المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

مُتَلْتَلِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: يُلْكَزُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَلْمَانَ فِي الْآيَةِ قَالَ: غير محمودين.

[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)

قَوْلُهُ: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لِبَيَانِ شرك أهل الكتابين، وعزيز: مُبْتَدَأٌ، وَابْنُ اللَّهِ: خَبَرُهُ، وَقَدْ قَرَأَ عَاصِمٌ والكسائي «عزيز» بِالتَّنْوِينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ لِاجْتِمَاعِ الْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ فِيهِ. وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّنْوِينِ فَقَدْ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا وَقِيلَ: إِنَّ سُقُوطَ التَّنْوِينِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا بَلْ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنِينَ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ- اللَّهُ الصَّمَدُ «1» . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشِّعْرِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرَيُّ:

لِتَجِدنِي بِالْأَمِيرِ برّا

وبالقناة مدعسا مِكَرًّا

إِذَا غُطَيْفٌ السُّلَمِيُّ فَرَّا

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَقالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِجَمِيعِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ لَفْظٌ خَرَجَ عَلَى الْعُمُومِ، وَمَعْنَاهُ:

الْخُصُوصُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا الْبَعْضُ مِنْهُمْ. وَقَالَ النَّقَّاشُ: لَمْ يَبْقَ يَهُودِيٌّ يَقُولُهَا؟ بَلْ قَدِ انْقَرَضُوا وَقِيلَ:

إِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ مُتَضَمِّنَةً لِحِكَايَةِ ذَلِكَ عَنِ الْيَهُودِ، لِأَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لَازِمٌ لِجَمِيعِهِمْ، قَوْلُهُ: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قَالُوا هَذَا لَمَّا رَأَوْا مِنْ إِحْيَائِهِ الْمَوْتَى مَعَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَالْأُولَى أن يقال: إنهم قالوا هذه المقالة لكونه فِي الْإِنْجِيلِ وَصْفُهُ تَارَةً بِابْنِ اللَّهِ، وَتَارَةً بِابْنِ الْإِنْسَانِ، كَمَا رَأَيْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الْإِنْجِيلِ، وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ ذَلِكَ لِقَصْدِ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِ سَلَفِهِمْ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ قِيلَ: وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ إِنَّمَا هِيَ لِبَعْضِ النَّصَارَى لَا لِكُلِّهِمْ. قَوْلُهُ: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ هذه المقالة الباطلة. ووجه قوله بِأَفْوَاهِهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْقَوْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْفَمِ، بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمَّا كَانَ سَاذَجًا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ، وَلَا عَضَّدَهُ بِرِهَانٌ، كَانَ مُجَرَّدَ دَعْوَى لَا مَعْنَى تَحْتَهَا، فَارِغَةٍ صَادِرَةٍ عَنْهُمْ صُدُورَ الْمُهْمَلَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إِلَّا كَوْنُهَا خَارِجَةً مِنَ الْأَفْوَاهِ، غَيْرَ مُفِيدَةٍ لِفَائِدَةٍ يُعْتَدُّ بِهَا وَقِيلَ: إِنَّ ذِكْرَ الْأَفْوَاهِ لقصد التأكيد،

(1) . الإخلاص: 1- 2.

ص: 402

كَمَا فِي كَتَبْتُ بِيَدِي، وَمَشَيْتُ بِرِجْلِي، وَمِنْهُ قوله تعالى: يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ «1» . قوله: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «2» . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلًا مَقْرُونًا بِذِكْرِ الْأَفْوَاهِ، وَالْأَلْسُنِ إِلَّا وَكَانَ قَوْلًا زُورًا كَقَوْلِهِ: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ «3» ، وقوله: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ «4» ، وَقَوْلِهِ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ «5» . قوله: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُضَاهَاةُ: الْمُشَابِهَةُ، قِيلَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: امْرَأَةٌ ضَهْيَاءُ: وَهِيَ الَّتِي لَا تَحِيضُ لِأَنَّهَا شَابَهَتِ الرِّجَالَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارسي: من قال: يضاهون مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمُ: امْرَأَةٌ ضَهْيَاءُ فَقَوْلُهُ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي ضَاهَأَ أَصْلِيَّةٌ، وَفِي ضَهْيَاءَ زَائِدَةٌ كَحَمْرَاءَ، وَأَصْلُهُ: يُضَاهِئُونَ، وَامْرَأَةٌ ضَهْيَاءُ. وَمَعْنَى مُضَاهَاتِهِمْ لِقَوْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيهِ أَقْوَالٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ شَابَهُوا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ عَبَدَةَ الأوثان في قولهم: اللات وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بَنَاتُ اللَّهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ شَابَهُوا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْكَافِرِينَ: إِنَّ الملائكة بنات الله، الثالث: أنهم شابهوا أسلافهم القائلين بأن عزيز ابْنُ اللَّهِ وَأَنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ. قَوْلُهُ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ، لِأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُ اللَّهُ هَلَكَ وَقِيلَ: هُوَ تَعَجُّبٌ مِنْ شَنَاعَةِ قَوْلِهِمْ وَقِيلَ: مَعْنَى قَاتَلَهُمُ اللَّهُ: لَعَنَهُمُ الله، ومنه قول أبان بن تغلب:

قَاتَلَهَا اللَّهُ تَلْحَانِي وَقَدْ عَلِمَتْ

أَنِّي لِنَفْسِي إِفْسَادِي وَإِصْلَاحِي

وَحَكَى النِّقَاشُ أَنَّ أَصْلَ «قَاتَلَ اللَّهُ» : الدُّعَاءُ، ثُمَّ كَثُرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ حَتَّى قَالُوهُ عَلَى التَّعَجُّبِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُمْ لَا يُرِيدُونَ الدُّعَاءَ، وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ:

يَا قَاتَلَ اللَّهُ لَيْلَى كَيْفَ تُعْجِبُنِي

وَأُخْبِرُ النَّاسَ أَنِّي لَا أُبَالِيهَا

أَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ: كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الْأَحْبَارُ: جَمَعَ حَبْرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُحْسِنُ الْقَوْلَ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ مُحَبَّرٌ وَقِيلَ: جَمْعُ حِبْرٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ، قَالَ يُونُسُ: لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا بِكَسْرِ الْحَاءِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ:

الحبر بالكسر: المداد، وَالْحَبْرُ بِالْفَتْحِ الْعَالِمُ. وَالرُّهْبَانُ: جَمْعُ رَاهِبٍ، مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّهْبَةِ، وَهُمْ عُلَمَاءُ النَّصَارَى، كَمَا أَنَّ الْأَحْبَارَ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَمَّا أَطَاعُوهُمْ فِيمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْهُ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْمُتَّخِذِينَ لَهُمْ أَرْبَابًا، لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ كَمَا تُطَاعُ الْأَرْبَابُ. قَوْلُهُ: وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ مَعْطُوفٌ عَلَى رُهْبَانَهُمْ، أَيِ: اتَّخَذَهُ النَّصَارَى رَبًّا مَعْبُودًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْيَهُودَ لَمْ يَتَّخِذُوا عزير رَبًّا مَعْبُودًا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَزْجُرُ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ عَنِ التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَأْثِيرُ مَا يَقُولُهُ الْأَسْلَافُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، فَإِنَّ طَاعَةَ الْمُتَمَذْهِبِ لِمَنْ يَقْتَدِي بِقَوْلِهِ وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَقَامَتْ بِهِ حُجَجُ اللَّهِ وَبَرَاهِينُهُ، وَنَطَقَتْ بِهِ كُتُبُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ، هُوَ كَاتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، بَلْ أَطَاعُوهُمْ، وَحَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا، وَحَلَّلُوا مَا حَلَّلُوا. وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ الْمُقَلِّدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ من شبه البيضة بالبيضة،

(1) . البقرة: 79.

(2)

. الأنعام: 38.

(3)

. آل عمران: 167.

(4)

. الكهف: 5. [.....]

(5)

. الفتح: 11.

ص: 403

وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَةِ، وَالْمَاءِ بِالْمَاءِ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ! وَيَا أَتْبَاعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا بَالُكُمْ تَرَكْتُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَانِبًا، وَعَمَدْتُمْ إِلَى رِجَالٍ هُمْ مِثْلُكُمْ فِي تَعَبُّدِ اللَّهِ لَهُمْ بِهِمَا، وَطَلَبِهِ مِنْهُمْ لِلْعَمَلِ بِمَا دَلَّا عَلَيْهِ وَأَفَادَهُ، فَعَلْتُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْآرَاءِ الَّتِي لَمْ تُعَمَّدْ بِعِمَادِ الْحَقِّ، وَلَمْ تُعَضَّدْ بِعَضُدِ الدِّينِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، تُنَادِي بِأَبْلَغِ نِدَاءٍ وَتُصَوِّتُ بِأَعْلَى صَوْتٍ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيُبَايِنُهُ، فَأَعَرْتُمُوهُمَا آذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأَفْهَامًا مَرِيضَةً، وَعُقُولًا مَهِيضَةً، وَأَذْهَانًا كَلَيْلَةً، وَخَوَاطِرَ عَلِيلَةً، وَأَنْشَدْتُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ:

وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ

غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشَدُ

فَدَعُوا أَرْشَدَكُمُ اللَّهُ وَإِيَّايَ كُتُبًا كَتَبَهَا لَكُمُ الْأَمْوَاتُ مِنْ أَسْلَافِكُمْ، وَاسْتَبْدِلُوا بِهَا كِتَابَ اللَّهِ خَالِقِهُمْ وَخَالِقِكُمْ، وَمُتَعَبَّدِهِمْ وَمُتَعَبَّدِكُمْ، وَمَعْبُودِهِمْ وَمَعْبُودِكُمْ، وَاسْتَبْدَلُوا بِأَقْوَالِ مَنْ تَدْعُونَهُمْ بِأَئِمَّتِكُمْ وَمَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنَ الرَّأْيِ بِأَقْوَالِ إِمَامِكُمْ وَإِمَامِهِمْ وَقُدْوَتِكُمْ وَقُدْوَتِهِمْ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ

فَمَا آمن فِي دِينِهِ كَمُخَاطِرِ

اللَّهُمَّ هَادِيَ الضَّالِّ، مُرْشِدَ التَّائِهِ، مُوَضَّحَ السَّبِيلِ، اهْدِنَا إِلَى الْحَقِّ، وَأَرْشِدْنَا إِلَى الصَّوَابِ، وَأَوْضِحْ لَنَا مَنْهَجِ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أي:

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مَا أمروا إلا بعبادة الله وحده، أو ما أُمِرَ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ إِلَّا بِذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصْلُحُونَ لِمَا أَهَّلُوهُمْ لَهُ مِنَ اتِّخَاذِهِمْ أَرْبَابًا؟ قَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ إِلَهًا سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ عَنِ الْإِشْرَاكِ فِي طاعته وعبادته. قوله:

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ هَذَا كَلَامٌ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ أَنْوَاعِ ضَلَالِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ مَا رَامُوهُ مِنْ إِبْطَالِ الْحَقِّ بِأَقَاوِيلِهِمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي هِيَ مُجَرَّدُ كَلِمَاتٍ سَاذَجَةٍ وَمُجَادَلَاتٍ زَائِفَةٍ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِحَالِهِمْ فِي مُحَاوَلَةِ إِبْطَالِ دِينِ الْحَقِّ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّ الصِّدْقِ، بِحَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْفُخَ فِي نُورٍ عَظِيمٍ قَدْ أَنَارَتْ بِهِ الدُّنْيَا، وَانْقَشَعَتْ بِهِ الظُّلْمَةُ لِيُطْفِئَهُ وَيُذْهِبَ أَضْوَاءَهُ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أَيْ: دِينَهُ الْقَوِيمَ، وَقَدْ قِيلَ: كَيْفَ دَخَلَتْ إِلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّةُ عَلَى يَأْبَى؟ وَلَا يَجُوزُ كَرِهْتُ أَوْ بَغَضْتُ إِلَّا زَيْدًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا دَخَلْتُ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ طَرَفًا مِنَ الْجَحْدِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَحْذِفُ مَعَ «أَبَى» ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَأْبَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: إِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي «أَبَى» لِأَنَّهَا مَنْعٌ أَوِ امْتِنَاعٌ فَضَارَعَتِ النَّفْيَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَهَلْ لِي أُمٌّ غَيْرُهَا إِنْ تَرَكْتُهَا

أَبَى اللَّهُ إِلَّا أن أكون لها ابنما

وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: إِنَّ «أَبَى» قَدْ أُجْرِيَ مَجْرَى لَمْ يُرِدْ أَيْ: وَلَا يُريدُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ. قَوْلُهُ:

وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةٍ قَبْلَهُ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ: أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتَمَّ نُورَهُ وَلَوْ لَمْ يَكْرَهِ الْكَافِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْ كَرِهُوا، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أَيْ: بِمَا يَهْدِي بِهِ النَّاسَ مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَدِينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِيُظْهِرَهُ أَيْ: لِيُظْهِرَ

ص: 404

رَسُولَهُ، أَوْ دِينَ الْحَقِّ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى، وَأَبُو أَنَسٍ، وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ فَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَقَدْ تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزير ابْنُ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: كُنَّ نِسَاءُ بَنِي إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا أَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ شَرَّ خَلْقِهِ بُخَتُنَصَّرَ، فَحَرَقَ التَّوْرَاةَ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعُزَيْرٌ يَوْمَئِذٍ غلام، فقال عزير: أو كان هَذَا؟ فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ وَالْوَحْشِ فَجَعَلَ يَتَعَبَّدُ فِيهَا، وَجَعْلَ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ ذَاتُ يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي. فقال: يَا أُمَّهْ! اتَّقِي اللَّهَ، وَاحْتَسِبِي، وَاصْبِرِي، أَمَّا تَعْلَمِينَ أَنَّ سَبِيلَ النَّاسِ إِلَى الْمَوْتِ؟ فَقَالَتْ: يا عزيز! أَتَنْهَانِي أَنْ أَبْكِيَ وَأَنْتَ قَدْ خَلَّفْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَحِقْتَ بِالْجِبَالِ وَالْوَحْشِ؟ ثُمَّ قَالَتْ: إِنِّي لَسْتُ بِامْرَأَةٍ وَلَكِنِّي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ سَيَنْبُعُ فِي مُصَلَّاكَ عَيْنٌ وَتَنْبُتُ شَجَرَةٌ، فَاشْرَبْ مِنْ مَاءِ الْعَيْنِ، وَكُلْ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَلَكَانِ فَاتْرُكْهُمَا يَصْنَعَانِ مَا أَرَادَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ نَبَعَتِ الْعَيْنُ وَنَبَتَتِ الشَّجَرَةُ، فَشَرِبَ مِنْ مَاءِ الْعَيْنِ وَأَكَلَ مِنْ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ، وَجَاءَ مَلَكَانِ وَمَعَهُمَا قَارُورَةٌ فِيهَا نُورٌ، فَأَوْجَرَاهُ مَا فِيهَا: فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، فَجَاءَ فَأَمْلَاهُ عَلَى النَّاسِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا: أن عزير سَأَلَ اللَّهَ بَعْدَ مَا أَنْسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّوْرَاةَ وَنَسَخَهَا مِنْ صُدُورِهِمْ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي نَسَخَ مِنْ صَدْرِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي نَزَلَ نُورٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل فَدَخَلَ جَوْفَهُ، فَعَادَ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ ذَهَبَ مِنْ جَوْفِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَأَذَّنَ فِي قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمُ! قَدْ آتَانِي اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَرَدَّهَا إِلَيَّ. وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال: دعا عُزَيْرٍ رَبَّهُ أَنْ يُلْقِيَ التَّوْرَاةَ كَمَا أَنْزَلَ عَلَى مُوسَى فِي قَلْبِهِ، فَأَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَلَاثٌ أَشُكُّ فِيهِنَّ: فَلَا أَدْرِي عُزَيْرٌ كان نبيا أو لَا؟ وَلَا أَدْرِي أَلُعِنَ تُبَّعٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ في قوله: يُضاهِؤُنَ قَالَ: يُشْبِهُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ قَالَ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ قَتْلٌ فَهُوَ: لَعْنٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَالَ: أَمَّا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي الْبَحْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ فَقَالَ:

أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ أَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُمْ

ص: 405