الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا أَكَلْتُ اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنِّسَاءِ وَأَخَذَتْنِي شَهْوَةٌ، وَإِنِّي حرّمت عليّ اللحم، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَهْطٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا: نَقْطَعُ مَذَاكِيرَنَا وَنَتْرُكُ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَنَسِيحُ فِي الْأَرْضِ كَمَا يَفْعَلُ الرُّهْبَانُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لكني أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، فَمَنْ أَخَذَ بِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَقَدْ ثَبَتَ نَحْوُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ دُونِ ذِكْرِ أَنَّ ذلك سبب نزول الآية. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ: هُمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ، وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَثِيرٌ مِنْهَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ضَافَهُ ضَيْفٌ مِنْ أَهْلِهِ وَهُوَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَهُمْ لَمْ يُطْعِمُوا ضَيْفَهُمُ انْتِظَارًا لَهُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبَسْتِ ضَيْفِي مِنْ أَجْلِي، هُوَ حَرَامٌ عَلَيَّ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيَّ، فَقَالَ الضَّيْفُ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَهُ وَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أصبت» ، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَهَذَا أَثَرٌ مُنْقَطِعٌ، وَلَكِنْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ الصِّدِّيقِ مَعَ أَضْيَافِهِ مَا هُوَ شَبِيهٌ بِهَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَجِيءَ بِضَرْعٍ، فَتَنَحَّى رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: ادْنُ، فَقَالَ: إِنِّي حَرَّمْتُ أَنْ آكُلَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ادْنُ فَاطْعَمْ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
[سورة المائدة (5) : آية 89]
لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)
قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ اللَّغْوِ، والخلاف فيه، في سورة البقرة، وفِي أَيْمانِكُمْ صلة يُؤاخِذُكُمُ. قيل وفِي بِمَعْنَى مِنْ، وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ. وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَيْمَانَ اللَّغْوِ لَا يُؤَاخِذُ الله الحالف بها ولا تجب فيها الْكَفَّارَةُ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهَا قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ فِي كَلَامِهِ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِلْيَمِينِ، وَبِهِ فَسَّرَ الصَّحَابَةُ الْآيَةَ وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ عِنْدَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ والعجلة بقوله: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قُرِئَ بِتَشْدِيدِ عَقَّدْتُمُ وَبِتَخْفِيفِهِ، وَقُرِئَ عَاقَدْتُمْ. وَالْعَقْدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حِسِّيٌّ كَعَقْدِ الْحَبْلِ، وَحُكْمِيٌّ كَعَقْدِ الْبَيْعِ، وَالْيَمِينِ والعهد.
قال الشاعر «1» .
(1) . هو الحطيئة.
قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ
…
شَدُّوا الْعِنَاجَ وشدّوا فوقه الكربا
فاليمين المنعقدة مِنْ عَقَّدَ الْقَلْبَ لَيَفْعَلَنَّ أَوْ لَا يَفْعَلَنَّ في المستقبل أي ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المنعقدة الْمُوَثَّقَةِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ إِذَا حَنِثْتُمْ فِيهَا. وَأَمَّا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ: فَهِيَ يَمِينُ مَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ وَكَذِبٍ قَدْ بَاءَ الْحَالِفُ بِإِثْمِهَا، وَلَيْسَتْ بِمَعْقُودَةٍ وَلَا كَفَارَّةَ فِيهَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الشافعي: هي يمين معقودة مُكْتَسَبَةٌ بِالْقَلْبِ مَعْقُودَةٌ بِخَبَرٍ مَقْرُونَةٌ بِاسْمِ اللَّهِ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَكْفِيرِ الْيَمِينِ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى الْمَعْقُودَةِ، وَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الْغَمُوسِ، بَلْ مَا وَرَدَ فِي الْغَمُوسِ إِلَّا الْوَعِيدُ وَالتَّرْهِيبُ، وَإِنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، بَلْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا «1» الْآيَةَ. قَوْلُهُ: فَكَفَّارَتُهُ الْكَفَّارَةُ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّكْفِيرِ وَهُوَ التَّسْتِيرُ، وَكَذَلِكَ الْكُفْرُ هُوَ السَّتْرُ، وَالْكَافِرُ هُوَ السَّاتِرُ، لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ وَتُغَطِّيهِ، وَالضَّمِيرُ فِي كَفَّارَتِهِ رَاجِعٌ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ: بِما عَقَّدْتُمُ. إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ هُنَا الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَعْلَى كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَيْ أَطْعِمُوهُمْ مِنَ الْمُتَوَسِّطِ مِمَّا تَعْتَادُونَ إِطْعَامَ أَهْلِيكُمْ مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ أَعْلَاهُ، وَلَا يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ أَدْنَاهُ، وَظَاهِرَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ إِطْعَامُ عَشْرَةٍ حَتَّى يَشْبَعُوا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُجْزِئُ إِطْعَامُ الْعَشَرَةِ غَدَاءً دُونَ عَشَاءٍ حَتَّى يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ: يَكْفِيهِ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَكْلَةً وَاحِدَةً خُبْزًا وَسَمْنًا أَوْ خُبْزًا وَلَحْمًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطاب وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد ابن جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مَالِكٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَكَمُ وَمَكْحُولٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَمُقَاتِلٌ:
يَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشْرَةِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ نِصْفُ صَاعٍ بُرٍّ وَصَاعٍ مِمَّا عَدَاهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كفّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَكَفَّرَ النَّاسُ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. قَوْلُهُ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ عَطْفٌ عَلَى إِطْعَامٍ. قُرِئَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ أُسْوَةٍ وَإِسْوَةٍ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ومحمد بن السّميقع الْيَمَانِيُّ أَوْ كَأُسْوَتِهِمْ: يَعْنِي كَأُسْوَةِ أَهْلِيكُمْ وَالْكُسْوَةِ فِي الرِّجَالِ تَصْدُقُ عَلَى مَا يَكْسُو الْبَدَنَ وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا، وَهَكَذَا فِي كُسْوَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ: الْكُسْوَةُ لِلنِّسَاءِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِسْوَةِ مَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلَاةُ.
قَوْلُهُ: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَيْ إِعْتَاقُ مَمْلُوكٍ، وَالتَّحْرِيرُ: الْإِخْرَاجُ مِنَ الرِّقِّ، وَيُسْتَعْمَلُ التَّحْرِيرُ فِي فَكِّ الْأَسِيرِ، وَإِعْفَاءِ الْمَجْهُودِ بِعَمَلٍ عَنْ عَمَلِهِ، وَتَرْكِ إِنْزَالِ الضَّرَرِ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
أَبَنِي غُدَانَةَ إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ
…
فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْنِ جِعَالِ
أَيْ حَرَّرْتُكُمْ مِنَ الْهِجَاءِ الَّذِي كَانَ سَيَضَعُ مِنْكُمْ وَيَضُرُّ بَأَحْسَابِكُمْ.
وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ أَبْحَاثٌ فِي الرَّقَبَةِ الَّتِي تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا تُجْزِئُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى أَيِّ صفة
(1) . آل عمران: 77.
كَانَتْ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ إِلَى اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِيهَا قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَيْ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَكَفَّارَتُهُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقُرِئَ مُتَتَابِعَاتٍ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُقَيِّدَةً لِمُطْلَقِ الصَّوْمِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ: يُجْزِئُ التَّفْرِيقُ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِحِفْظِ الْأَيْمَانِ وَعَدَمِ الْمُسَارَعَةِ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى الْحِنْثِ بِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ إِلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَيَانِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ بَيَانِ شَرَائِعِهِ وَإِيضَاحِ أَحْكَامِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: «لما نزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ النِّسَاءَ وَاللَّحْمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي اللَّغْوِ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَلَالِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُمَا الرَّجُلَانِ يَتَبَايَعَانِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا: وَاللَّهِ لَا أَبِيعُكَ بِكَذَا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أَشْتَرِيهِ بِكَذَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: اللَّغْوُ أَنْ يَصِلَ كَلَامَهُ بِالْحَلِفِ: وَاللَّهِ لَتَأْكُلَنَّ وَاللَّهِ لَتَشْرَبَنَّ وَنَحْوَ هَذَا لَا يُرِيدُ بِهِ يَمِينًا وَلَا يَتَعَمَّدُ حَلِفًا، فَهُوَ لَغْوُ الْيَمِينِ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَقَرَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قال: بما تعمدتم. وأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَيِّمُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ النَّضْرُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الذُّهْلِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَضْعِيفُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: كُنَّا نُعْطِي فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْمُدِّ الَّذِي نَقْتَاتُ بِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي أَحْلِفُ لَا أُعْطِي أَقْوَامًا، ثُمَّ يَبْدُو لِي فَأُعْطِيهِمْ، فَأُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مثله. وأخرج عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: تُغَدِّيهِمْ وَتُعَشِّيهِمْ إِنْ شِئْتَ خُبْزًا وَلَحْمًا أَوْ خُبْزًا وَزَيْتًا أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا أَوْ خُبْزًا وَتَمْرًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ