الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ خَلِيفَةَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يُعْبَدْ إِلَّا عَنْ رُؤْيَةٍ مَا عَبَدَهُ أَحَدٌ، وَلَكِنِ الْمُؤْمِنُونَ تَفَكَّرُوا فِي مَجِيءِ هَذَا الليل إذا جاء الليل جَاءَ فَمَلَأَ كُلَّ شَيْءٍ وَغَطَّى كُلَّ شَيْءٍ، وَفِي مَجِيءِ سُلْطَانِ النَّهَارِ إِذَا جَاءَ فَمَحَا سُلْطَانَ اللَّيْلِ، وَفِي السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض، وفي النجوم، وفي الشتاء والصيف، فو الله مَا زَالَ الْمُؤْمِنُونَ يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا خَلَقَ رَبُّهُمْ تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم.
[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)
شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي شَرْحِ أَحْوَالِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ، وَمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَقَدَّمَ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَمْ تُؤْمِنْ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَعَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْجَبُونَ مِمَّا لَا عَجَبَ فِيهِ، وَيُهْمِلُونَ النَّظَرَ وَالتَّفَكُّرَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي إِهْمَالُهُ مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ لكل حيّ طول حَيَاتِهِ، فَيَتَسَبَّبُ عَنْ إِهْمَالِ النَّظَرِ، وَالتَّفَكُّرِ الصَّادِقِ: عَدَمُ الْإِيمَانِ بِالْمَعَادِ. وَمَعْنَى الرَّجَاءِ هُنَا الْخَوْفُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا
…
وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَاسِلِ
وَقِيلَ: يَرْجُونَ: يَطْمَعُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَتَرْجُو بني مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي
…
وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا
فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَخَافُونَ عِقَابًا، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَطْمَعُونَ فِي ثَوَابٍ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ حَقِيقَتَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَتَهُ كَانَ الْمَعْنَى: لَا يَخَافُونَ رُؤْيَتَنَا، أَوْ لَا يَطْمَعُونَ فِي رُؤْيَتِنَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالرَّجَاءِ هُنَا:
التَّوَقُّعُ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْخَوْفُ وَالطَّمَعُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَا يَتَوَقَّعُونَ لِقَاءَنَا فَهُمْ لَا يَخَافُونَهُ وَلَا يَطْمَعُونَ فِيهِ وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا أَيْ: رَضُوا بِهَا عِوَضًا عَنِ الْآخِرَةِ، فَعَمِلُوا لَهَا وَاطْمَأَنُّوا بِها أَيْ سَكَنَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهَا وَفَرِحُوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا أُولئِكَ مَأْواهُمُ أَيْ: مَثْوَاهُمْ وَمَكَانُ إِقَامَتِهِمُ النَّارُ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْمُتَّصِفِينَ بِالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ مِنْ عَدَمِ الرَّجَاءِ، وَحُصُولِ الرِّضَا، وَالِاطْمِئْنَانِ، وَالْغَفْلَةِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ: بِسَبَبِ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ، فَهَذَا حَالُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْمَعَادِ، وَأَمَّا حَالُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ فَقَدْ بَيَّنَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: فَعَلُوا الْإِيمَانَ الَّذِي طَلَبَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْآيَاتِ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْإِيمَانُ، وَهِيَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ أَيْ: يَرْزُقُهُمُ الْهِدَايَةَ بِسَبَبِ هَذَا الْإِيمَانِ الْمَضْمُومِ إِلَيْهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَيَصِلُونَ بِذَلِكَ
إِلَى الْجَنَّةِ، وَجُمْلَةُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَمَعْنَى مِنْ تَحْتِهِمْ: مِنْ تَحْتِ بَسَاتِينِهِمْ، أَوْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ عَلَى سُرُرٍ مَرْفُوعَةٍ. وَقَوْلُهُ: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ متعلق بتجري أو بيهديهم أَوْ خَبَرٌ آخَرُ أَوْ حَالٌ مِنَ الْأَنْهَارُ. قَوْلُهُ: دَعْواهُمْ أَيْ: دُعَاؤُهُمْ وَنِدَاؤُهُمْ، وَقِيلَ: الدُّعَاءُ الْعِبَادَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «1» وَقِيلَ مَعْنَى دَعْوَاهُمْ هُنَا:
الِادِّعَاءُ الْكَائِنُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدَّعُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَنْزِيهَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْمَعَايِبِ وَالْإِقْرَارَ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ. قَالَ الْقَفَّالُ: أَصْلُهُ مِنَ الدُّعَاءِ، لِأَنَّ الْخَصْمَ يَدْعُو خَصْمَهُ إِلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: طَرِيقَتُهُمْ وَسِيرَتُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعِي لِلشَّيْءِ مُوَاظِبٌ عَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الدَّعْوَى كِنَايَةً عَنِ الْمُلَازَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ دَعْوَى وَلَا دُعَاءٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَمَنِّيهِمْ كَقَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ «2» وَكَأَنَّ تَمَنِّيَهُمْ فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ إِلَّا تَسْبِيحُ اللَّهِ وَتَقْدِيسُهُ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ سُبْحَانَكَ اللهم، وفِيها أَيْ:
فِي الْجَنَّةِ. وَالْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ دُعَاءَهُمُ الَّذِي يَدْعُونَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ هُوَ تَسْبِيحُ اللَّهِ وَتَقْدِيسُهُ. وَالْمَعْنَى:
نُسَبِّحُكَ يَا اللَّهُ تَسْبِيحًا، قَوْلُهُ: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أَيْ: تَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ لِلْبَعْضِ، فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ، أَوْ تَحِيَّةُ اللَّهِ، أَوِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ، فَيَكُونُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ. وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، قَوْلُهُ: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أَيْ: وَخَاتِمَةُ دُعَائِهِمُ الَّذِي هُوَ التَّسْبِيحُ أَنْ يَقُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: مَذْهَبُ الْخَلِيلِ أَنَّ «أَنْ» هَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ. وَالْمَعْنَى:
أَنَّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُعْمِلَهَا خَفِيفَةً عَمَلَهَا ثَقِيلَةً. وَالرَّفْعُ أَقْيَسُ، وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا التَّخْفِيفَ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِتَشْدِيدِ أَنَّ وَنَصْبِ الْحَمْدِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا قَالَ: مِثْلَ قَوْلِهِ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها «3» الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ قَالَ: يَكُونُ لَهُمْ نُورٌ يَمْشُونَ بِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوِّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وريح طيبة، فيقول له: ما أنت؟ فو الله إِنِّي لَأَرَاكَ عَيْنَ امْرِئِ صِدْقٍ، فَيَقُولُ لَهُ: أنا عملك، فيكون نُورًا وَقَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوِّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيِّئَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا أنت؟ فو الله إِنِّي لَأَرَاكَ عَيْنَ امْرِئِ سَوْءٍ، فَيَقُولُ لَهُ:
أَنَا عَمَلُكَ، فَيَنْطَلِقُ بِهِ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ عن ابن جرير نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَالُوا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَتَاهُمْ مَا اشْتَهَوْا مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ رَبِّهِمْ» . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: الْحَمْدُ أَوَّلُ الْكَلَامِ وَآخِرُ الْكَلَامِ، ثُمَّ تَلَا: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
(1) . مريم: 48.
(2)
. يس: 57.
(3)
. هود: 15.