قِنْيَانٍ. وَقُرِئَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ اللُّغَتَيْنِ، لُغَةِ قَيْسٍ، وَلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالطَّلْعُ: الْكُفْرِيُّ قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ عَنِ الْإِغْرِيضِ «2» ، وَالْإِغْرِيضُ يُسَمَّى طَلْعًا أَيْضًا. وَالْقِنْوَانُ: جَمْعُ قِنْوٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِهِ وَتَثْنِيَتِهِ أَنَّ الْمُثَنَّى مَكْسُورُ النُّونِ، وَالْجَمْعُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْرَابُ، وَمِثْلُهُ صِنْوَانٌ. وَالْقِنْوُ: الْعِذْقُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقِنْوَانَ أَصْلُهُ مِنَ الطَّلْعِ. وَالْعِذْقُ هُوَ عُنْقُودُ النَّخْلِ، وَقِيلَ الْقِنْوَانُ: الْجِمَارُ. وَالدَّانِيَةُ: الْقَرِيبَةُ الَّتِي يَنَالُهَا الْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: مِنْهَا دَانِيَةٌ، وَمِنْهَا بعيدة فحذف، ومثله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «3» وَخَصَّ الدَّانِيَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْآيَةِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالِامْتِنَانِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَقْرُبُ تَنَاوُلُهُ أكثر. قوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ
(1) . البقرة: 36.
(2)
. قال في القاموس: الطّلع من النخيل شيء يخرج كأنه نعلان مطبقان وقشره يسمى الكفري وما في داخله الإغريض لشدة بياضه.
(3)
. النحل: 81. [.....]
قَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ فِي قِرَاءَتِهِ الصَّحِيحَةِ عَنْهُ بِرَفْعِ جَنَّاتٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ. وَأَنْكَرَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ حَتَّى قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هِيَ مُحَالٌ، لِأَنَّ الْجَنَّاتِ لَا تَكُونُ مِنَ النَّخْلِ. قَالَ النَّحَّاسُ: لَيْسَ تَأْوِيلُ الرَّفْعِ عَلَى هَذَا، وَلَكِنَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ وَلَهُمْ جَنَّاتٌ، كَمَا قَرَأَ جَمَاعَةٌ من القراء وَحُورٌ عِينٌ «1» وَقَدْ أَجَازَ مِثْلَ هَذَا سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ، وَأَمَّا عَلَى النَّصْبِ فَقِيلَ:
هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ وَأَخْرَجْنَا بِهِ جَنَّاتٍ كَائِنَةً مِنْ أَعْنَابٍ، أَوِ النَّصْبِ بِفِعْلٍ يُقَدَّرُ مُتَأَخِّرًا:
أَيْ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ أَخْرَجْنَاهَا، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي انْتِصَابِ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ: وَقِيلَ: هُمَا منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين، ومُشْتَبِهاً مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ: أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي بَعْضِ أَوْصَافِهِ وَلَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ وَقِيلَ: إِنَّ أَحَدَهُمَا يُشْبِهُ الْآخَرَ فِي الْوَرَقِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى جَمِيعِ الْغُصْنِ وَبِاعْتِبَارِ حَجْمِهِ، وَلَا يُشْبِهُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي الطَّعْمِ وَقِيلَ: خَصَّ الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ لِقُرْبِ مَنَابِتِهِمَا مِنَ الْعَرَبِ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ «2» ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَنْظُرُوا نَظَرَ اعْتِبَارٍ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَإِلَى يَنْعِهِ إِذَا أَيْنَعَ. وَالثَّمَرُ فِي اللُّغَةِ: جَنَى الشَّجَرِ. وَالْيَانِعُ:
النَّاضِجُ الَّذِي قَدْ أَدْرَكَ وَحَانَ قِطَافُهُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْيَنْعُ جَمْعُ يَانِعٍ، كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ، أَيْنَعَ: احْمَرَّ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ثَمَرِهِ بضم الثاء والميم، وقرأ الباقون بفتحهما، إِلَّا الْأَعْمَشُ فَإِنَّهُ قَرَأَ ثُمْرَهُ بِضَمِّ الثَّاءِ وسكون الميم تخفيفا. وقرأ محمد بن السّميقع وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَيَنْعِهِ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ بَعْضِ أَهْلِ نَجْدٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكُمْ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ عَجَائِبَ مَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي قَصَّهَا عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يَقُولُ: خَلَقَ الْحَبَّ وَالنَّوَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَفْلِقُ الْحَبَّ وَالنَّوَى عَنِ النَّبَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الشِّقَّانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ قَالَ: النَّخْلَةَ مِنَ النَّوَاةِ وَالسُّنْبُلَةَ مِنَ الْحَبَّةِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ قَالَ: النَّوَاةُ مِنَ النَّخْلَةِ، وَالْحَبَّةُ مِنَ السُّنْبُلَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ قَالَ: النَّاسُ الْأَحْيَاءُ مِنَ النُّطَفِ، وَالنُّطْفَةُ مَيْتَةٌ تَخْرُجُ مِنَ النَّاسِ الْأَحْيَاءِ، وَمِنَ الْأَنْعَامِ وَالنَّبَاتِ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَيْ فَكَيْفَ تُكَذِّبُونَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عن الحسن قال:«أتى تُصْرَفُونَ» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فالِقُ الْإِصْباحِ قَالَ: «خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: يَعْنِي بِالْإِصْبَاحِ: ضَوْءَ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَضَوْءَ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي فالِقُ الْإِصْباحِ قَالَ: إِضَاءَةُ الْفَجْرَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعبد
(1) . الواقعة: 22.
(2)
. الغاشية: 17.
ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فالِقُ الْإِصْباحِ قَالَ: فَالِقُ الصُّبْحِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً قَالَ: سَكَنَ فِيهِ كُلُّ طَيْرٍ وَدَابَّةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً يَعْنِي عَدَدَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَالَ: يَضِلُّ الرَّجُلُ وَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَالْجَوْرُ: عَنِ الطَّرِيقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْخَطِيبُ فِي كِتَابِ النُّجُومِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي بَرِّكُمْ وَبَحْرِكُمْ ثُمَّ أَمْسِكُوا، فَإِنَّهَا وَاللَّهِ مَا خُلِقَتْ إِلَّا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرزاق وعبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، ثُمَّ انْتَهُوا» .
وَقَدْ وَرَدَ فِي اسْتِحْبَابِ مُرَاعَاةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ أَحَادِيثُ، مِنْهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِذِكْرِ اللَّهِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْخَطِيبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَالْخَطِيبُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ النُّجُومِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: التَّاجِرُ الْأَمِينُ، وَالْإِمَامُ الْمُقْتَصِدُ، وَرَاعِي الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ» . وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ:
«سَبْعَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، فَذَكَرَ مِنْهُمُ الرَّجُلَ الَّذِي يُرَاعِي الشَّمْسَ لِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ» . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِ الْمُرَاعَاةِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ انْقِضَاءَ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَأَوَّلُ صَلَاةِ الظُّهْرِ زَوَالُهَا، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ. وَوَرَدَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِ مَغِيبِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثالث الشهر» وبه يُعْرَفُ أَوَائِلُ الشُّهُورِ وَأَوْسَاطُهَا وَأَوَاخِرُهَا. فَمَنْ رَاعَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ رَاعَاهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بِمَا وَرَدَ، وَهَكَذَا النُّجُومُ، وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ النَّظَرِ فِيهَا كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّظَرِ فِي النُّجُومِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْمَرْهَبِيُّ وَالْخَطِيبُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّظَرِ فِي النُّجُومِ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ» . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّظَرِ فِيهَا لِمَا عَدَا الِاهْتِدَاءَ وَالتَّفَكُّرَ وَالِاعْتِبَارَ. وَمَا وَرَدَ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِي النُّجُومِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالِاهْتِدَاءِ وَالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ السَّابِقُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ