الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانُوا مَعَنَا وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ مُرْدِفِينَ قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)
قوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ الظَّرْفُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ كَالَّذِي قَبْلَهُ، أَوْ بَدَلٌ ثَانٍ مِنْ إِذْ يَعِدُكُمْ، أَوْ مَنْصُوبٌ بالنصر المذكور قبله وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، ويُغَشِّيكُمُ هِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الْمُطَابِقَةُ لِمَا قَبْلَهَا: أَعْنِي قَوْلَهُ: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلِمَا بَعْدَهَا أَعْنِي وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ فَيَتَشَاكَلُ الْكَلَامُ وَيَتَنَاسَبُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو يَغْشَاكُمْ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ النُّعَاسُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يُغَشِّيكُمُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ، وَهِيَ كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ، وَنَصْبِ النُّعَاسِ قَالَ مَكِّيٌّ: وَالِاخْتِيَارُ ضَمُّ الْيَاءِ وَالتَّشْدِيدِ، وَنَصْبُ النُّعَاسَ لِأَنَّ بَعْدَهُ أَمَنَةً مِنْهُ وَالْهَاءُ فِي مِنْهُ: لِلَّهِ فَهُوَ الَّذِي يُغَشَّيهِمُ النُّعَاسَ، وَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَكُونُ انْتِصَابُ أَمَنَةً عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ لَهُ. وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى تَأْوِيلٍ وَتَكَلُّفٍ، لِأَنَّ فَاعِلَ الْفِعْلِ الْمُعَلِّلِ وَالْعِلَّةَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ انْتِصَابِهَا عَلَى الْعِلَّةِ، بِاعْتِبَارِ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ، وَأَمَّا عَلَى جَعْلِ الْأَمَنَةِ مَصْدَرًا فَلَا إِشْكَالَ، يُقَالُ أَمِنَ أَمَنَةً وَأَمْنًا وَأَمَانًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَتَضَمَّنُ ذِكْرَ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَهِيَ أَنَّهُمْ مَعَ خَوْفِهِمْ مِنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَالْمَهَابَةِ لِجَانِبِهِ سَكَّنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَأَمَّنَهَا حَتَّى نَامُوا آمِنِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ، وَكَانَ هَذَا النَّوْمُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ الْقِتَالُ فِي غَدِهَا. قِيلَ: وَفِي امْتِنَانِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالنَّوْمِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَوَّاهُمْ بِالِاسْتِرَاحَةِ عَلَى الْقِتَالِ مِنَ الْغَدِ، الثَّانِي: أَنَّهُ أَمَّنَهُمْ بِزَوَالِ الرُّعْبِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَقِيلَ: إِنَّ النَّوْمَ غَشِيَهُمْ فِي حَالِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَقَدْ مَضَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ نَحْوٌ مَنْ هَذَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَوْلُهُ: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ هَذَا الْمَطَرُ كَانَ بَعْدَ النُّعَاسِ، وَقِيلَ: قَبْلَ النُّعَاسِ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبَقُوا الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَاءِ بِدْرٍ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ لَا مَاءَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ لَيْلَةَ بَدْرٍ. وَالَّذِي فِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى مَاءِ بَدْرٍ وَأَنَّهُ مَنَعَ قُرَيْشًا مِنَ السَّبْقِ إِلَى الْمَاءِ مَطَرٌ عَظِيمٌ، وَلَمْ يُصِبِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ إِلَّا مَا شَدَّ لَهُمْ دَهَسَ الْوَادِي «1» ، وَأَعَانَهُمْ على المسير، ومعنى لِيُطَهِّرَكُمْ
(1) . الدهس: الأرض يثقل فيها المشي للينها.
بِهِ لِيَرْفَعَ عَنْكُمُ الْأَحْدَاثَ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ أَيْ: وَسْوَسَتَهُ لَكُمْ، بِمَا كَانَ قَدْ سَبَقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَوَاطِرِ الَّتِي هِيَ مِنْهُ، مِنَ الْخَوْفِ وَالْفَشَلِ، حَتَّى كَانَتْ حَالُهُمْ حَالَ مَنْ يُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ فَيَجْعَلَهَا صَابِرَةً قَوِيَّةً ثَابِتَةً فِي مُوَاطِنِ الْحَرْبِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ، أَيْ: يُثَبِّتُ بِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْكُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ أَقْدَامَكُمْ فِي مَوَاطِنِ القتال وقيل: الضمير راجع إلى الرابط الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ الظَّرْفُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ خَاصٍّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ، أَيْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ وَقْتَ إِيحَاءِ رَبِّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ إِذْ يَعِدُكُمُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهُ يَأْبَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهِ يُثَبِّتَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: يُثَبِّتُ الْأَقْدَامَ وَقْتَ الْوَحْيِ وَلَيْسَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ مَعْنَى، وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهِ لِيَرْبِطَ وَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ الرَّبْطِ عَلَى الْقُلُوبِ بِوَقْتِ الْإِيحَاءِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنِّي مَعَكُمْ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ، فَعَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ لِلْهَمْزَةِ هُوَ مَفْعُولُ يُوحِي وَعَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ. وَمَعْنَى فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بَشِّرُوهُمْ بِالنَّصْرِ أَوْ ثَبِّتُوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ بِالْحُضُورِ مَعَهُمْ، وَتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ، وَهَذَا أَمَرٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ بِأَنَّهُ مَعَهُمْ، وَالْفَاءُ: لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي آلِ عِمْرَانَ، قِيلَ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَنِّي مَعَكُمْ. قَوْلُهُ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ قِيلَ: الْمُرَادُ الْأَعْنَاقُ أنفسها وفَوْقَ زَائِدَةٌ. قَالَهُ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ:
هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ فَوْقَ يُفِيدُ مَعْنًى فَلَا يَجُوزُ زِيَادَتُهَا وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُمْ ضَرْبُ الْوُجُوهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ: الرُّؤُوسُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بفوق الْأَعْنَاقِ: أَعَالِيهَا لِأَنَّهَا الْمَفَاصِلُ الَّذِي يَكُونُ الضَّرْبُ فِيهَا أَسْرَعَ إِلَى الْقَطْعِ. قِيلَ: وَهَذَا أَمْرٌ لِلْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: لِلْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ: هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ:
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا. قَوْلُهُ: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَاحِدُ الْبَنَانِ بَنَانَةٌ، وَهِيَ هُنَا الْأَصَابِعُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَالْبَنَانِ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَبَنَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ: إِذَا أَقَامَ بِهِ، لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِهَا مَا يَكُونُ لِلْإِقَامَةِ وَالْحَيَاةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَنَانِ هُنَا: أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الثَّبَاتِ فِي الْحَرْبِ، فَإِذَا ضُرِبَتِ الْبَنَانُ تَعَطَّلَ مِنَ الْمَضْرُوبِ الْقَتَّالُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قال عنترة:
وكان فتى الْهَيْجَاءِ يَحْمِي ذِمَارَهَا
…
وَيَضْرِبُ عِنْدَ الْكَرْبِ كُلَّ بَنَانِ
وَقَالَ عَنْتَرَةُ أَيْضًا:
وَإِنَّ الْمَوْتَ طَوْعُ يَدِي إِذَا مَا
…
وَصَلْتُ بَنَانَهَا بِالْهِنْدُوَانِي
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْبَنَانُ: الْأَصَابِعُ، ويقال: الأطراف، والإشارة بقوله: لِكَ
إِلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَتْلِ، وَدَخَلَ في قلوبهم من الرعب، وهو مبتدأ، وأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
خَبَرُهُ، أَيْ: ذَلِكَ بِسَبَبِ مُشَاقَّتِهِمْ، وَالشِّقَاقُ أَصْلُهُ: أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ فِي شِقٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذلك
مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
لَهُ، يُعَاقِبُهُ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الشِّقَاقِ. قَوْلُهُ: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعُقَابِ، أَوِ الْخِطَابُ هُنَا لِلْكَافِرِينَ، كَمَا أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: ذلِكُمْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: ذَلِكُمْ: رَفْعٌ بِإِضْمَارِ الْأَمْرِ أَوِ الْقِصَّةِ، أَيِ: الْأَمْرُ أَوِ الْقِصَّةُ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُضْمِرَ وَاعْلَمُوا. قَالَ فِي الْكَشَّافِ:
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى: عَلَيْكُمْ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ، كَقَوْلِكَ زَيْدًا فَاضْرِبْهُ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ، وأسماء الأفعال لا تضمر، وتشبيهه: بزيدا فَاضْرِبْهُ، غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ فِيهِ:
عَلَيْكَ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، وَجُمْلَةُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ عَلَى هَذَا: إِلَى الْعِقَابِ الْعَاجِلِ الَّذِي أُصِيبُوا بِهِ وَيَكُونُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ: إِشَارَةً إِلَى الْعِقَابِ الْآجِلِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، فِيمَا أَغْشَاهُمُ اللَّهُ مِنَ النُّعَاسِ أَمَنَةً مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَمَنَةً مِنْهُ قَالَ: أَمْنًا مِنَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: أَمَنَةً مِنْهُ قَالَ: رَحْمَةً مِنْهُ، أَمَنَةً مِنَ الْعَدِّوِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: النُّعَاسُ فِي الرَّأْسِ، وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: كَانَ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ النُّعَاسُ نُعَاسَيْنِ: نُعَاسٌ يَوْمَ بَدْرٍ، وَنُعَاسٌ يَوْمَ أُحُدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ:
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ قَالَ: طَشٌّ «1» كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْمَطَرُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ النُّعَاسِ فَأَطْفَأَ بِالْمَطَرِ الْغُبَارَ، وَالْتَبَدَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ السَّمَاءَ وَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا، وَأَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ غَلَبُوا المسلمين في أوّل أمرهم على الماء، فظمئ الْمُسْلِمُونَ وَصَلَّوْا مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَزَنَ وَقَالَ أَتَزْعُمُونِ أَنَّ فِيكُمْ نَبِيًّا وَأَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَتُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدَثِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي مَاءً، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا، وَثَبَتَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَذَهَبَتْ وسوسته. وقد قدّمنا الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ الْمُعْتَمِدَةِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَغْلِبُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَاءِ بَلِ الْمُؤْمِنُونَ هُمُ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَيْهِ مِنَ الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِسْنَادِهِ الْعَوْفِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم وأبو
(1) . قال في القاموس: الطّشّ والطّشيش: المطر الضعيف وهو فوق الرذاذ.