الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قَالَ: هِيَ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ، وَالْبَازِي والجوارح يعني الكلاب والفهود والصّقور وأشباهها. وأخرج ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ: آيَةُ الْمُعَلَّمِ أَنْ يُمْسِكَ صَيْدَهُ فَلَا يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ.
وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وإذا أكل الصقر فكل لِأَنَّ الْكَلْبَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضْرِبَهُ وَالصَّقْرَ لَا تَسْتَطِيعُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قَالَ: ذَبَائِحُهُمْ، وَفِي قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَالَ: حِلٌّ لَكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يَعْنِي مُهُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ يَعْنِي تَنْكِحُونَهُنَّ بِالْمَهْرِ والبينة غَيْرَ مُسافِحِينَ غير معالنين بِالزِّنَا وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ يَعْنِي يُسِرُّونَ بِالزِّنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا مُحْصَنَتَيْنِ مُحْصَنَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَمُحْصَنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، نِسَاؤُنَا عَلَيْهِمْ حَرَامٌ وَنِسَاؤُهُمْ لَنَا حَلَالٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«نتزوج نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَتَزَوَّجُونَ نِسَاءَنَا» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قَالَ: الْحَرَائِرُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: العفائف.
[سورة المائدة (5) : آية 6]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
قَوْلُهُ: إِذا قُمْتُمْ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ، تَعْبِيرًا بِالْمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ «1» .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ قِيَامٍ إِلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْقَائِمُ مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ ابْنُ سيرين: كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة. وقالت طائفة أخرى: إن هذه الأمر خاصّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْأَمْرَ لَهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ طَلَبًا لِلْفَضْلِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ نُسِخَ فِي فتح مكة. وقال جماعة:
(1) . النحل: 98.
هَذَا الْأَمْرُ خَاصٌّ بِمَنْ كَانَ مُحْدِثًا. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ إِلَى- الصَّلَاةِ، فَيَعُمُّ الْخِطَابُ كُلَّ قَائِمٍ مِنْ نَوْمٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَصَلَّى الصَّلَوَاتَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ:«عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ» . وَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَّفِقَةٍ فِي الْمَعْنَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتُمْ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ نُحْدِثْ. فَتَقَرَّرَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى الْمُحْدِثِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْحَقُّ. قَوْلُهُ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْوَجْهُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ، وَهُوَ عُضْوٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَعْضَاءٍ، وَلَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ، فَحَدُّهُ فِي الطُّولِ مِنْ مُبْتَدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إِلَى مُنْتَهَى اللِّحْيَيْنِ، وَفِي الْعَرْضِ مِنَ الْأُذُنِ إِلَى الْأُذُنِ، وَقَدْ وَرَدَ الدَّلِيلُ بِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَسْلِ مَا اسْتَرْسَلَ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاطِنِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَيْضًا: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْغَسْلِ الدَّلْكُ بِالْيَدِ أَمْ يَكْفِي إِمْرَارُ الْمَاءِ؟
وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ، وَالْمَرْجِعُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ فَإِنْ ثَبَتَ فِيهَا أَنَّ الدَّلْكَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْغَسْلِ كَانَ مُعْتَبَرًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ: غَسَلَ الشَّيْءَ غَسْلًا إِذَا أَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ وَدَلَّكَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْوَجْهِ يَشْمَلُ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فقد ثبت غسلهما بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ مَعْرُوفٌ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَا هُوَ الْحَقُّ فِي مُؤَلَّفَاتِنَا. قوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ إلى الغاية، وَأَمَّا كَوْنُ مَا بَعْدَهَا يَدْخُلُ فِيمَا قَبْلَهَا فَمَحَلُّ خِلَافٍ. وَقَدْ ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا إِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا قَبْلَهَا دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: إِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى مَعَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا تُفِيدُ الْغَايَةَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الدُّخُولُ وَعَدَمُهُ فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمَرَافِقَ تُغْسَلُ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ» . وَلَكِنَّ الْقَاسِمَ هَذَا مَتْرُوكٌ، وَجَدُّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ:
وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ قِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: امْسَحُوا رُؤُوسَكُمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْمَسْحِ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الْوَجْهِ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: إِنَّهَا لَلْإِلْصَاقِ أَيْ أَلْصِقُوا أَيْدِيَكُمْ بِرُءُوسِكُمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مُؤَلِّفَاتِنَا، فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى الْمَطْلُوبِ غَيْرَ مُحْتَمَلٍ كَاحْتِمَالِ الْآيَةِ عَلَى فَرْضِ أَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا بِفِعْلِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْمَسْحِ، وَلَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ مِنْ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ نَحْوَ اضْرِبْ زَيْدًا أَوِ اطْعَنْهُ أَوِ ارْجُمْهُ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ الْمَعْنَى الْعَرَبِيُّ بِوُقُوعِ الضَّرْبِ أَوِ الطَّعْنِ أَوِ الرَّجْمِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَلَا يَقُولُ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهَا إِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَارِبًا إِلَّا بِإِيقَاعِ الضَّرْبِ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ زَيْدٍ، وَكَذَلِكَ
الطَّعْنُ وَالرَّجْمُ وَسَائِرُ الْأَفْعَالِ، فَاعْرِفْ هَذَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ مَا هُوَ الصَّوَابُ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. فَإِنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قُلْتُ: مُلْتَزِمٌ لَوْلَا الْبَيَانُ مِنَ السُّنَّةِ فِي الْوَجْهِ وَالتَّحْدِيدِ بِالْغَايَةِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مَسْحُ الْكُلِّ وَمَسْحُ الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَرَأَ نَافِعٌ بِنَصْبِ الْأَرْجُلِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ بِالْجَرِّ. وَقِرَاءَةُ النَّصْبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الرجلين، لأنها معطوفة على الوجه، وإلى هذا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقِرَاءَةُ الْجَرِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الرَّأْسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَمَا عَلِمْتُ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَّا الطَّبَرِيَّ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّافِضَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَتَعَلَّقَ الطَّبَرِيُّ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ، قَالَ: وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَمْسَحُ رِجْلَيْهِ وَقَالَ:
لَيْسَ فِي الرِّجْلَيْنِ غَسْلٌ، إِنَّمَا نَزَلَ فِيهِمَا الْمَسْحُ. وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ. قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ:
افْتَرَضَ اللَّهُ مَسْحَتَيْنِ وَغَسْلَتَيْنِ. قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَجَعَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوَّاهُ النَّحَّاسُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:«وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَأَفَادَ وُجُوبَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُمَا، لِأَنَّ شَأْنَ الْمَسْحِ أَنْ يُصِيبَ مَا أَصَابَ وَيُخْطِئَ مَا أَخْطَأَ، فَلَوْ كَانَ مُجْزِئًا لَمَا قَالَ:«وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ:
«هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفُرِ، فَقَالَ لَهُ:«ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ» . وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَهُوَ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ. وَقَوْلُهُ: إِلَى الْكَعْبَيْنِ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: إِلَى الْمَرافِقِ وَقَدْ قِيلَ فِي وَجْهِ جَمْعِ الْمَرَافِقِ وَتَثْنِيَةِ الْكِعَابِ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي كُلِّ رَجُلٍ كَعْبَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ يَدٍ إِلَّا مِرْفَقٌ وَاحِدٌ ثُنِّيَتِ الْكِعَابُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَرَافِقِ فَإِنَّهَا جُمِعَتْ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي كُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ وَاحِدٌ لَمْ يُتَوَهَّمْ وُجُودُ غَيْرِهِ، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ الْكَوَاشِيُّ: ثَنَّى الْكَعْبَيْنِ وَجَمَعَ الْمَرَافِقِ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرِّجْلَيْنِ كَعْبَيْنِ، وَإِنَّمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ كَعْبٌ وَاحِدٌ لَهُ طَرَفَانِ مِنْ جَانِبَيِ الرِّجْلِ، بِخِلَافِ الْمِرْفَقِ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنِ الْوَهْمِ، انْتَهَى.
وَبَقِيَ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَلَمْ يُذْكَرَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ وَرَدَتْ بِهِمَا السُّنَّةُ وَقِيلَ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ كَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ:
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لَهَا، وَذَلِكَ هُوَ النِّيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ. قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا أَيْ فَاغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ.
وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَنَّ الْجُنَبَ لَا يَتَيَمَّمُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ يَدَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ لِلْوَاجِدِ، عَلَى أَنَّ التَّطَهُّرَ هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَاصِلِ بِالْمَاءِ أَوْ بِمَا هُوَ عِوَضٌ عَنْهُ مَعَ عَدَمِهِ، وَهُوَ التُّرَابُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ الرجوع