الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ قَالَ: أُشَكِّكُهُمْ في آخِرَتِهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ قَالَ: أُرَغِّبُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ أُشَبِّهُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ قَالَ: أُسِنُّ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ وَأُحِقُّ عَلَيْهِمُ الْبَاطِلَ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قَالَ: مُوَحِّدِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يَقُولُ: مِنْ حَيْثُ يُبْصِرُونَ وَمِنْ خَلْفِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ مِنْ حَيْثُ يُبْصِرُونَ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُولُ مِنْ فَوْقِهِمْ. وَفِي لَفْظٍ: عَلِمَ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ مِنْ فَوْقِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
مَذْؤُماً قَالَ: مَلُومًا مَدْحُوراً قَالَ: مَقِيتًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد مَذْؤُماً قال: منفيا مَدْحُوراً قال: مطرودا.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)
قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25)
قَوْلُهُ: وَيا آدَمُ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: وَقُلْنَا يَا آدَمُ. قَالَ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ إِخْرَاجِ إِبْلِيسَ مِنَ الْجَنَّةِ، أَوْ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْإِسْكَانِ، وَمَعْنَى لَا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فِي الْبَقَرَةِ. وَمَعْنَى مِنْ حَيْثُ شِئْتُما مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَنَّةِ شِئْتُمَا أَكْلَهُ، وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما «1» وَحَذْفُ النُّونِ مِنْ فَتَكُونا لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَجْزُومِ أَوْ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّهْيِ. قَوْلُهُ: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ الْوَسْوَسَةُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَالْوَسْوَسَةُ: حَدِيثُ النَّفْسِ، يُقَالُ: وَسْوَسَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً وَوِسْوَاسًا بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْوَسْوَسَةُ بِالْفَتْحِ:
الِاسْمُ، مِثْلَ الزَّلْزَلَةِ وَالزِّلْزَالِ، وَيُقَالُ لِهَمْسِ الصَّائِدِ وَالْكِلَابِ وَأَصْوَاتِ الْحُلِيِّ: وَسْوَاسٌ. قَالَ الْأَعْشَى:
تَسْمَعُ لِلْحَلْيِ وَسَوَاسًا إِذَا انْصَرَفَتْ «2»
.....
وَالْوَسْوَاسُ: اسْمُ الشَّيْطَانِ. وَمَعْنَى وَسْوَسَ لَهُ: وَسْوَسَ إِلَيْهِ، أَوْ فَعَلَ الْوَسْوَسَةَ لأجله. قوله: لِيُبْدِيَ
(1) . البقرة: 35.
(2)
. وعجزه: كما استعان بريح عشرق زجل.
«عشرق» : شجر له حب صغار إذا جفّ صوّت بمرّ الريح.
لَهُمَا أَيْ: لِيُظْهِرَ لَهُمَا، وَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ كَمَا في قوله: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً وَقِيلَ: هِيَ لَامُ كَيْ، أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَتَعَقَّبَهُ الْإِيذَاءُ، أَوْ لِكَيْ يَقَعَ الْإِيذَاءُ. قَوْلُهُ: مَا وُورِيَ أَيْ: مَا سُتِرَ وَغُطِّيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما سَمَّى الْفَرَجَ سَوْءَةً لِأَنَّ ظُهُورَهُ يَسُوءُ صَاحِبَهُ، أَرَادَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَسُوءَهُمَا بِظُهُورِ مَا كَانَ مَسْتُورًا عَنْهُمَا مِنْ عَوْرَاتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ عَوْرَةَ أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَرَاهَا أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْلَبِ الْوَاوُ فِي وُورِيَ هَمْزَةً، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَدَّةٌ قِيلَ: إِنَّمَا بَدَتْ عَوْرَتُهُمَا لَهُمَا لَا لِغَيْرِهِمَا، وَكَانَ عَلَيْهِمَا نُورٌ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَتِهَا وَقالَ أَيِ: الشَّيْطَانُ لَهُمَا مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ أَكْلِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تقديره: إلا كَرَاهَةَ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ، هَكَذَا قَالَ الْبَصْرِيُّونَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: التَّقْدِيرُ لِئَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ فِي الْجَنَّةِ أَوْ مِنَ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَضَّلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي الْقُرْآنِ، فَمِنْهَا هَذَا، وَمِنْهَا وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ، ومنها لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
. قَالَ ابْنُ فُورَكْ: لَا حُجَّةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: مَلَكَيْنِ فِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا شَهْوَةٌ فِي الطَّعَامِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَطَالُوا الْكَلَامَ فِي غَيْرِ طَائِلٍ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا كَلَّفَنَا اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَالْكَلَامُ فِيهَا لَا يَعْنِينَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَالضَّحَّاكُ «مَلِكَيْنِ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَأَنْكَرَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ قَبْلَ آدَمَ مُلْكٌ فَيَصِيرَا مَلِكَيْنِ. وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذِهِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِقِرَاءَةِ الْكَسْرِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا، فَلِهَذَا تَرَكْنَاهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: هِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، وَأَنْكَرَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ هَذَا الْكَلَامَ وَجَعَلَهُ مِنَ الْخَطَأِ الْفَاحِشِ. قَالَ: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَى آدَمَ عليه السلام أَنْ يَصِلَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ مُلْكِ الْجَنَّةِ وَهِيَ غَايَةُ الطَّالِبِينَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى وَمُلْكٍ لَا يَبْلى الْمُقَامُ فِي مُلْكِ الْجَنَّةِ وَالْخُلُودُ فِيهِ. قَوْلُهُ: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ أَيْ: حَلَفَ لَهُمَا فقال: أقسم إقساما أي: حلف، ومنه قول الشاعر:
وقاسمها بِاللَّهِ جَهْدًا لَأَنْتُمَا
…
أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا ما نُشُورُهَا «1»
وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ تَدُلُّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فَقَدْ جَاءَتْ كَثِيرًا لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا تَحْقِيقَ هَذَا فِي الْمَائِدَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُبَالَغَةُ فِي صُدُورِ الْأَقْسَامِ لَهُمَا مِنْ إِبْلِيسَ وَقِيلَ إِنَّهُمَا أَقْسَمَا لَهُ بِالْقَبُولِ كَمَا أَقْسَمَ لَهُمَا عَلَى الْمُنَاصَحَةِ. قَوْلُهُ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ التَّدْلِيَةُ وَالْإِدْلَاءُ: إِرْسَالُ الشَّيْءِ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، يُقَالُ:
أَدْلَى دَلْوَهُ: أَرْسَلَهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَهْبَطَهُمَا بِذَلِكَ مِنَ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ إِلَى الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَوْقَعَهُمَا فِي الْهَلَاكِ وَقِيلَ: خَدَعَهُمَا، وَأَنْشَدَ نَفْطَوَيْهِ:
إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا تَشَاءُ خَدَعْتَهُ
…
وَتَرَى اللَّئِيمَ مُجَرِّبًا لا يخدع
(1) . «السلوى» : العسل. و «شار العسل» : اجتناه وأخذه من موضعه.
وقيل معنى: فَدَلَّاهُما دَلَّلَهُمَا مِنَ الدَّالَّةِ، وَهِيَ الْجُرْأَةُ: أَيْ جَرَّأَهُمَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَخَرَجَا مِنَ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أَيْ: لَمَّا طَعِمَاهَا ظَهَرَتْ لَهُمَا عَوْرَاتُهُمَا بِسَبَبِ زَوَالِ مَا كَانَ سَاتِرًا لَهَا وَهُوَ تَقَلُّصُ النُّورِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ. قَوْلُهُ: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ طَفِقَ يَفْعَلُ كَذَا: بِمَعْنَى شَرَعَ يَفْعَلُ كَذَا. وَحَكَى الْأَخْفَشُ: طَفِقَ يَطْفِقُ مِثْلَ ضَرِبَ يَضْرِبُ، أَيْ: شَرَعَا أَوْ جَعَلَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا. قَرَأَ الْحَسَنُ «يَخِصِّفَانِ» بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ، وَالْأَصْلُ: يَخْتَصِفَانِ فَأَدْغَمَ وَكُسِرَتِ الْخَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ ابْنُ بُرَيْدَةَ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْخَاءِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ «يُخْصِفَانِ» مِنْ أَخْصَفَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَخْصِفَانِ» مِنْ خَصَفَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمَا أَخَذَا يَقْطَعَانِ الْوَرَقَ وَيُلْزِقَانِهِ بِعَوْرَتِهِمَا لِيَسْتُرَاهَا، مِنْ خَصَفَ النَّعْلَ: إِذَا جَعَلَهُ طَبَقَةً فَوْقَ طَبَقَةٍ وَناداهُما رَبُّهُما قَائِلًا لَهُمَا:
أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكُمَا عَنْ أَكْلِهَا، وَهَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمَا وَتَوْبِيخٌ حَيْثُ لَمْ يَحْذَرَا مَا حَذَّرَهُمَا مِنْهُ وَأَقُلْ لَكُما مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْهَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ أَيْ مُظْهِرٌ لِلْعَدَاوَةِ. قَوْلُهُ: قَالَا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَا؟ وَهَذَا مِنْهُمَا اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ، وَأَنَّهُمَا ظَلَمَا أَنْفَسَهُمَا مِمَّا وَقَعَ مِنْهُمَا مِنَ الْمُخَالَفَةِ، ثُمَّ قَالَا: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، وَجُمْلَةُ قالَ اهْبِطُوا اسْتِئْنَافٌ كَالَّتِي قَبْلَهَا، وَالْخِطَابُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَذُرِّيَّتِهِمَا، أَوْ لَهُمَا وَلِإِبْلِيسَ، وَجُمْلَةُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أَيْ مَوْضِعُ اسْتِقْرَارٍ وَلكم مَتاعٌ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَتَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمُشْرَبِ وَنَحْوِهِمَا إِلى حِينٍ أَيْ: إِلَى وَقْتٍ، وَهُوَ وَقْتُ مَوْتِكُمْ، وَجُمْلَةُ قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ كَالَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ: فِي الْأَرْضِ تَحْيَوْنَ، وَفِيهَا يَأْتِيكُمُ الْمَوْتُ، وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى «1» وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْقِصَّةِ مُسْتَوْفًى فِي الْبَقَرَةِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ وهب ابن مُنَبِّهٍ فِي قَوْلِهِ: لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما قَالَ: كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُورٌ لَا يُبْصِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوْءَةَ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا أَصَابَا الْخَطِيئَةَ نُزِعَ عَنْهُمَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَاهُمَا إِبْلِيسٌ فَقَالَ: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ مِثْلَهُ، يَعْنِي مِثْلَ اللَّهِ عز وجل، فَلَمْ يُصَدِّقَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ فَكَلَّمَهُمَا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ فَإِنْ أَخْطَأَكُمَا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ لَمْ يُخْطِئْكُمَا أَنْ تَكُونَا خَالِدَيْنِ فَلَا تَمُوتَانِ فِيهَا أَبَدًا وَقاسَمَهُما قَالَ: حَلَفَ لَهُمَا إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ قَالَ: مَنَّاهُمَا بِغُرُورٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لِبَاسُ كُلِّ دَابَّةٍ مِنْهَا، وَلِبَاسُ الْإِنْسَانِ الظُّفْرُ، فَأَدْرَكَتْ آدَمَ التَّوْبَةُ عِنْدَ ظُفْرِهِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبيهقي وابن عساكر عن ابن
(1) . طه: 55.