المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

وَالْأَلِفُ بَدَلٌ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ كَأَنَّهُ دَعَا وَيْلَتَهُ بِأَنْ تَحْضُرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْوَيْلَةُ: الْهَلَكَةُ، وَالْكَلَامُ خَارِجٌ مَخْرَجَ التَّعَجُّبِ مِنْهُ مِنْ عَدَمِ اهْتِدَائِهِ لِمُوَارَاةِ أَخِيهِ كَمَا اهْتَدَى الْغُرَابُ إِلَى ذَلِكَ فَأُوارِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ، وَقُرِئَ بِالسُّكُونِ عَلَى تَقْدِيرِ فَأَنَا أُوَارِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ عَلَى قَتْلِهِ وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ نَدَمُهُ نَدَمَ تَوْبَةٍ بَلْ نَدِمَ لِفَقْدِهِ، لَا عَلَى قَتْلِهِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ أَخَاهَا تَوْأَمَهَا، وَأَنْ يَنْكِحَهَا غَيْرُهُ مِنْ إِخْوَتِهَا، وَكَانَ يُولَدُ لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ وُلِدَ لَهُ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ وَوَلَدٌ لَهُ أُخْرَى قَبِيحَةٌ دَمِيمَةٌ، فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَةِ: أَنْكِحْنِي أُخْتُكَ وَأَنْكِحُكَ أُخْتِي، فَقَالَ: لَا، أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي، فَقَرَّبَا قُرْبَانًا، فَجَاءَ صَاحِبُ الْغَنَمِ بِكَبْشٍ أَعْيَنَ أَقْرَنَ أَبْيَضَ، وَصَاحِبُ الْحَرْثِ بِصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الْكَبْشِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ صَاحِبِ الزَّرْعِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَكَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِ بَنِي آدَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرَّجُلُ، فَبَيْنَمَا ابْنَا آدَمَ قَاعِدَانِ إِذْ قَالَا لَوْ قَرَّبْنَا قُرْبَانًا ثُمَّ ذَكَرَا مَا قَرَّبَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ قَالَ:

كَتَبَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا تَرَكَهُ وَلَا يَمْتَنِعَ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتَكَ وَدَمِي فَتَبُوءَ بِهِمَا جَمِيعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ بِإِثْمِي: قَالَ: بِقَتْلِكَ إِيَّايَ وَإِثْمِكَ، قَالَ: بِمَا كَانَ مِنْكَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ قَالَ: شَجَّعَتْهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ فراغ الغلام منه في رؤوس الْجِبَالِ، فَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَرَفَعَ صَخْرَةً فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ فَمَاتَ، فَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ يَدْفِنُ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ حَثَا عليه، فلما رآه قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» . وَقَدْ رُوِيَ فِي صِفَةِ قَتْلِهِ لِأَخِيهِ رِوَايَاتٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بصحتها.

[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)

ص: 38

قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ وَجَرِيرَتِهِ وَبِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مِنْ جِنَايَتِهِ، قَالَ: يُقَالُ أَجَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ شَرًّا يَأْجُلُ أَجْلًا إِذَا جَنَى مِثْلَ أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «مِنْ أَجْلِ» بِكَسْرِ النُّونِ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَّةِ: قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مُنْفَرِدًا «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى النُّونِ قَبْلَهَا وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: مِنَ النَّادِمِينَ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ وَالْأَوْلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالْمَعْنَى:

أَنَّ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ عَنْهُ الْكَتْبُ الْمَذْكُورُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ. وَخَصَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي تَعْدَادِ جِنَايَاتِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ أَوَّلُ أُمَّةٍ نَزَلَ الْوَعِيدُ عَلَيْهِمْ فِي قَتْلِ الْأَنْفُسِ، وَوَقَعَ التَّغْلِيظُ فِيهِمْ إِذْ ذَاكَ لِكَثْرَةِ سَفْكِهِمْ لِلدِّمَاءِ وَقَتْلِهِمْ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَتَقْدِيمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَعْنِي كَتَبْنَا: يُفِيدُ الْقَصْرَ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَا مَنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً واحدة من هذه النُّفُوسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ نَفْسٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَيَخْرُجُ عَنْ هَذَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِنَفْسٍ قِصَاصًا.

قَوْلُهُ: أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى نَفْسٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ: أَوْ أَحْدَثَ فَسَادًا فِي الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا ضَعْفٌ. وَمَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ:

أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ حكم مشروط بتحقّق أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَنَقِيضُهُ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَائِهِمَا مَعًا، وَكُلُّ حُكْمٍ مَشْرُوطٍ بِتَحَقُّقِهِمَا مَعًا فَنَقِيضُهُ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةَ أَنَّ نَقِيضَ كُلِّ شَيْءٍ مَشْرُوطٌ بِنَقِيضِ شَرْطِهِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَسَادِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَاذَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ، وَقِيلَ: قَطْعُ الطَّرِيقِ.

وَظَاهِرُ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ أَنَّهُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، فَالشِّرْكُ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، وَسَفْكُ الدِّمَاءِ وَهَتْكُ الْحَرَمِ وَنَهْبُ الْأَمْوَالِ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، وَالْبَغْيُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقِّ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، وَهَدْمُ الْبُنْيَانِ وَقَطْعُ الْأَشْجَارِ وَتَغْوِيرُ الْأَنْهَارِ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، فَعَرَفْتَ بِهَذَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَنَّهَا فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ، وَهَكَذَا الْفَسَادُ الَّذِي سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى الْفَسَادِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا التَّشْبِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ عِقَابَ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا أَشَدُّ مِنْ عِقَابِ مَنْ قَتَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْنَى مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهُ بِأَنْ شَدَّ عَضُدَهُ وَنَصَرَهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. أَخْرَجَ هَذَا عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ مُتَعَمِّدًا جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ، وَغَضِبَ عَلَيْهِ، وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا، فَلَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا قَالَ: وَمَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلٍ فَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناس جميعا.

ص: 39

وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَ هَذَا عَنْهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هذه الآية: من أَوَبَقَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا فِي الْوِزْرِ، وَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا فِي الْأَجْرِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:

الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَيَلْزَمُهُ مِنَ الْقَوْدِ وَالْقِصَاصِ مَا يَلْزَمُ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْياها أَيْ مَنْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، حَكَاهُ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَحُكِيَ عن الحسن أنه العفو بعد القدرة: يَعْنِي أَحْيَاهَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ إِحْيَاءَهَا: إِنْجَاؤُهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ هَلَكَةٍ، حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ خُصَمَاؤُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَتَرَ الْجَمِيعَ وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً أَيْ وجب على الكلّ شكره وقيل المعنى: أنه مَنِ اسْتَحَلَّ وَاحِدًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الشَّرْعَ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْإِحْيَاءُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ التَّرْكِ وَالْإِنْقَاذِ مِنْ هَلَكَةٍ فَهُوَ مَجَازٌ، إِذِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ عز وجل. وَالْمُرَادُ بِهَذَا التَّشْبِيهِ فِي جَانِبِ الْقَتْلِ تَهْوِيلُ أَمْرِ الْقَتْلِ وَتَعْظِيمِ أَمْرِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى يَنْزَجِرَ عَنْهُ أَهْلُ الْجُرْأَةِ وَالْجَسَارَةِ، وَفِي جَانِبِ الْإِحْيَاءِ التَّرْغِيبُ إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْجُنَاةِ وَاسْتِنْقَاذِ الْمُتَوَرِّطِينَ فِي الْهَلَكَاتِ. قَوْلُهُ: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُؤَكِّدَةٌ بِاللَّامِ الْمُوطِئَةِ لِلْقَسَمِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ جَاءُوا الْعِبَادَ بِمَا شَرَّعَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا أَمْرُ الْقَتْلِ، وَثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ وَالِاسْتِبْعَادِ الْعَقْلِيِّ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا ذَكَرَ مِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْكَتْبِ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ فِي قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قد اختلف النَّاسِ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعُرَنِيِّينَ. وَقَالَ مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: إنها نَزَلَتْ فِيمَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَوْلُ مَالِكٍ صَحِيحٌ. قَالَ أَبُو ثَوْرٍ مُحْتَجًّا لِهَذَا الْقَوْلِ:

إِنَّ قَوْلَهَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَيْرِ أَهْلِ الشِّرْكِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ إِذَا وَقَعُوا فِي أَيْدِينَا فَأَسْلَمُوا أَنَّ دِمَاءَهُمْ تَحْرُمُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. وَهَكَذَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ «1» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: أَعْنِي آيَةَ الْمُحَارِبَةِ نَسَخَتْ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُرَنِيِّينَ، وَوَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى هَذِهِ الْحُدُودِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ: يعني فعله صلى الله عليه وسلم بِالْعُرَنِيِّينَ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُثْلَةِ، وَالْقَائِلُ بِهَذَا مُطَالَبٌ بِبَيَانِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ، وَسَيَأْتِي سِيَاقُ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَعُمُّ الْمُشْرِكَ وَغَيْرَهُ لِمَنِ ارْتَكَبَ مَا تَضَمَّنَتْهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، بَلِ الِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ مُتَرَتِّبٌ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي الْمُرْتَدِّينَ أَوِ الْيَهُودِ، انْتَهَى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُتَرَتِّبٌ: أَيْ ثَابِتٌ قِيلَ: الْمُرَادُ بمحاربة الله المذكورة في

(1) . الأنفال: 38.

ص: 40

الْآيَةِ، هِيَ مُحَارَبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمُحَارَبَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي عَصْرِهِ وَمِنْ بَعْدِ عَصْرِهِ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ دُونَ الدَّلَالَةِ وَدُونَ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ وُرُودَ النَّصِّ لَيْسَ بِطَرِيقِ خِطَابِ الْمُشَافَهَةِ حَتَّى يَخْتَصَّ حُكْمُهُ بِالْمُكَلَّفِينَ عِنْدَ النُّزُولِ فَيَحْتَاجُ فِي تَعْمِيمِ الْخِطَابِ لِغَيْرِهِمْ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَقِيلَ: إِنَّهَا جُعِلَتْ مُحَارَبَةُ الْمُسْلِمِينَ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ إِكْبَارًا لِحَرْبِهِمْ وَتَعْظِيمًا لِأَذِيَّتِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يُحَارَبُ وَلَا يُغَالَبُ. وَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّرَ مُحَارَبَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَعَاصِيهِ وَمُخَالَفَةِ شَرَائِعِهِ، وَمُحَارَبَةُ الرَّسُولِ تُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ، وَحُكْمُ أُمَّتِهِ حُكْمُهُ، وَهُمْ أُسْوَتُهُ. وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا يُطْلَقُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الشَّرِّ كَمَا قَدَّمْنَا قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: قال كثير من السلف منهم سعيد ابن الْمُسَيَّبِ: إِنَّ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ انْتَهَى.

إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَمِنْ مَعْنَى الْمُحَارَبَةِ وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فِي مِصْرَ وَغَيْرِ مِصْرَ، فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَجَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقَتْلِ أَوِ الصَّلْبِ، أَوْ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ مِنْ خِلَافٍ، أَوِ النَّفْيِ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ هَذَا حُكْمُ مَنْ فَعَلَ أَيَّ ذَنْبٍ مِنَ الذُّنُوبِ، بَلْ مَنْ كَانَ ذَنْبُهُ هُوَ التَّعَدِّي عَلَى دِمَاءِ الْعِبَادِ وَأَمْوَالِهِمْ فِيمَا عَدَا مَا قَدْ وَرَدَ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ هَذَا الْحُكْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ كَالسَّرِقَةِ وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ كان في زمنه صلى الله عليه وسلم مَنْ تَقَعُ مِنْهُ ذُنُوبٌ وَمَعَاصٍ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ ضِعْفَ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ الْمُحَارِبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهَا الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ الذَّنْبَيْنِ قَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لَهُمَا حُكْمٌ غَيْرُ هَذَا الْحُكْمِ.

وَإِذَا عَرَفْتَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُقْتَضَى لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي أَمَرَنَا بِأَنْ نُفَسِّرَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ بِهَا، فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِشَيْءٍ مِنَ التَّفَاصِيلِ الْمَرْوِيَّةِ، وَالْمَذَاهِبِ الْمَحْكِيَّةِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَكَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ أَوْ تَقْيِيدِ هَذَا الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ فَأَنْتَ وَذَاكَ اعْمَلْ بِهِ وَضَعْهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ:

فَدَعْ عَنْكَ نَهْبًا صِيحَ فِي حُجُرَاتِهِ

وَهَاتِ حَدِيثًا مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ

عَلَى أَنَّا سَنَذْكُرُ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مَا تَسْمَعُهُ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُحَارَبَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِنَّ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ فِي قُبَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَخَافَ السَّبِيلَ ثُمَّ ظُفِرَ بِهِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ فَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُحَارِبَ عِنْدَهُ مَنْ حَمَلَ عَلَى النَّاسِ فِي مِصْرٍ أَوْ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ كَابَرَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ دُونَ نَائِرَةٍ «1» وَلَا ذَحْلَ وَلَا عداوة. قال ابن المنذر:

(1) . «نائرة» : فتنة حادثة وعداوة. ويقال: نار الحرب ونائرتها: شرّها وهيجها. و «الذّحل» : الثأر (النهاية 5/ 127) .

ص: 41

اخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَثْبَتَ الْمُحَارِبَةَ فِي الْمِصْرِ مَرَّةً وَنَفَى ذَلِكَ مَرَّةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا من الأرض. وروي عن ابن مِجْلَزٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَعَطَاءٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَكَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَتَلَ قُتِلَ وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فَالسُّلْطَانُ مُخَيَّرٌ فِيهِ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ:

الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَحُسِمَتْ، ثُمَّ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَحُسِمَتْ وَخُلِّيَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ زَادَتْ عَلَى السَّرِقَةِ بِالْحَرَابَةِ وَإِذَا قَتَلَ قُتِلَ وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ قُتِلَ وَصُلِبَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ قَتَلَ قُتِلَ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا أَعْلَمُ لِهَذِهِ التَّفَاصِيلِ دَلِيلًا لَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَتَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُولَئِكَ النَّفَرِ الْعُرَنِيِّينَ وَهُمْ مِنْ بَجِيلَةَ، قَالَ أَنَسٌ:«فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، وَأَخَافُوا السَّبِيلَ، وَأَصَابُوا الْفَرْجَ الْحَرَامَ قَالَ أَنَسٌ: فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عَنِ الْقَضَاءِ فِيمَنْ حَارَبَ، فَقَالَ: مَنْ سَرَقَ وَأَخَافَ الطَّرِيقَ فَاقْطَعْ يَدَهُ لِسَرِقَتِهِ ورجله بإخافته، وَمَنْ قَتَلَ فَاقْتُلْهُ وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَاسْتَحَلَّ الْفَرْجَ الْحَرَامَ فَاصْلُبْهُ» . وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ الشَّدِيدَةِ لَا يُدْرَى كَيْفَ صِحَّتُهُ؟ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذكره لشيء من هذه التَّفَاصِيلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا لَفْظُهُ: وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ إِنْ صَحَّ سَنَدُهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ.

قَوْلُهُ: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً هُوَ إِمَّا مُنْتَصِبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ عَلَى الْحَالِ بِالتَّأْوِيلِ: أَيْ مُفْسِدِينَ. قَوْلُهُ: أَوْ يُصَلَّبُوا ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يُصَلَّبُونَ أَحْيَاءً حَتَّى يَمُوتُوا، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الَّتِي خَيَّرَ اللَّهُ بَيْنَهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: الصَّلْبُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْلَبَ قَبْلَ الْقَتْلِ فَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ لِعِبَادِهِ. قَوْلُهُ: أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ظَاهِرُهُ قَطْعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَقْطُوعَةُ مِنَ الْيَدَيْنِ هِيَ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى، وَكَذَلِكَ الرِّجْلَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خلاف إِمَّا يُمْنَى الْيَدَيْنِ مَعَ يُسْرَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُسْرَى الْيَدَيْنِ مَعَ يُمْنَى الرِّجْلَيْنِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذَا قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى فَقَطْ.

قَوْلُهُ: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يُطْلَبَ بِالْخَيْلِ وَالرَّجُلِ حَتَّى يُؤْخَذَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ هَرَبًا. وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَمَالِكٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالزُّهْرِيِّ، حَكَاهُ الرُّمَّانِيُّ فِي كتابه عنهم.

ص: 42

وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَيُطْلَبُونَ لِتُقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُنْفَى مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ وَيُحْبَسُ فِيهِ كَالزَّانِي، وَرَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْقُرْطُبِيُّ.

وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: نَفْيُهُمْ سِجْنُهُمْ، فَيُنْفَى مِنْ سِعَةِ الدُّنْيَا إِلَى ضِيقِهَا. وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ يُطْرَدُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ مِنْهُ فِيهَا مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ سِجْنٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَالنَّفْيُ قَدْ يَقَعُ بِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ وَلَيْسَ هُوَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ:

ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا الْإِشَارَةُ إِلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَالْخِزْيُ: الذُّلُّ وَالْفَضِيحَةُ. قَوْلُهُ:

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ اسْتَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ التَّائِبِينَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ عُمُومِ الْمُعَاقِبِينَ بِالْعُقُوبَاتِ السَّابِقَةِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَحْدُودَةِ، فَلَا يُطَالَبُ التَّائِبُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَسَائِرُ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا التَّوْبَةُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهَا الْعُقُوبَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ قَيْدِ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ حَارَبَ فَإِنْ قَتَلَ مُحَارِبٌ أَخَا امْرِئٍ وَأَتَاهُ فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ، فَلَيْسَ إِلَى طَالِبِ الدَّمِ مِنْ أَمْرِ الْمُحَارَبَةِ شَيْءٌ، وَلَا يَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّ الدَّمِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ يَقُولُ: مِنْ أَجْلِ ابْنِ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ظُلْمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ: فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً أَهِيَ لَنَا كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَلَيْسَتْ تُحْرِزُ هَذِهِ الْآيَةُ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ مِنَ الْحَدِّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَخَيَّرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ فِيهِمْ: إِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَأَمَّا النَّفْيُ فَهُوَ الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِمَا سَلَفَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحَرُورِيَّةِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمُوا وَاجْتَوَوُا «1» الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَقَتَلُوا رَاعِيَهَا وَاسْتَاقُوهَا، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهِمْ قَافَةً «2» ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَلِمْ يَحْسِمْهُمْ، وَتَرَكَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ الْآيَةَ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين

(1) . اجتووا: أي أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول.

(2)

. القافة: جمع قائف، الذي يتتبع الأثر.

ص: 43