الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ فَعَايَنُوا ذَلِكَ مُعَايَنَةً. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَفْوَاجًا قَبِيلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَالَ: إِنَّ لِلْجِنِّ شَيَاطِينَ يُضِلُّونَهُمْ مِثْلَ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ يُضِلُّونَهُمْ، فَيَلْتَقِي شَيْطَانُ الْإِنْسِ وَشَيْطَانُ الْجِنِّ، فَيَقُولُ هَذَا لِهَذَا: أَضْلِلْهُ بِكَذَا وَأُضَلِّلُهُ بِكَذَا، فَهُوَ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجِنُّ هُمُ الْجَانُّ وَلَيْسُوا شَيَاطِينَ، وَالشَّيَاطِينُ وَلَدُ إِبْلِيسَ وَهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا مَعَ إِبْلِيسَ وَالْجِنُّ يَمُوتُونَ، فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَمِنْهُمُ الْكَافِرُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَهَنَةُ هُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قَالَ: شَيَاطِينُ الْجِنِّ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينُ وَمِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينُ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ قَالَ: يحسن بعضهم لبعض القول يتبعوهم فِي فِتْنَتِهِمْ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَهَلْ لِلْإِنْسِ شَيَاطِينُ؟ قَالَ: نَعَمْ، شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابن عباس وَلِتَصْغى تميل. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عنه وَلِتَصْغى تزيغ وَلِيَقْتَرِفُوا يكتسبوا.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
قَوْلُهُ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى فِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَالْكَلَامُ هُوَ عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ، وَالتَّقْدِيرُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: كَيْفَ أضلّ وأبتغي غير الله حكما؟ وغير: مفعول لأبتغي مقدّم عليه، وحكما:
الْمَفْعُولُ الثَّانِي أَوِ الْعَكْسِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ حَكَمًا عَلَى الْحَالِ، وَالْحَكَمُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَاكِمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمُشْتَقَّةِ. أَمَرَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ مَا طَلَبُوهُ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَكَمًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَجُمْلَةُ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ: أَيْ كَيْفَ أَطْلُبُ حَكَمًا غَيْرَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْقُرْآنَ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا وَاضِحًا مُسْتَوْفِيًا لِكُلِّ قَضِيَّةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ، ثُمَّ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَإِنْ أَظْهَرُوا الْجُحُودَ وَالْمُكَابَرَةَ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمَا دَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ كُتُبُ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وأنه خاتم الأنبياء،
وبِالْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا: أَيْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ، ثُمَّ نهاه الله عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْلَمُونَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْحَقِّ، أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُطْلَقِ الِامْتِرَاءِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْرِيضًا لِأُمَّتِهِ عَنْ أَنْ يَمْتَرِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، أَوِ الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ، أَيْ: فَلَا يَكُونَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُ الْخِطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ خِطَابَهُ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ. قَوْلُهُ:
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: كَلِمَةً، بِالتَّوْحِيدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالْجَمْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ: الْعِبَارَاتُ أَوْ مُتَعَلِّقَاتُهَا مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَتَمَّ وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، فَظَهَرَ الْحَقُّ وَانْطَمَسَ الْبَاطِلُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ أَوِ الْكَلِمَاتِ: القرآن، وصِدْقاً وَعَدْلًا مُنْتَصِبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوِ الْحَالِ أَوْ عَلَى أَنَّهُمَا نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: تَمَامُ صِدْقٍ وَعَدْلٍ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لَا خُلْفَ فِيهَا وَلَا مُغَيِّرَ لِمَا حَكَمَ بِهِ، وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ وَهُوَ السَّمِيعُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ الْعَلِيمُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ. قَوْلُهُ: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ إِذَا رَامَ طَاعَةَ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَضَلُّوهُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَكُونُ إلا بيد الأقلين، وهم الطائفة التي لا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ وَلَا يَضُرُّهَا خِلَافُ مَنْ يُخَالِفُهَا، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ: الْكُفَّارُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَرْضِ: مَكَّةَ، أَيْ: أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أَيْ: مَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ مَعْبُودَاتِهِمْ تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَيْ وَمَا هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ، أَيْ يَحْدِسُونَ وَيُقَدِّرُونَ، وَأَصْلُ الْخَرْصِ: الْقَطْعُ، وَمِنْهُ خَرَصَ النَّخْلَ يَخْرُصُ: إِذَا حَزَرَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ، فَالْخَارِصُ يَقْطَعُ بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ إِذْ لَا يَقِينَ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَكْثَرِ مَنْ فِي الْأَرْضِ فَالْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ، فَاتَّبِعْ مَا أَمَرَكَ بِهِ وَدَعْ عَنْكَ طَاعَةَ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِمَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَمَنْ يَهْتَدِي إِلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ أَعْلَمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى يَعْلَمُ، قَالَ:
وَمِنْهُ قَوْلُ حاتم الطائي:
تحالفت طَيُّ مِنْ دُونِنَا حِلْفًا
…
وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كنّا لهم خذلا
وَالْوَجْهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الِاسْمَ الظَّاهِرَ، فَتَكُونُ مِنْ مَنْصُوبَةً بِالْفِعْلِ الَّذِي جُعِلَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ نَائِبًا عَنْهُ إِنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ وَالنَّصْبُ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وَقِيلَ: إِنَّهَا مَنْصُوبَةٌ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَيْ إِنَّ رَبَّكَ أَعْلَمُ أَيُّ النَّاسِ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ بِمَنْ يَضِلُّ قَالَهُ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ جَرِّ بِإِضَافَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِلَيْهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: مُفَصَّلًا قَالَ: مُبَيَّنًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله: صِدْقاً وَعَدْلًا قال: صِدْقًا فِيمَا وَعَدَ، وَعَدْلًا فِيمَا حَكَمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَأَبُو نَصْرٍ السجزي في الإبانة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ قَالَ: لَا تَبْدِيلَ لِشَيْءٍ قَالَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ: مَا يُبَدَّلُ