الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي قَوْلِهِ: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ قَالَ: يَظْلِمُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: شُرَّعاً يَقُولُ:
مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: وَارِدَةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ بَيْن مِصْرَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحِيتَانَ يَوْمَ سَبْتِهِمْ فَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا مَضَى يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، فَمَكَثُوا كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَخَذُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ سَبْتِهِمْ فَنَهَتْهُمْ طَائِفَةٌ، فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا غَيًّا. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النُّهَاةِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ وَكَانُوا أَشَدَّ غَضَبًا مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى وَكُلٌّ قَدْ كَانُوا يَنْهَوْنَ، فَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ نَجَتْ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ قَالُوا لِمَ تَعِظُونَ وَالَّذِينَ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَأَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ الَّذِينَ أَخَذُوا الْحِيتَانَ فَجَعَلَهُمْ قِرَدَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أَنَّهُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ: فِرْقَةُ العصاة، وفرقة الناهون، وفرقة القائلون لِمَ تَعِظُونَ فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ، فَأَصْبَحَ الَّذِينَ نَهَوْا ذَاتَ غَدَاةٍ فِي مَجَالِسِهِمْ يَتَفَقَّدُونَ النَّاسَ لَا يَرَوْنَهُمْ، وَقَدْ بَاتُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ وَغَلَّقُوا عَلَيْهِمْ دُورَهُمْ. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا فَانْظُرُوا مَا شَأْنُهُمْ؟ فَاطَّلَعُوا فِي دَوْرِهِمْ فَإِذَا الْقَوْمُ قَدْ مُسِخُوا يَعْرِفُونَ الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْدٌ، وَالْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا وَإِنَّهَا لَقِرْدَةٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سننه عن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا أَنَّهُ قَالَ: فَأَرَى الَّذِينَ نَهَوْا قَدْ نَجَوْا وَلَا أَرَى الْآخَرِينَ ذُكِرُوا، وَنَحْنُ نَرَى أَشْيَاءَ نُنْكِرُهَا وَلَا نَقُولُ فِيهَا. قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَرِهُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ وَخَالَفُوهُمْ، وَقَالُوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ قَالَ:
فَأَمَرَ بِي فَكُسِيتُ ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: نَجَا النَّاهُونَ وَهَلَكَ الْفَاعِلُونَ، وَلَا أَدْرِي مَا صُنِعَ بِالسَّاكِتِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَكُونَ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَالُوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً نَجَوْا مَعَ الَّذِينَ نَهَوْا عَنِ السُّوءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَدَلَ بِهِ. وَفِي لَفْظٍ: مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. وَلَكِنْ أَخَافَ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ نَزَلَتْ بِهِمْ جَمِيعًا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَدْرِي أَنَجَا الَّذِينَ قَالُوا:
لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَمْ لَا؟ قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَبْصُرُهُ حَتَّى عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فَكَسَانِي حُلَّةً.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: مُسِخُوا حِجَارَةً الَّذِينَ قَالُوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بِعَذابٍ بَئِيسٍ قال: أليم وجيع.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
قَوْلُهُ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، أَيْ: وَاسْأَلْهُمْ وَقْتَ تَأَذَّنَ رَبُّكَ، وَتَأَذَّنَ: تَفَعَّلَ، مِنِ الْإِيذَانِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: آذَنَ بِالْمَدِّ: أَعْلَمَ، وَأَذَّنَ بِالتَّشْدِيدِ: نَادَى. وَقَالَ قَوْمٌ:
كِلَاهُمَا بِمَعْنَى أَعْلَمَ كَمَا يُقَالُ أَيْقَنَ وَتَيَقَّنَ. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: وَاسْأَلْهُمْ وَقْتَ أَنْ وَقَعَ الْإِعْلَامُ لَهُمْ مِنْ رَبِّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ قِيلَ: وَفِي هَذَا الْفِعْلِ مَعْنَى الْقَسَمِ كَعَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ، وَلِذَلِكَ أُجِيبُ بِمَا يُجَابُ بِهِ الْقَسَمُ حَيْثُ قَالَ: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ أَيْ: لَيُرْسِلَنَّ عَلَيْهِمْ وَيُسَلِّطَنَّ كَقَوْلِهِ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ «1» ، إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غَايَةً لِسَوْمِهِمْ سُوءَ الْعَذَابِ ممن يبعثه الله عليهم، وقد كانوا أبقاهم اللَّهُ هَكَذَا أَذِلَّاءَ مُسْتَضْعَفِينَ مُعَذَّبِينَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْمِلَلِ، وَهَكَذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ فِي الذِّلَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَيْهِمْ وَالْعَذَابِ وَالصَّغَارِ، يُسَلِّمُونَ الْجِزْيَةَ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ وَيَمْتَهِنُهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا فِيهِ ذِلَّةٌ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَنَزَّهُ عَنْهَا غَيْرُهُمْ مِنْ طَوَائِفِ الْكُفَّارِ. وَمَعْنَى يَسُومُهُمْ يُذِيقُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَصْلِ مَعْنَاهُ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ يُعَاجِلُ بِهِ فِي الدنيا كما وقع لهؤلاء وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: كَثِيرُ الْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ: فَرَّقْنَاهُمْ فِي جَوَانِبِهَا، أَوْ شَتَّتْنَا أَمْرَهُمْ فَلَمْ تَجْتَمِعْ لَهُمْ كَلِمَةٌ، وأُمَماً مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِقَطَّعْنَا عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى صَيَّرْنَا، وَجُمْلَةُ مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ بَدَلٌ مِنْ أُمَماً، قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ غَيْرَ مُبَدِّلٍ، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ سَكَنُوا وَرَاءَ الصِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ أَيْ:
دُونَ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي اتَّصَفَتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَهُوَ الصَّلَاحُ، وَمَحَلُّ دُونَ ذلِكَ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمِنْهُمْ أُنَاسٌ دُونَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ: هُمْ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ، بَلِ انْهَمَكَ فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: دُونَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ أَيِ: امْتَحَنَّاهُمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعُوا مِمَّا هُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ الْمُرَادُ بِهِمْ أَوْلَادُ الَّذِينَ قَطَّعَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْخَلْفُ بِسُكُونِ اللَّامِ: الْأَوْلَادُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ. وَالْخَلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ: الْبَدَلُ ولدا كان أو غيره. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْخَلَفُ بِالْفَتْحِ: الصَّالِحُ، وَبِالسُّكُونِ: الطَّالِحُ. قَالَ لَبِيَدٌ:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ
…
وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ
وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّدِيءِ مِنَ الْكَلَامِ خَلْفٌ بِالسُّكُونِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إِلَيْكَ وَخَلْفُنَا
…
لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابِعُ
وَرِثُوا الْكِتابَ أَيِ: التَّوْرَاةَ مِنْ أَسْلَافِهِمْ يَقْرَءُونَهَا وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى
(1) . الإسراء: 5. [.....]
أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ وَقُوَّةِ نَهْمَتِهِمْ، وَالْأَدْنَى: مَأْخُوذٌ مِنَ الدُّنُوِّ، وَهُوَ الْقُرْبُ، أَيْ: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الشَّيْءِ الْأَدْنَى، وَهُوَ الدُّنْيَا يَتَعَجَّلُونَ مَصَالِحَهَا بِالرِّشَاءِ وَمَا هُوَ مَجْعُولٌ لَهُمْ مِنَ السُّحْتِ فِي مُقَابَلَةِ تَحْرِيفِهِمْ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، وَتَهْوِينِهِمْ لِلْعَمَلِ بِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ وَكَتْمِهِمْ لِمَا يَكْتُمُونَهُ مِنْهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْأَدْنَى مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّنَاءَةِ وَالسُّقُوطِ، أَيْ: إِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عَرَضَ الشَّيْءِ الدَّنِيءِ السَّاقِطِ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا أَيْ: يُعَلِّلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ مَعَ تَمَادِيهِمْ فِي الضَّلَالَةِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْحَقِّ، وَجُمْلَةُ يَأْخُذُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً لِبَيَانِ حَالِهِمْ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ: التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ لَهُمْ، وَجُمْلَةُ وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: يَتَعَلَّلُونَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ إِذَا أَتَاهُمْ عَرَضٌ مِثْلُ الْعَرَضِ الَّذِي كَانُوا يَأْخُذُونَهُ أَخَذُوهُ غَيْرَ مُبَالِينَ بِالْعُقُوبَةِ وَلَا خائفين من التبعة وقيل: الضمير في يَأْتِهِمْ لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ، أَيْ: وَإِنْ يَأْتِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَصْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَرَضٌ مِثْلُ الْعَرَضِ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ أَسْلَافُهُمْ أَخَذُوهُ كَمَا أَخَذَهُ أَسْلَافُهُمْ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَيِ: التَّوْرَاةِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَجُمْلَةُ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى يُؤْخَذْ عَلَى الْمَعْنَى، وَقِيلَ: عَلَى وَرِثُوا الْكِتابَ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ قَدْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِالْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ، وَالْحَالُ أَنْ قَدْ دَرَسُوا مَا فِي الْكِتَابِ وَعَلِمُوهُ، فَكَانَ التَّرْكُ مِنْهُمْ عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَشَدُّ ذَنْبًا وَأَعْظَمُ جُرْمًا. وَقِيلَ: مَعْنَى دَرَسُوا مَا فِيهِ أَيْ: مَحْوَهُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، وَالْفَهْمِ لَهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ دَرَسَتِ الرِّيحُ الْآثَارَ: إِذَا مَحَتْهَا وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَضِ الَّذِي أَخَذُوهُ وَآثَرُوهُ عَلَيْهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ وَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فَتَعْلَمُونَ بِهَذَا وَتَفْهَمُونَهُ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُمَسِّكُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ مَسَّكَ وَتَمَسَّكَ، أَيِ: اسْتَمْسَكَ بِالْكِتَابِ: وَهُوَ التَّوْرَاةُ. وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ بالتخفيف من أمسك ويمسك. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ مَسَكُوا وَالْمَعْنَى: أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَتَمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مَعَ كَوْنِهِمْ قَدْ دَرَسُوهُ وَعَرَفُوهُ وَهُمْ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَطَائِفَةٌ يَتَمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ، أَيِ: التَّوْرَاةِ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ، فَهُمُ الْمُحْسِنُونَ الَّذِينَ لَا يَضِيعُ أَجْرُهُمْ عند الله، والموصول: مبتدأ، وإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ خَبَرُهُ، أَيْ: لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ كَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُتَمَسِّكُونَ بِالتَّوْرَاةِ لِأَنَّهَا رَأَسُ الْعِبَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا، فَكَانَ ذَلِكَ وَجْهًا لِتَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُقَامُ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ مُسْتَمِرٌّ فَذُكِرَتْ لِهَذَا، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ فِي الْغَالِبِ تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَوْصُولِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، وَلِكَوْنِ أَفَلا تَعْقِلُونَ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ قَالَ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسُوءُ الْعَذَابِ: الْجِزْيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ