الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِنَّ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاكِنِ الَّتِي يَرْضَوْنَهَا: الْمَنَازِلُ الَّتِي تُعْجِبُهُمْ وَتَمِيلُ إِلَيْهَا أَنْفُسُهُمْ وَيَرَوْنَ الْإِقَامَةَ فِيهَا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُهَاجَرَةِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وأحبّ خَبَرُ كَانَ، أَيْ: كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَرَبَّصُوا أَيِ: انْتَظِرُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فِيكُمْ وَمَا تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ مِنْ عُقُوبَتِكُمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: الْقِتَالُ وَقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ وَفِيهِ بُعْدٌ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَفِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَيُؤَكِّدُهُ إِبْهَامُ الْأَمْرِ وَعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ لِتَذْهَبَ أَنْفُسَهُمْ كُلَّ مَذْهَبٍ وَتَتَرَدَّدَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أَيِ: الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ، النَّافِرِينَ عَنِ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أمروا بالهجرة فقال العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَا أَسْقِي الْحَاجَّ. وَقَالَ طَلْحَةُ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: أَنَا أَحْجُبُ الْكَعْبَةَ فَلَا نُهَاجِرُ، فَأُنْزِلَتْ لَا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ الْهِجْرَةُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ اقْتَرَفْتُمُوها قَالَ: أَصَبْتُمُوهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ قَالَ: بِالْفَتْحِ، فِي أَمْرِهِ بِالْهِجْرَةِ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: جَعَلَ أَبُو أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ يَنْعَتُ لَهُ الْآلِهَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ الْجَرَّاحُ قَصَدَهُ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْآيَةَ، وَهِيَ تُؤَكِّدُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِ الْهِجْرَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
الْمَوَاطِنُ: جَمْعُ مَوْطِنٍ، وَمَوَاطِنُ الْحَرْبِ: مَقَامَاتُهَا، وَالْمَوَاطِنُ الَّتِي نَصَرَ اللَّهُ المسلمين فيها: هي يوم بدر وما بعد، مِنَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ فِيهَا، قَبْلَ يَوْمِ حُنَيْنٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مُوَاطِنَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، إِمَّا فِي الْأَوَّلِ وَتَقْدِيرُهُ فِي أَيَّامِ مُوَاطِنَ، أَوْ فِي الثَّانِي وَتَقْدِيرُهُ وَمَوْطِنِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، لِئَلَّا يَعْطِفُ الزَّمَانُ عَلَى الْمَكَانِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَا اسْتِبْعَادَ فِي عَطْفِ الزَّمَانِ عَلَى الْمَكَانِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ وَقِيلَ:
إِنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى نَصَرَكُمُ أَيْ: وَنَصَرَكُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَرَجَّحَ هَذَا صَاحِبُ الْكَشَّافِ. قَالَ: وَمُوجِبُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَوْ جُعِلَتْ نَاصِبَةً هَذَا الظَّاهِرُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ كَثْرَتَهُمْ لَمْ تُعْجِبْهُمْ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ، وَلَمْ يَكُونُوا كَثِيرًا فِي جَمِيعِهَا، وَرَدَّ بِأَنَّ الْعَطْفَ
لَا يَجِبُ فِيهِ تَشَارُكُ الْمُتَعَاطِفِينَ فِي جَمِيعِ مَا ثَبَتَ لِلْمَعْطُوفِ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَعَ قَوْمِهِ، أَوْ فِي ثِيَابِهِ، أَوْ عَلَى فَرَسِهِ وَقِيلَ: إِنَّ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ لَيْسَ بِبَدَلٍ مِنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، بَلْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ: أَيِ اذْكُرُوا إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، وَحُنَيْنٌ: وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَانْصَرَفَ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَمْنَعُهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَصَرُوا نَبِيَّهُمْ وَشَدُّوا أَزْرَهُ
…
بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكَلَ الْأَبْطَالُ
وَإِنَّمَا أَعْجَبَ مَنْ أُعْجِبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِكَثْرَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَقِيلَ: أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقِيلَ:
سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، فَوُكِلُوا إِلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَلَمْ تُغْنِ الْكَثْرَةُ شَيْئًا عَنْهُمْ، بَلِ انْهَزَمُوا وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَثَبَتَ مَعَهُ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْهُمْ: عَمُّهُ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، ثُمَّ تَرَاجَعَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ. وَالْإِغْنَاءُ: إِعْطَاءُ مَا يَدْفَعُ الْحَاجَةَ أَيْ: لَمْ تُعْطِكُمُ الْكَثْرَةُ شَيْئًا يَدْفَعُ حَاجَتَكُمْ، وَلَمْ تُفِدْكُمْ. قَوْلُهُ: بِما رَحُبَتْ الرُّحْبُ بِضَمِّ الرَّاءِ: السِّعَةُ، وَالرَّحْبُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: الْمَكَانُ الْوَاسِعُ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مع، وما مَصْدَرِيَّةٌ، وَمَحَلُّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْأَرْضَ مَعَ كَوْنِهَا وَاسِعَةَ الْأَطْرَافِ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ وَقِيلَ: إِنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ: عَلَى رُحْبِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ أَيِ: انْهَزَمْتُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ مُدْبِرِينَ، أَيْ: مُوَلِّينَ أَدْبَارَكُمْ، جَاعِلِينَ لَهَا إِلَى جِهَةِ عَدُوِّكُمْ. قَوْلُهُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَنْهَزِمُوا، وَقِيلَ: الَّذِينَ انْهَزَمُوا، وَالظَّاهِرُ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ ثَبَتُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَاتَلُوا، وَانْتَصَرُوا.
قَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها هُمُ الْمَلَائِكَةُ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عَدَدِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ: قِيلَ خَمْسَةُ آلَافٍ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، وَقِيلَ: سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ النُّبُوَّةِ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ قَاتَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تُقَاتِلْ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ، وأنهم إنما حضروا في غير يوم بَدْرٍ، لِتَقْوِيَةِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِدْخَالِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَسَبِّي الذُّرِّيَّةِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَذلِكَ إِلَى التَّعْذِيبِ الْمَفْهُومِ مِنْ عَذَّبَ، وَسُمِّيَ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي هَذَا الْيَوْمِ جَزَاءً مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ كَافٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ مُبَالَغَةً فِي وَصْفِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ، وَتَعْظِيمًا لَهُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ أَيْ: مِنْ بَعْدِ هَذَا التَّعْذِيبِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ هَدَاهُ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ غَفُورٌ يَغْفِرُ لِمَنْ أَذْنَبَ فَتَابَ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا اقْتَرَفُوهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حُنَيْنٌ: مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، قَاتَلَ نَبِيُّ اللَّهِ هَوَازِنَ وثقيف، وَعَلَى هَوَازِنَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَعَلَى ثَقِيفٍ عبد يا ليل بْنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ قَالُوا: الْآنَ نُقَاتِلُ حِينَ اجْتَمَعْنَا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا