الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا الْآيَةِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ إبراهيم:«مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى لِأَهْلِ النَّارِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ» قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «لِيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا زَمَانٌ تَخْفُقُ أَبْوَابُهَا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعها خَرَابًا» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِتَثْنِيَتِهِ عَلَى مَا وَقَعَتْ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عُمَرُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وعن أبي مجلز، وعبد الرحمن ابن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ التَّابِعِينَ. وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عن أبي أمامة صدي ابن عَجْلَانَ الْبَاهِلِيِّ. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَلَقَدْ تَكَلَّمَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا كَانَ لَهُ فِي تَرْكِهِ سِعَةٌ، وَفِي السُّكُوتِ عَنْهُ غِنًى، فَقَالَ: وَلَا يَخْدَعَنَّكَ قَوْلُ الْمُجَبِّرَةِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ النَّارِ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ يُنَادِي عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَيُسَجِّلُ بِافْتِرَائِهِمْ، وَمَا ظَنُّكَ بِقَوْمٍ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ لَمَّا رُوِيَ لَهُمْ بَعْضُ الثَّوَابِتِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو: لِيَأْتِيَنَّ عَلَى جَهَنَّمَ يَوْمٌ تُصَفَّقُ فِيهِ أَبْوَابُهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ: مَا كَانَ لِابْنِ عَمْرٍو فِي سَيْفَيْهِ وَمُقَاتَلَتِهِ بِهِمَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَا يَشْغَلُهُ عَنْ تَسْيِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ. انْتَهَى.
وَأَقُولُ: أَمَّا الطَّعْنُ عَلَى مَنْ قَالَ بِخُرُوجِ أَهِلِ الْكَبَائِرِ مِنَ النَّارِ، فَالْقَائِلُ بِذَلِكَ- يَا مسكين- رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَحَّ عَنْهُ فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ دَفَاتِرُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَكَمَا صَحَّ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصحابة يبلغون عدد التواتر فمالك وَالطَّعْنَ عَلَى قَوْمٍ عَرَفُوا مَا جَهِلْتَهُ وَعَمِلُوا بِمَا أَنْتَ عَنْهُ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ حَمْلِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ كَمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَمَّا مَا ظَنَنْتَهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ يُنَادِي عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَيُسَجِّلُ بِافْتِرَائِهِمْ فَلَا مُنَادَاةَ وَلَا مُخَالَفَةَ، وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ حَمْلِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْعُصَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ خُرُوجِ الْعُصَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ النَّارِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ عَدَمِ خُلُودِهِمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا يَخْلُدُ غَيْرُهُمْ، وَذَلِكَ لِتَأَخُّرِ خُلُودِهِمْ إِلَيْهَا مِقْدَارَ الْمُدَّةِ الَّتِي لَبِثُوا فِيهَا فِي النَّارِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَبْرُ الْأُمَّةِ. وَأَمَّا الطَّعْنُ عَلَى صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ وَحَافِظِ سُنَّتِهِ وَعَابِدِ الصَّحَابَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، فَإِلَى أَيْنَ يَا مَحْمُودُ، أَتَدْرِي مَا صَنَعْتَ، وَفِي أَيِّ وَادٍ وَقَعْتَ، وَعَلَى أَيِّ جَنْبٍ سَقَطْتَ؟ وَمَنْ أَنْتَ حَتَّى تَصْعَدَ إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيدك الْقَصِيرَةِ وَرِجْلِكَ الْعَرْجَاءِ، أَمَا كَانَ لَكَ فِي مُكَسَّرِي طَلَبَتِكَ مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مَا يَرُدُّكَ عَنِ الدُّخُولِ فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَالتَّكَلُّمِ بِمَا لَا تَدْرِي، فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبَ مَا يَفْعَلُ الْقُصُورُ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ وَالْبُعْدُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا إِلَى أَبْعَدِ مَكَانٍ مِنَ الْفَضِيحَةِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ نَفْسِهِ وَلَا أَوْقَفَهَا حَيْثُ أوقفها الله سبحانه.
[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَاّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أَقَاصِيصِ الْكَفَرَةِ وَبَيَانِ حَالِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ، سَلَّى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْكَفَرَةِ مِنْ قَوْمِهِ فِي ضِمْنِ النَّهْيِ لَهُ عَنِ الِامْتِرَاءِ فِي أَنَّ مَا يَعْبُدُونَهُ غَيْرُ نَافِعٍ وَلَا ضَارٍّ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي شَيْءٍ. وَحَذَفَ النُّونَ فِي فَلا تَكُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْمِرْيَةُ: الشَّكُّ، وَالْإِشَارَةُ بِهَؤُلَاءِ إلى كفار عصره صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَا تَكُ فِي شَكٍّ مِنْ بُطْلَانِ مَا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ وَقِيلَ: لَا تَكُ فِي شَكٍّ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِمْ. وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وهذا النهي له صلى الله عليه وسلم هُوَ تَعْرِيضٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُدَاخِلُهُ شَيْءٌ من الشك، فإنه صلى الله عليه وسلم لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَبَدًا. ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَعْبُودَاتِ هَؤُلَاءِ كَمَعْبُودَاتِ آبَائِهِمْ، أَوْ أَنَّ عِبَادَتَهُمْ كَعِبَادَةِ آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلُ، وَفِي هَذَا اسْتِثْنَاءُ تَعْلِيلٍ لِلنَّهْيِ عَنِ الشَّكِّ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ غَيْرِهِ، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِمَّا تَرَاهُ مِنْ قَوْمِكَ، فَهُمْ كَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ طَوَائِفِ الشِّرْكِ، وَجَاءَ بِالْمُضَارِعِ فِي: كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ، لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ. ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ فَقَالَ: وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ كَمَا وَفَّيْنَا آبَاءَهُمْ لَا يَنْقُصُ من ذلك شيء. وانتصاب غير: على الْحَالِ، وَالتَّوْفِيَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ النَّقْصِ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُوَفَّى وَهُوَ نَاقِصٌ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوَفَّى وَهُوَ كَامِلٌ وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَصِيبَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وَقِيلَ: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أَيِ: التَّوْرَاةَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْ: فِي شَأْنِهِ وَتَفَاصِيلِ أَحْكَامِهِ، فَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ وَكَفَرَ بِهِ آخَرُونَ، وَعَمِلَ بِأَحْكَامِهِ قَوْمٌ، وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِبَعْضِهَا آخَرُونَ، فَلَا يَضِقْ صَدْرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِمَا وَقَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أَيْ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ حَكَمَ بِتَأْخِيرِ عَذَابِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاحِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: أَيْ بَيْنَ قَوْمِكَ، أَوْ بَيْنَ قَوْمِ مُوسَى فِيمَا كَانُوا فِيهِ مُخْتَلِفِينَ، فأثيب المحقّ وعذب الْمُبْطِلَ، أَوِ الْكَلِمَةُ هِيَ أَنَّ رَحْمَتَهُ سُبْحَانَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ فَأَمْهَلَهُمْ وَلَمْ يُعَاجِلْهُمْ لِذَلِكَ وَقِيلَ: إِنَّ الْكَلِمَةَ هِيَ أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّسْلِيَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْكِتَابِ فَقَالَ: وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أَيْ:
مِنَ الْقُرْآنِ إِنْ حُمِلَ عَلَى قَوْمِ محمد صلى الله عليه وسلم، أَوْ مِنَ التَّوْرَاةِ إِنْ حُمِلَ عَلَى قَوْمِ مُوسَى عليه السلام، وَالْمُرِيبُ: الْمُوقِعُ فِي الرِّيبَةِ. ثُمَّ جَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي حُكْمِ تَوْفِيَةِ الْعَذَابِ لَهُمْ، أَوْ هُوَ وَالثَّوَابُ فَقَالَ: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَإِنْ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى أَنَّهَا إِنِ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَعَمِلَتْ فِي «كُلًّا» ، النَّصْبَ، وَقَدْ جَوَّزَ عَمَلَهَا الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ، وَقَدْ جَوَّزَ الْبَصْرِيُّونَ تَخْفِيفَ إِنَّ مَعَ إِعْمَالِهَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ وَقَالَ: مَا أَدْرِي عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُرِئَ وَإِنَّ كُلًّا؟ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ انْتِصَابَ كُلًّا بِقَوْلِهِ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَالتَّقْدِيرُ وَإِنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ كُلًّا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ إِنَّ وَنَصَبُوا بِهَا كُلًّا. وَعَلَى كِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ: فَالتَّنْوِينُ فِي كُلًّا عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ: وَإِنَّ كُلَّ الْمُخْتَلِفِينَ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَابْنُ عَامِرٍ لَمَّا بِالتَّشْدِيدِ، وَخَفَّفَهَا الْبَاقُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَامُ لَمَّا لَامُ إِنَّ، وَمَا: زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ،
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَا بِمَعْنَى: مَنْ، كَقَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ «1» أَيْ: وَإِنَّ كُلًّا لَمَنْ لَيُوَفِّينَّهُمْ وَقِيلَ:
لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ بَلْ هِيَ اسْمٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا لَامُ التَّوْكِيدِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّ كُلًّا لَمَنْ خَلَقَ. قِيلَ: وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ، وَأَصْلُهَا: لَمَنْ مَا، فَقُلِبَتِ النُّونُ مِيمًا وَاجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ فَحُذِفَتِ الْوُسْطَى، حَكَى ذَلِكَ النَّحَّاسُ عَنِ النَّحْوِيِّينَ. وَزَيَّفَ الزَّجَّاجُ هَذَا وَقَالَ: مَنِ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ. وَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّ لَمَّا هَذِهِ بِمَعْنَى إِلَّا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «2» وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: الْأَصْلُ لَمَا الْمُخَفَّفَةُ ثُمَّ ثُقِّلَتْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا يُخَفَّفُ الْمُثَقَّلُ وَلَا يُثَقَّلُ الْمُخَفَّفُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ:
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّشْدِيدُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمَمْتُ الشَّيْءَ أَلُمُّهُ: إِذَا جَمَعْتَهُ، ثُمَّ بَنَى مِنْهُ فَعْلَى كَمَا قُرِئَ ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا «3» وَأَحْسَنُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا بِمَعْنَى إِلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعِ الْبَصْرِيِّينَ وَرَجَّحَهُ الزَّجَّاجُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ وَإِنَّ كُلًّا إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ كَمَا حَكَاهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنْهُ. وَقُرِئَ بِالتَّنْوِينِ:
أَيْ جَمِيعًا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا بِتَخْفِيفِ إِنْ وَرَفْعِ كُلٌّ وَتَشْدِيدِ لَمَّا، وَتَكُونُ: إِنْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ نَافِيَةً إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ خَبِيرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ جَامِعَةٍ لِأَنْوَاعِ الطَّاعَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أَيْ: كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَجَمِيعُ مَا نَهَاهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ بِتَجَنُّبِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ، كَمَا أَمَرَهُ بِفِعْلِ مَا تَعَبَّدَهُ بِفِعْلِهِ، وَأُمَّتُهُ أُسْوَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: وَمَنْ تابَ مَعَكَ أَيْ: رَجَعَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَشَارَكَكَ فِي الْإِيمَانِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي فَاسْتَقِمْ، لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ التَّأْكِيدِ، أَيْ: وَلْيَسْتَقِمْ مَنْ تَابَ مَعَكَ وَمَا أَعْظَمَ مَوْقِعَ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَشَدَّ أَمْرَهَا، فَإِنَّ الِاسْتِقَامَةَ- كَمَا أَمَرَ اللَّهُ- لَا تَقُومُ بِهَا إِلَّا الْأَنْفُسُ الْمُطَهَّرَةُ وَالذَّوَاتُ الْمُقَدَّسَةُ، وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» كَمَا تَقَدَّمَ وَلا تَطْغَوْا الطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ بَيَّنَ أَنَّ الْغُلُوَّ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِفْرَاطَ فِي الطَّاعَةِ عَلَى وَجْهٍ تَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي قَدَّرَهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَمَنْ يَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يَنَامُ، وَيَتْرُكُ الْحَلَالَ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ بِهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَلِهَذَا يَقُولُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ «أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وَلِأُمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِحَالِهِمْ عَلَى حَالِهِ، أَوِ النَّهْيُ عَنِ الطُّغْيَانِ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يُجَازِيكُمْ عَلَى حَسَبِ مَا تَسْتَحِقُّونَ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا تَرْكَنُوا بِضَمِّ الْكَافِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ هِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، قَالَ: وَلُغَةُ تَمِيمٍ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ، وَهُمْ يَكْسِرُونَ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ أَرْكَنَهُ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: رَكَنَ إِلَيْهِ يَرْكُنُ بِالضَّمِّ. وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ رَكِنَ إِلَيْهِ بِالْكَسْرِ يَرْكِنُ رُكُونًا فِيهِمَا، أَيْ: مَالَ إِلَيْهِ وَسَكَنَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَمَّا مَا حَكَى أَبُو زَيْدٍ رَكَنَ يَرْكَنُ بالفتح فيهما فإنما هو على الجمع
(1) . النساء: 72.
(2)
. الطارق: 4.
(3)
. المؤمنون: 44.
بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ: الرُّكُونُ السُّكُونُ يُقَالُ رَكَنَ إِلَيْهِ رُكُونًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَكَنَ إِلَيْهِ كَنَصَرَ وَعَلِمَ وَمَنَعَ رُكُونًا: مَالَ وَسَكَنَ انْتَهَى، فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مِنْ رُوَاةِ اللُّغَةِ فَسَّرُوا الرُّكُونَ بِمُطْلَقِ الْمَيْلِ وَالسُّكُونِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّ الرُّكُونَ هُوَ الْمَيْلُ الْيَسِيرُ، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ الْمُفَسِّرُونَ بِمُطْلَقِ الْمَيْلِ وَالسُّكُونِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْمُتَقَيِّدِينَ بِمَا يَنْقُلُهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ الرُّكُونِ قُيُودًا لَمْ يَذْكُرْهَا أَئِمَّةُ اللُّغَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: الرُّكُونُ حَقِيقَتُهُ الِاسْتِنَادُ وَالِاعْتِمَادُ وَالسُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرِّضَا بِهِ. وَمِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ مَنْ فَسَّرَ الرُّكُونَ بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. فَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَاهَا: لَا تَوَدُّوهُمْ وَلَا تُطِيعُوهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: الرُّكُونُ هُنَا الْإِدْهَانُ، وَذَلِكَ أَنْ لَا يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ كُفْرَهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَاهُ لَا تَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَيْضًا الْأَئِمَّةُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ بِالْمُشْرِكِينَ أَوْ عَامَّةٌ؟ فَقِيلَ خَاصَّةٌ، وَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بِالَّذِينِ ظَلَمُوا، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ: إِنَّهَا عَامَّةٌ فِي الظَّلَمَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ: وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ لَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. فَإِنْ قُلْتَ: وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ الْبَالِغَةُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُبُوتًا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمَسُّكٍ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ بِوُجُوبِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ حَتَّى وَرَدَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ: «أَطِيعُوا السُّلْطَانَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًا رَأْسُهُ كَالزَّبِيبَةِ» . وَوَرَدَ وُجُوبُ طَاعَتِهِمْ مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمُ الْكُفْرُ الْبَوَاحُ، وَمَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَإِنْ بَلَغُوا فِي الظُّلْمِ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، وَفَعَلُوا أَعْظَمَ أَنْوَاعِهِ مِمَّا لَمْ يَخْرُجُوا بِهِ إِلَى الْكُفْرِ الْبَوَاحِ، فَإِنَّ طَاعَتَهُمْ وَاجِبَةٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَا أَمَرُوا بِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ تَوَلِّي الْأَعْمَالِ لَهُمْ، وَالدُّخُولِ فِي الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ الدُّخُولُ فِيهَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ الْجِهَادُ، وَأَخْذُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ مِنَ الرَّعَايَا، وَإِقَامَةُ الشَّرِيعَةِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ مِنْهُمْ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَطَاعَتُهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَ تَحْتَ أَمْرِهِمْ وَنَهْيِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا بُدَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْمُخَالَطَةِ لَهُمْ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، مِنْ وُجُوبِ طَاعَتِهِمْ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ، لتواتر الأدلة الواردة به، بَلْ قَدْ وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» بَلْ وَرَدَ: أَنَّهُمْ يُعْطُونَ الَّذِي لَهُمْ مِنَ الطَّاعَةِ، وَإِنْ مَنَعُوا مَا هُوَ عَلَيْهِمْ لِلرَّعَايَا، كَمَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ «أَعْطُوهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ» بَلْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِطَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ:«وَإِنْ أَخَذَ مَالَكَ وَضَرَبَ ظَهْرَكَ» . فَإِنِ اعْتَبَرْنَا مُطْلَقَ الْمَيْلِ وَالسُّكُونِ فَمُجَرَّدُ هَذِهِ الطَّاعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَعَ مَا تَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ، هِيَ مَيْلٌ وَسُكُونٌ وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْمَيْلَ وَالسُّكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ مَالَ إِلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ لِأَمْرٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ شَرْعًا كَالطَّاعَةِ، أَوْ لِلتَّقِيَّةِ وَمَخَافَةَ الضَّرَرِ مِنْهُمْ، أَوْ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ عَامَّةٍ أو خاصة،
(1) . النساء: 59.
إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَيْلٌ إِلَيْهِمْ فِي الْبَاطِنِ وَلَا مَحَبَّةٌ وَلَا رِضًا بِأَفْعَالِهِمْ. قُلْتُ: أَمَّا الطَّاعَةُ عَلَى عُمُومِهَا بِجَمِيعِ أَقْسَامِهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَهِيَ عَلَى فَرْضِ صِدْقِ مُسَمَّى الرُّكُونِ عَلَيْهَا مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْهُ بِأَدِلَّتِهَا الَّتِي قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا، وَلَا شَكَّ فِي هَذَا وَلَا رَيْبَ، فَكُلُّ مَنْ أَمَّرُوهُ ابْتِدَاءً أَنْ يَدْخُلَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَمْرُهَا إِلَيْهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ وَنَحْوِهَا، إِذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقِيَامِ بِمَا وُكِلَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: جَائِزٌ لَهُ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِمَارَةِ: فَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْأَمْرِ مِمَّنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، أَوْ مَعَ ضَعْفِ الْمَأْمُورِ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أُمِرَ بِهِ، كَمَا وَرَدَ تَعْلِيلُ النَّهْيِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِمَارَةِ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا مُخَالَطَتُهُمْ وَالدُّخُولُ عَلَيْهِمْ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ مَعَ كَرَاهَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ وَعَدَمِ مَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهِمْ وَمَحَبَّتِهَا لَهُمْ، وَكَرَاهَةِ الْمُوَاصَلَةِ لَهُمْ لَوْلَا جَلْبُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ دَفْعُ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ فَعَلَى فَرْضِ صِدْقِ مُسَمَّى الرُّكُونِ عَلَى هَذَا، فَهُوَ مُخَصَّصٌ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَلَا تَخْفَى عَلَى اللَّهِ خَافِيَةٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنِ ابْتُلِيَ بِمُخَالَطَةِ مَنْ فِيهِ ظُلْمٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِنَ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَمَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ، فَإِنْ زَاغَ عَنْ ذَلِكَ «فَعَلَى نَفْسِهَا بَرَاقِشُ تَجْنِي» وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْفِرَارِ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ مِنْ جِهَتِهِمْ بِأَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ فَهُوَ الْأَوْلَى لَهُ وَالْأَلْيَقُ بِهِ.
يَا مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ، النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ فِيكَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَقَوِّنَا عَلَى ذَلِكَ وَيَسِّرْهُ لَنَا، وَأَعِنَّا عَلَيْهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ:
وَصُحْبَةُ الظَّالِمِ عَلَى التَّقِيَّةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ النَّهْيِ بِحَالِ الِاضْطِرَارِ. انْتَهَى. وَقَالَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: الرُّكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الرِّضَا بِمَا عَلَيْهِ الظَّلَمَةُ، أَوْ تَحْسِينُ الطَّرِيقَةِ وَتَزْيِينِهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، فَأَمَّا مُدَاخَلَتُهُمْ لِرَفْعِ ضَرَرٍ وَاجْتِلَابِ مَنْفَعَةٍ عَاجِلَةٍ، فَغَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الرُّكُونِ. قَالَ:
وَأَقُولُ هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْمَعَاشِ وَالرُّخْصَةِ، وَمُقْتَضَى التَّقْوَى هُوَ الِاجْتِنَابُ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ «1» انْتَهَى.
قَوْلُهُ: فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بِسَبَبِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الظَّلَمَةَ أَهْلُ النَّارِ، أَوْ كَالنَّارِ، وَمُصَاحَبَةُ النَّارِ تُوجِبُ لَا مَحَالَةَ مَسَّ النَّارِ، وَجُمْلَةُ: وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تَمَسَّكُمُ النَّارُ حَالَ عَدَمِ وُجُودِ مَنْ يَنْصُرُكُمْ وَيُنْقِذُكُمْ مِنْهَا ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، إِذْ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُعَذِّبُكُمْ بِسَبَبِ الرُّكُونِ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَلَمْ تَنْتَهُوا عِنَادًا وَتَمَرُّدًا. قَوْلُهُ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِقَامَةَ خَصَّ مِنْ أَنْوَاعِهَا إِقَامَةَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا رَأْسَ الْإِيمَانِ، وَانْتِصَابُ: طَرَفَيِ النَّهَارِ، عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالْمُرَادُ: صَلَاةُ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، وَهُمَا:
الْفَجْرُ وَالْعَصْرُ، وَقِيلَ: الظُّهْرُ مَوْضِعُ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: الطَّرَفَانِ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ، وَقِيلَ: هُمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ.
وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُمَا الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ الصُّبْحُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّرَفَ الْآخَرَ الْمَغْرِبُ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ أَيْ: فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَالزُّلَفُ: الساعات القريبة
(1) . الزمر: 36. [.....]
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةَ: لِأَنَّهَا مَنْزِلٌ بَعْدَ عَرَفَةَ بِقُرْبِ مَكَّةَ. وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: زُلَفاً بِضَمِّ اللَّامِ: جَمْعُ زَلِيفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدُهُ زُلْفَةً. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِإِسْكَانِ اللَّامِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ: زُلْفَى مِثْلَ فُعْلَى. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: زُلَفاً بِفَتْحِ اللَّامِ كَغُرْفَةً وَغُرَفٍ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الزُّلَفُ: السَّاعَاتُ، وَاحِدَتُهَا زُلْفَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: الزُّلْفَةُ أَوَّلُ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ.
قَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَى زُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ أَيْ: إِنَّ الْحَسَنَاتِ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا بَلْ عِمَادُهَا الصَّلَاةُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ عَلَى الْعُمُومِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّيِّئَاتِ: الصغائر، ومعنى يذهبن السيئات: يكفرونها حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ إِلَى قَوْلِهِ: فَاسْتَقِمْ وَمَا بَعْدَهُ. وَقِيلَ: إِلَى الْقُرْآنِ. ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ: أَيْ: مَوْعِظَةً لِلْمُتَّعِظِينَ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ وَعَدَمِ الطُّغْيَانِ وَالرُّكُونِ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ الصَّبْرُ:
عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ دُونَ مَا نُهِيَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي اجْتِنَابِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَائِنَةٌ، وَعَلَى فَرْضِ كَوْنِهَا دُونَ مَشَقَّةِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، فَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مُطْلَقِ الْمَشَقَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أَيْ: يُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ، وَلَا يُضِيعُ مِنْهَا شَيْئًا، فَلَا يُهْمِلُهُ، وَلَا يَبْخَسُهُ بِنَقْصٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ قَالَ: مَا قُدِّرَ لَهُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: مِنَ الْعَذَابِ. وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ. قَالَ: مِنَ الرِّزْقِ. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْتَقِيمَ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يَطْغَى فِي نِعْمَتِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سُفْيَانَ فِي الْآيَةِ قَالَ: اسْتَقِمْ عَلَى الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ قَالَ: شَمِّرُوا، شَمِّرُوا، فَمَا رُؤِيَ ضَاحِكًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَنْ تابَ مَعَكَ قَالَ: آمَنَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ الْعَلَاءِ بن عبد الله ابن بَدْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَطْغَوْا قَالَ: لَمْ يرد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَنَى: الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلا تَطْغَوْا يَقُولُ: لَا تَظْلِمُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: الطُّغْيَانُ: خِلَافُ أَمْرِهِ، وَارْتِكَابُ مَعْصِيَتِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قَالَ: يَعْنِي الرُّكُونَ إِلَى الشِّرْكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَلا تَرْكَنُوا قَالَ: لَا تَمِيلُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: وَلا تَرْكَنُوا لَا تُدْهِنُوا.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: أَنْ تُطِيعُوهُمْ أَوْ تَوَدُّوهُمْ أَوْ تَصْطَنِعُوهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ قَالَ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْغَدَاةِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: صَلَاةَ الْعَتَمَةِ. وَأَخْرَجَا عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: هُمَا زُلْفَتَانِ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هُمَا زُلْفَتَا اللَّيْلِ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الطَّرَفَيْنِ قَالَ: صَلَاةَ الْفَجْرِ، وصلاتي العشيّ: