المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

فِي قَوْلِهِ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا قال: في صورة رجل، وفي خَلْقِ رَجُلٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا يَقُولُ: فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ يَقُولُ: شَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: شَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ مَا يُشَبِّهُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنِي بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَهَمَزُوهُ واستهزءوا بِهِ فَغَاظَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.

[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)

قَوْلُهُ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ وَتَبْكِيتٌ لَهُمْ. وَالْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَإِنْ قَالُوا فَقُلْ: لِلَّهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ ما في السموات وَالْأَرْضِ إِمَّا بِاعْتِرَافِهِمْ، أَوْ بِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَاجِلَهُمْ بِالْعِقَابِ، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ: أَيْ وَعَدَ بِهَا فَضْلًا مِنْهُ وَتَكَرُّمًا. وَذِكْرُ النَّفْسِ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ تَأَكُّدِ وَعْدِهِ وَارْتِفَاعِ الْوَسَائِطِ دُونَهُ، وَفِي الْكَلَامِ تَرْغِيبٌ لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْهُ إِلَى الْإِقْبَالِ إِلَيْهِ وَتَسْكِينِ خَوَاطِرِهِمْ بِأَنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُمُ الْإِنَابَةَ وَالتَّوْبَةَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ لَهُمْ إِرْسَالُ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ، وَنَصْبُ الْأَدِلَّةِ. قَوْلُهُ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: الرَّحْمَةَ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُسْتَأْنَفًا عَلَى جِهَةِ التَّبْيِينِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ لَيُمْهِلَنَّكُمْ وَلَيُؤَخِّرَنَّ جَمْعَكُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي الْقُبُورِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ. وَقِيلَ: إِلى بِمَعْنَى فِي: أَيْ لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ النَّصْبَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الرَّحْمَةِ، فَتَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى أَنْ. وَالْمَعْنَى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنْ يَجْمَعَنَّكُمْ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ «1»

(1) . يُوسُفَ: 35.

ص: 118

أَيْ أَنْ يَسْجِنُوهُ، وَقِيلَ: إِنَّ جُمْلَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ مَسُوقَةٌ لِلتَّرْهِيبِ بَعْدَ التَّرْغِيبِ، وَلِلْوَعِيدِ بَعْدَ الْوَعْدِ أَيْ إِنْ أَمْهَلَكُمْ بِرَحْمَتِهِ فَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِجَمْعِكُمْ ثم مُعَاقَبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ عُقُوبَتَهُ مِنَ الْعُصَاةِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَا رَيْبَ فِيهِ لِلْيَوْمِ أَوْ لِلْجَمْعِ. قَوْلُهُ: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْمَوْصُولَ مُرْتَفِعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ كَمَا تَقُولُ: الَّذِي يُكْرِمُنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَالْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ.

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنْ شِئْتَ كَانَ الَّذِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي لَيَجْمَعَنَّكُمْ أَيْ لَيَجْمَعَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّدُ وَزَعَمَ أَنَّهُ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَا يُبْدَلُ مِنَ الْمُخَاطِبِ وَلَا مِنَ الْمُخَاطَبِ. لَا يُقَالُ مَرَرْتُ بِكَ زَيْدٌ وَلَا مَرَرْتَ بِي زِيدٌ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ مَجْرُورًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ أَوْ عَلَى النَّعْتِ لَهُمْ وَقِيلَ: إِنَّهُ مُنَادَى وَحَرْفُ النِّدَاءِ مُقَدَّرٌ. قَوْلُهُ:

وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَيْ لِلَّهِ، وَخَصَّ السَّاكِنَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ مَا يَتَّصِفُ بِالسُّكُونِ أَكْثَرُ مِمَّا يَتَّصِفُ بِالْحَرَكَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى: مَا سَكَنَ فِيهِمَا أَوْ تَحَرَّكَ فَاكْتَفَى بِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنِ الْآخَرِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْكَفَرَةِ. قَوْلُهُ: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لَمَّا دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْكَارُ لِاتِّخَاذِ غَيْرِ اللَّهِ وَلِيًّا، لَا لِاتِّخَاذِ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا، دَخَلَتِ الْهَمْزَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ لَا عَلَى الْفِعْلِ. وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا: الْمَعْبُودُ: أَيْ كَيْفَ أَتَّخِذُ غَيْرَ الله معبودا؟ وفاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ نَعَتٌ لِاسْمِ اللَّهِ، وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ الرَّفْعَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، وَأَجَازَ الزَّجَّاجُ النَّصْبَ عَلَى الْمَدْحِ، وَأَجَازَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ نَصْبَهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: أترك فاطر السموات وَالْأَرْضِ. قَوْلُهُ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ، وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الثَّانِي: أَيْ يَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ، وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَعْمَشُ بِفَتْحِ الْيَاءِ فِي الثَّانِي وَفَتْحِ الْعَيْنِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الثَّانِي عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى الْوَلِيِّ الْمَذْكُورِ، وَخَصَّ الْإِطْعَامَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ضُرُوبِ الْإِنْعَامِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَمَسُّ. قَوْلُهُ: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ أمره سبحانه بعد ما تَقَدَّمَ مِنَ اتِّخَاذِ غَيْرِ اللَّهِ وَلِيًّا أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَخْلَصَ مِنْ أُمَّتِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَسْلَمَ اسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ، ثُمَّ نَهَاهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالْمَعْنَى: أُمِرْتُ بِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَنُهِيتُ عَنِ الشِّرْكِ أَيْ يَقُولُ لَهُمْ هَذَا، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أَيْ إِنْ عَصَيْتُهُ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ أَوْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ. وَالْخَوْفُ: تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ، وقيل: هو هنا بِمَعْنَى الْعِلْمِ، أَيْ إِنِّي أَعْلَمُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي أَنَّ لِي عَذَابًا عَظِيمًا. قَوْلُهُ: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وقرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَابْنُ عَامِرٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ الْعَذَابُ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ سِيبَوَيْهِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِلَّهِ. وَمَعْنَى يَوْمَئِذٍ يَوْمَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ فَقَدْ رحمه الله أَيْ نَجَّاهُ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الصَّرْفِ أَوْ إِلَى الرَّحْمَةِ أَيْ فَذَلِكَ الصَّرْفُ أَوِ الرَّحْمَةُ الْفَوْزُ الْمُبِينُ أَيِ الظَّاهِرُ الْوَاضِحُ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ:«مَنْ يَصْرِفِ اللَّهُ عَنْهُ» . قَوْلُهُ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ أَيْ إِنْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِكَ ضُرًّا مِنْ فَقْرٍ أَوْ مرض فَلا

ص: 119

كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ

أَيْ لَا قَادِرَ عَلَى كَشْفِهِ سِوَاهُ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ مِنْ رَخَاءٍ أَوْ عَافِيَةٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْمَسِّ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ الْقَهْرُ: الْغَلَبَةُ، وَالْقَاهِرُ: الْغَالِبُ، وَأُقْهِرَ الرَّجُلُ: إِذَا صَارَ مَقْهُورًا ذَلِيلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :

تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَنْ يسود جذاعه

فَأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أَذَلَّ وَأَقْهَرَا

وَمَعْنَى فَوْقَ عِبادِهِ فَوْقِيَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ، لَا فَوْقِيَّةَ الْمَكَانِ كَمَا تَقُولُ: السُّلْطَانُ فَوْقَ رَعِيَّتِهِ: أَيْ بِالْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ. وَفِي الْقَهْرِ مَعْنًى زَائِدٌ لَيْسَ فِي الْقُدْرَةِ، وَهُوَ مَنْعُ غَيْرِهِ عَنْ بُلُوغِ الْمُرَادِ وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِهِ الْخَبِيرُ بِأَفْعَالِ عِبَادِهِ. قَوْلُهُ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً أَيُّ: مُبْتَدَأٌ، وَأَكْبَرُ:

خَبَرُهُ، وَشَهَادَةً: تَمْيِيزٌ، وَالشَّيْءُ: يُطْلَقُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، وَالْمُحَالِ وَالْمُمْكِنِ. وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَهِيدٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً، فَوُضِعَ شَيْءٌ مَوْضِعَ شَهِيدٍ وَقِيلَ إِنَّ شَيْءٍ هُنَا مَوْضُوعٌ موضع اسم الله تعالى. وَالْمَعْنَى: اللَّهُ أَكْبَرُ شَهَادَةً أَيِ انْفِرَادُهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَقِيَامُ الْبَرَاهِينِ عَلَى تَوْحِيدِهِ، أَكْبَرُ شَهَادَةً وَأَعْظَمُ فَهُوَ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ: اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ هُوَ الْجَوَابُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّهِيدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَانَ أَكْبَرُ شهادة له صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ: إِنَّهُ قَدْ تَمَّ الْجَوَابُ عِنْدَ قَوْلِهِ: قُلِ اللَّهُ يَعْنِي اللَّهُ أَكْبَرُ شَهَادَةً، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَيْ هُوَ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. قَوْلُهُ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَيْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ لِأَجْلِ أَنْ أُنْذِرَكُمْ بِهِ وَأُنْذِرَ بِهِ مَنْ بَلَغَ إِلَيْهِ أَيْ كُلُّ مَنْ بَلَغَ إِلَيْهِ مِنْ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ سَيُوجَدُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى شُمُولِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِمَنْ سَيُوجَدُ كَشُمُولِهَا لِمَنْ قَدْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ النُّزُولِ مَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى تِلْكَ الْخُزَعْبَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَرَأَ أَبُو نَهِيكٍ وَأُوحِيَ على البناء للفاعل، وقرأ ابن عدي على البناء للمفعول. قوله: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ أَوْ بِقَلْبِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ عَلَى الْخَبَرِ فَقَدْ حَقَّقَ عَلَيْهِمْ شِرْكَهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَ: آلِهَةً أُخْرى لِأَنَّ الْآلِهَةَ جَمْعٌ وَالْجَمْعُ يَقَعُ عَلَيْهِ التَّأْنِيثُ، كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ، ومثله قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «2» وقال: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى قُلْ لَا أَشْهَدُ أَيْ فَأَنَا لَا أَشْهَدُ مَعَكُمْ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِكَوْنِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بَاطِلَةً، وَمِثْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وما: فِي مِمَّا تُشْرِكُونَ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَجْعَلُونَهَا آلِهَةً، أَوْ مِنْ إِشْرَاكِكُمْ بِاللَّهِ. قَوْلُهُ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الْكِتَابُ: لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَغَيْرَهُمَا أَيْ يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجَّاجُ وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ: أَيْ يَعْرِفُونَهُ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً بِحَيْثُ لَا يلتبس عليهم منه شيء، وكَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بَيَانٌ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ وَكَمَالِهَا وَعَدَمِ وُجُودِ شَكٍّ فِيهَا، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ هِيَ الْبَالِغَةُ إِلَى غَايَةِ الْإِتْقَانِ إِجْمَالًا وتفصيلا. قوله: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

(1) . هو المخبل السعدي.

(2)

. الأعراف: 180.

ص: 120

فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَدُخُولُ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَوْصُولَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِلْمَوْصُولِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَكُونُ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ مَعْطُوفًا عَلَى جُمْلَةِ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. وَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْكُفَّارَ الْخَاسِرِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِعِنَادِهِمْ وَتَمَرُّدِهِمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ: أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ الْكِتَابَ هُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْبُعْدِ عَنِ الْحَقِّ وَعَدَمِ الْعَمَلِ بِالْمَعْرِفَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ لَهُمْ، فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. قَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَيِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فَقَالَ: إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ أَوِ الْإِنْجِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ الَّتِي يَلْزَمُهُ الْإِيمَانُ بِهَا مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْوَاضِحَةِ الْبَيِّنَةِ، فَجَمَعَ بَيْنَ كَوْنِهِ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ وَمُكَذِّبًا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَلَا أَحَدَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَظْلَمُ مِنْهُ، وَالضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ لِلشَّأْنِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ:

إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، ثُمَّ جَعَلَ مِائَةَ رَحْمَةٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ فَوَضَعَ بَيْنَهُمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً وَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً فَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَبَاذَلُونَ، وَبِهَا يَتَزَاوَرُونَ، وَبِهَا تَحِنُّ النَّاقَةُ، وَبِهَا تُنْتِجُ الْبَقَرَةُ، وَبِهَا تَيْعَرُ الشَّاةُ، وَبِهَا تَتَابَعُ الطَّيْرُ، وَبِهَا تَتَابَعُ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ إِلَى مَا عِنْدَهُ، وَرَحْمَتُهُ أَفْضَلُ وَأَوْسَعُ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خلق الله يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ: مِنْهَا رَحْمَةٌ يَتَرَاحَمُ بِهَا الْخَلْقُ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ» . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَوَضَعَهُ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى بِنَحْوِ هَذَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يَقُولُ مَا اسْتَقَرَّ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفِي قَوْلِهِ: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا قَالَ: أَمَّا الْوَلِيُّ فَالَّذِي تَوَلَّاهُ وَيُقِرُّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَالَ: بَدِيعُ السّموات وَالْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ لَا أدري ما فاطر السّموات وَالْأَرْضَ؟ حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، يَقُولُ: أَنَا ابْتَدَأْتُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قَالَ: يَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ قَالَ: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ الْعَذَابُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ يَقُولُ: بِعَافِيَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عباس قال: جاء النحام بن زيد وقردم ابن كعب وبحري بن عمير فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! مَا تَعْلَمُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، بِذَلِكَ بُعِثْتُ، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ

ص: 121