المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

فَيَتَصَدَّقُ بِهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ قَالَ: مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: الْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ، وَالْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:

شِرْعَةً وَمِنْهاجاً قَالَ: سَبِيلًا وَسُنَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا أَنْ نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ، وَإِنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا يَهُودُ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قَالَ:

يَهُودُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هذا في قتيل اليهود.

[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55)

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56)

قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ حَقِيقَةً وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُنَافِقُونَ، وَوَصَفَهُمْ بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه. وقد كانوا يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِكُلِّ مَنْ يَتَّصِفُ بِالْإِيمَانِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ، فَيَدْخُلُ الْمُسْلِمُ وَالْمُنَافِقُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمُرَادُ. وَالْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ أَنْ يُعَامَلُوا مُعَامَلَةَ الأولياء في المصادقة وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ. وَقَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ أَوْلِيَاءُ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْهُمْ، وَبَعْضَ النَّصَارَى أَوْلِيَاءُ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ إِحْدَى طَائِفَتَيِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ «1» وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تُوَالِي الْأُخْرَى وَتُعَاضِدُهَا وَتُنَاصِرُهَا عَلَى عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَدَاوَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَإِنْ كَانُوا في ذات بينهم متعادين متضادّين.

(1) . البقرة: 113.

ص: 57

وَوَجْهُ تَعْلِيلِ النَّهْيِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْمُوَالَاةَ هِيَ شَأْنُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لَا شَأْنُكُمْ، فَلَا تَفْعَلُوا مَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِمْ فَتَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ التَّعْلِيلِيَّةَ بِمَا هُوَ كَالنَّتِيجَةِ لَهَا فَقَالَ: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَفِي عِدَادِهِمْ، وَهُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْكُفْرِ هِيَ الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ إِلَى غَايَةٍ لَيْسَ وَرَاءَهَا غَايَةٌ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تَعْلِيلٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَيْ أَنَّ وُقُوعَهُمْ فِي الْكُفْرِ هُوَ بِسَبَبِ عَدَمِ هِدَايَتِهِ سُبْحَانَهُ لِمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَمَنْ يُوَالِي الْكَافِرِينَ.

قَوْلُهُ: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْخِطَابُ إِمَّا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ: أَيْ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَوَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ هُوَ بِسَبَبِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ مَرَضِ النِّفَاقِ.

وَقَوْلُهُ: يُسارِعُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي إِذَا كَانَتِ الرُّؤْيَةُ قَلْبِيَّةً أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ إِذَا كَانَتْ بَصَرِيَّةً، وَجَعَلَ الْمُسَارَعَةَ فِي مُوَالَاتِهِمْ مُسَارَعَةً فِيهِمْ لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ رُغُوبِهِمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ مُسْتَقِرُّونَ فِيهِمْ دَاخِلُونَ فِي عِدَادِهِمْ. وقد قرئ فيرى بِالتَّحْتِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي فَاعِلِهِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ اللَّهُ عز وجل وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ الرُّؤْيَا وَقِيلَ: هُوَ الْمَوْصُولُ. وَمَفْعُولُهُ: يُسارِعُونَ فِيهِمْ عَلَى حَذْفِ أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ: أَيْ فَيَرَى الْقَوْمَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضُ أَنْ يُسَارِعُوا فِيهِمْ، فَلَمَّا حُذِفَتِ ارْتَفَعَ الْفِعْلُ كقوله:

ألا أيّهذا الّلائمي أحضر الوغى «1»

وَالْمَرَضُ فِي الْقُلُوبِ: هُوَ النِّفَاقُ وَالشَّكُّ فِي الدِّينِ. وَقَوْلُهُ: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ جُمْلَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَعْلِيلِ الْمُسَارَعَةِ فِي الْمُوَالَاةِ: أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْخَشْيَةَ هِيَ الْحَامِلَةُ لَهُمْ عَلَى الْمُسَارَعَةِ وَقِيلَ: إِنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُسَارِعُونَ. وَالدَّائِرَةُ: مَا تَدُورُ مِنْ مَكَارِهَ الدَّهْرِ: أَيْ نَخْشَى أَنْ تَظْفَرَ الْكُفَّارُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَتَكُونُ الدَّوْلَةُ لَهُمْ وَتَبْطُلُ دَوْلَتُهُ فَيُصِيبُنَا منهم مكروه، ومنه قوله الشَّاعِرِ:

يَرُدُّ عَنْكَ الْقَدْرَ الْمَقْدُورَا

وَدَائِرَاتِ الدَّهْرِ أَنْ تَدُورَا

أَيْ دُولَاتِ الدَّهْرِ الدَّائِرَةِ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ. وَقَوْلُهُ: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ رَدٌّ عَلَيْهِمْ وَدَفْعٌ لِمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْخَشْيَةِ، وَعَسَى فِي كَلَامِ اللَّهِ وَعْدٌ صَادِقٌ لَا يَتَخَلَّفُ. وَالْفَتْحُ: ظُهُورُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكَافِرِينَ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ مِنْ قَتْلِ مُقَاتَلَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، وَإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَقِيلَ: هُوَ فَتْحُ بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ. وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ كُلُّ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ صَوْلَةُ الْيَهُودِ وَمَنْ مَعَهُمْ وَتَنْكَسِرُ بِهِ شَوْكَتُهُمْ وَقِيلَ: هُوَ إِظْهَارُ أَمْرِ الْمُنَافِقِينَ وَإِخْبَارُ النبي صلى الله عليه وسلم بِمَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْرُهُ بِقَتْلِهِمْ وَقِيلَ: هُوَ الْجِزْيَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: الْخِصْبُ وَالسِّعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُصْبِحُ الْمُنَافِقُونَ عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَى الْمُوَالَاةِ نادِمِينَ عَلَى ذَلِكَ لِبُطْلَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَخَيَّلُوهَا وَانْكِشَافِ خِلَافِهَا. قَوْلُهُ: يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إسحاق وأهل الكوفة بإثبات الواو،

(1) . وتمامه: وأن أشهد اللذات، هل أنت مخلدي؟ وهو من معلقة طرفة بن العبد البكري.

ص: 58

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى مَعَ رَفْعِ يَقُولُ يَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً مَسُوقًا لِبَيَانِ مَا وَقَعَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ يَكُونُ عَطْفًا عَلَى فَيُصْبِحُوا وَقِيلَ: عَلَى يَأْتِيَ وَالْأُولَى أَوْلَى، لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ ظُهُورِ نَدَامَةِ الْكَافِرِينَ لَا عِنْدَ إِتْيَانِ الْفَتْحِ وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفَتْحِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي «1»

وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ حَذْفِ الْوَاوِ فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أَهؤُلاءِ إِلَى الْمُنَافِقِينَ: أَيْ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا مُخَاطِبِينَ لِلْيَهُودِ مُشِيرِينَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ بِالْمُنَاصَرَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ فِي الْقِتَالِ، أَوْ يَقُولُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضٍ مُشِيرِينَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْقَوْلِ. وَجَهْدُ الْأَيْمَانِ: أَغْلَظُهَا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى الْحَالِ: أَيْ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَاهِدِينَ.

قَوْلُهُ: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أَيْ بَطَلَتْ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَالْقَائِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ.

وَالْأَعْمَالُ هِيَ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الْمُوَالَاةِ أَوْ كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ. قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ يَرْتَدِدْ بِدَالَيْنِ بِفَكِّ الْإِدْغَامِ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَقَرَأَ غَيْرُهُمْ بِالْإِدْغَامِ. وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّ مُوَالَاةَ الْكَافِرِينَ مِنَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ وَعَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِتْيَانِ بِهِمْ هُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَجَيْشُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ قَاتَلَ بِهِمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ جَاءَ بِعْدَهُمْ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُرْتَدِّينَ فِي جَمِيعِ الزَّمَنِ، ثُمَّ وَصَفَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْعَظِيمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى غَايَةِ الْمَدْحِ وَنِهَايَةِ الثَّنَاءِ مِنْ كَوْنِهِمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ وَهُوَ يُحِبُّهُمْ، وَمِنْ كَوْنِهِمْ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ وَالْأَذِلَّةُ: جَمْعُ ذَلِيلٍ لَا ذَلُولٍ، وَالْأَعِزَّةُ: جَمْعُ عَزِيزٍ، أَيْ يُظْهِرُونَ الْعَطْفَ وَالْحُنُوُّ وَالتَّوَاضُعَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُظْهِرُونَ الشِّدَّةَ وَالْغِلْظَةَ وَالتَّرَفُّعَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمُجَاهِدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْمَلَامَةِ فِي الدِّينِ، بَلْ هُمْ مُتَصَلِّبُونَ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَفْعَلُهُ أَعْدَاءُ الْحَقِّ وَحِزْبُ الشَّيْطَانِ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِأَهْلِ الدِّينِ وَقَلْبِ مَحَاسِنِهِمْ مَسَاوِئَ وَمَنَاقِبِهِمْ مَثَالِبَ حَسَدًا وَبُغْضًا وَكَرَاهَةً لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي اخْتَصَّهُمُ اللَّهُ بِهَا. وَالْفَضْلُ: اللُّطْفُ وَالْإِحْسَانُ. قَوْلُهُ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنْ بَيَانِ مَنْ لَا تَحِلُّ مُوَالَاتُهُ بَيَّنَ مَنْ هُوَ الْوَلِيُّ الَّذِي تَجِبُ مُوَالَاتُهُ، وَمَحَلُّ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلَّذِينِ آمَنُوا أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ أَوِ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ. وَقَوْلُهُ: وَهُمْ راكِعُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ. وَالْمُرَادُ بِالرُّكُوعِ: الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ، أَيْ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ خَاشِعُونَ خَاضِعُونَ لَا يَتَكَبَّرُونَ وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الزَّكَاةِ. وَالْمُرَادُ بِالرُّكُوعِ هُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ: أَيْ يَضَعُونَ الزَّكَاةَ فِي مَوَاضِعِهَا غَيْرُ مُتَكَبِّرِينَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا مُتَرَفِّعِينَ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالرُّكُوعِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي: ركوع

(1) . وتمام البيت: أحبّ إليّ من لبس الشفوف. وهو لميسون بنت بحدل، وكانت زوجة لمعاوية بن أبي سفيان.

ص: 59

الصَّلَاةِ، وَيَدْفَعُهُ عَدَمُ جَوَازِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ فِي تلك الحال، ثُمَّ وَعَدَ سُبْحَانَهُ مَنْ يَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِأَنَّهُمُ الْغَالِبُونَ لِعَدُوِّهِمْ، وَهُوَ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعُ الْمُضْمَرِ، وَوَضْعِ حِزْبِ اللَّهِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمُوَالِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْحِزْبُ: الصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ، مِنْ قَوْلِهِمْ حَزَبَهُ كَذَا: أَيْ نَابَهُ، فَكَأَنَّ الْمُتَحَزِّبِينَ مُجْتَمِعُونَ كَاجْتِمَاعِ أَهْلِ النَّائِبَةِ الَّتِي تَنُوبُ، وَحِزْبُ الرَّجُلِ: أَصْحَابُهُ، وَالْحِزْبُ: الْوِرْدُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «فَمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنَ اللَّيْلِ» وَتَحَزَّبُوا: اجْتَمَعُوا. وَالْأَحْزَابُ: الطَّوَائِفُ. وَقَدْ وَقَعَ- وَلِلَّهِ الْحَمْدُ- مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَ رُسُلِهِ وَأَوْلِيَاءَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْغَلَبِ لِعَدُوِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ غَلَبُوا الْيَهُودَ بِالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَالْإِجْلَاءِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ، حَتَّى صَارُوا لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَذَلَّ الطوائف الكفرية وأقلها شَوْكَةً، وَمَا زَالُوا تَحْتَ كَلْكَلِ الْمُؤْمِنِينَ يَطْحَنُونَهُمْ كيف شاؤوا، وَيَمْتَهِنُونَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ مِنْ بَعْدِ الْبِعْثَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابن سَلُولٍ وَقَامَ دُونَهُمْ، وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حلفهم، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَلَهُ مِنْ حِلْفِهِمْ مِثْلَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ مِنْ عبد الله بن أبيّ ابن سَلُولٍ، فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: أَتَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حَلِفِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. وَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتِ الْآيَاتُ فِي الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبيّ ابن سَلُولٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ حِلْفًا وَإِنِّي أَخَافُ الدَّوَائِرَ، فَارْتَدَّ كَافِرًا. وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ حِلْفِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَأَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ عُبَادَةُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنْ يَهُودَ: آمِنُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِيَوْمٍ مِثْلِ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ: غَرَّكُمْ أَنْ أَصَبْتُمْ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ، أَمَّا لَوْ أَصْرَرْنَا الْعَزِيمَةَ أَنْ نَسْتَجْمِعَ عَلَيْكُمْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ يَدَانُ بِقِتَالِنَا، فَقَالَ عُبَادَةُ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ: إِنَّهَا فِي الذَّبَائِحِ «مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَتَلَا وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطِيَّةَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يُسارِعُونَ فِيهِمْ فِي وِلَايَتِهِمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أنزل الله هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَرْتَدُّ مُرْتَدُّونَ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَسَاجِدَ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَأَهْلُ الجؤاثا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ

ص: 60