الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا أَيْ قُلْ لَهُمْ إِنْ كَانَ حَرَّمَ الذُّكُورَ فَكُلُّ ذَكَرٍ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ الْإِنَاثَ فَكُلُّ أُنْثَى حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، يَعْنِي مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ فَكُلُّ مَوْلُودٍ حَرَامٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكُلُّهَا مَوْلُودٌ، فَيَسْتَلْزِمُ أن كلها حرام. وقوله: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ أَخْبَرُونِي بِعِلْمٍ لَا بِجَهْلٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَالْمُرَادُ من هذا: التبكيت لهم وَإِلْزَامُ الْحُجَّةِ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ إِلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا أَمْ: هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَهِيَ بِمَعْنَى بل والهمزة، أي: بل كنتم شُهَدَاءَ حَاضِرِينَ مُشَاهِدِينَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا التَّحْرِيمِ. وَالْمُرَادُ: التَّبْكِيتُ وَإِلْزَامُ الْحُجَّةِ كَمَا سَلَفَ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَحَرَّمَ شَيْئًا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَنَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ افْتِرَاءً عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ كُبَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ، وَاللَّامُ فِي لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِلْعِلَّةِ: أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُضِلَّ النَّاسَ بِجَهْلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِافْتَرَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ فِي السِّيَاقِ دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مَعَ كَوْنِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَكْثَرَ نَفْعًا وَأَكْبَرَ أَجْسَامًا وَأَعْوَدَ فَائِدَةً، لَا سِيَّمَا فِي الْحَمُولَةِ وَالْفَرْشِ اللَّذَيْنِ وَقَعَ الْإِبْدَالُ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوْضَحُ فِي إِعْرَابِ ثَمَانِيَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا فَائِدَةُ نَقْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ منْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ، وَكَوْنُ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ هُوَ هَكَذَا فِي الْآيَةِ مُصَرَّحًا بِهِ تَصْرِيحًا لَا لَبْسَ فِيهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى زَوْجَانِ. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ قَالَ: فِي شَأْنِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: الْجَامُوسُ وَالْبُخْتِيُّ مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قَالَ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ يَقُولُ: لَمْ أُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يَعْنِي هَلْ تَشْتَمِلُ الرَّحِمُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلِمَ يُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَيُحِلُّونَ بَعْضًا؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يَقُولُ: كُلُّهَا حَلَالٌ يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ممّا حرّمه أهل الجاهلية.
[سورة الأنعام (6) : آية 145]
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجِدُ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ مُحَرَّمًا غَيْرَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْحِصَارِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيهَا لَوْلَا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهَا بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَزِيدَ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَتَحْرِيمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْكِلَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْعُمُومُ إِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُؤْكَلُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَيُفِيدُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، فَيُضَمُّ إِلَيْهِ كُلُّ مَا وَرَدَ بَعْدَهُ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعُمُومُ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إِلَيْهِ كُلُّ مَا وَرَدَ بَعْدَهُ مِمَّا فِيهِ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ لَا حَرَامَ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلٌ سَاقِطٌ، وَمَذْهَبٌ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِإِهْمَالِ غَيْرِهَا مِمَّا نَزَلَ بَعْدَهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِهْمَالِ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَهُ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا مُوجِبٍ يُوجِبُهُ. قَوْلُهُ: مُحَرَّماً صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ طَعَامًا مُحَرَّمًا عَلى أَيِّ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَفِي يَطْعَمُهُ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ وَتَقْرِيرٍ لِمَا قَبْلَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ ذَلِكَ الطَّعَامُ أَوِ الْعَيْنُ أَوِ الْجُثَّةُ أَوِ النَّفْسُ. وَقُرِئَ يَكُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ، وَقُرِئَ مَيْتَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ يَكُونَ تَامَّةٌ. وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ: الْجَارِي، وَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالدَّمِ الَّذِي يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَمِنْهُ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ، وَهَكَذَا مَا يَتَلَطَّخُ بِهِ اللَّحْمُ مِنَ الدَّمِ. وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ظَاهِرُ تَخْصِيصِ اللَّحْمِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ مِنْهُ بِمَا عَدَا اللَّحْمَ، وَالضَّمِيرُ فِي فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّحْمِ أَوْ إِلَى الْخِنْزِيرِ. وَالرِّجْسُ: النَّجِسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ. قَوْلُهُ: أَوْ فِسْقاً عَطْفٌ عَلَى لحم الخنزير، وأُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ صِفَةُ فِسْقٍ: أَيْ ذُبِحَ عَلَى الْأَصْنَامِ، وَسُمِّيَ فِسْقًا لِتَوَغُّلِهِ فِي بَابِ الْفِسْقِ، قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِسْقاً مَفْعُولًا لَهُ لِأُهِلَّ: أَيْ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فِسْقًا عَلَى عَطْفِ أُهِلَّ عَلَى يَكُونُ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَلَا نُعِيدُهُ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَلَا يُؤَاخِذُ الْمُضْطَرَّ بِمَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَتُهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ وَيُحِلُّونَ أَشْيَاءَ، فَنَزَلَتْ قُلْ لَا أَجِدُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَعَذُّرًا، فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حلاله وحرّم حرامه، فما أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ قُلْ لَا أَجِدُ إِلَى آخِرِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ:
مَا خَلَا هَذَا فَهُوَ حَلَالٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ ابْنُ