الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنفال
صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهَا شَيْئًا، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ النَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ:
سُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. وَفِي لَفْظٍ تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى آخَرِ سَبْعِ آيَاتٍ، وَجُمْلَةُ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ سِتٌّ وَسَبْعُونَ آيَةً، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن أبي أيوب. وأخرج أيضا عن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الْأَنْفَالِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الأنفال (8) : آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
الْأَنْفَالُ: جَمْعُ نَفَلٍ مُحَرَّكًا، وَهُوَ: الْغَنِيمَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
إِنَّا إِذَا احْمَرَّ الْوَغَى نَرْوِي الْقَنَا
…
وَنَعُفُّ عِنْدَ مَقَاسِمِ الْأَنْفَالِ
أَيِ: الْغَنَائِمِ، وَأَصْلُ النَّفَلِ: الزِّيَادَةُ، وَسُمِّيَتِ الْغَنِيمَةُ بِهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِيمَا أَحِلَّ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرِهِمْ، أَوْ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلْمُجَاهِدِ مِنْ أَجْرِ الْجِهَادِ، وَيُطْلَقُ النَّفَلُ عَلَى مَعَانٍ أخر منها: اليمين، والانتفاء، وَنَبْتٌ مَعْرُوفٌ. وَالنَّافِلَةُ التَّطَوُّعُ لِكَوْنِهَا زَائِدَةً عَلَى الْوَاجِبِ. وَالنَّافِلَةُ: وُلَدُ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَلَدِ وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي يَوْمِ بَدْرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَنَزَعَ اللَّهُ مَا غَنِمُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَجَعَلَهُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فَقَالَ: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أَيْ حُكْمُهَا مُخْتَصٌّ بِهِمَا يُقَسِّمُهَا بَيْنَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَيْسَ لَكُمْ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ الْأَنْفَالَ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَطَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ بِالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِمَا، وَتَرْكِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيِ: امْتَثِلُوا هَذِهِ الْأَوَامِرَ الثَّلَاثَةَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وَفِيهِ مِنَ التَّهْيِيجِ وَالْإِلْهَابِ مَا لَا يَخْفَى، مَعَ
كَوْنِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْإِيمَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ كُنْتُمْ مُسْتَمِرِّينَ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأُمُورَ الَّتِي هِيَ تَقْوَى اللَّهِ، وَإِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَطَاعَةُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ، لَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ بِدُونِهَا، بَلْ لَا يَثْبُتُ أَصْلًا لِمَنْ لَمْ يَمْتَثِلْهَا، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُتَّقٍ وَلَيْسَ بِمُطِيعٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا. فَانْتَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَقَسَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَنْ سَوَاءٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا، فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ يَحُوزُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ، وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ نَفَيْنَا عَنْهُ الْعَدُوَّ وَهَزَمْنَاهُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً فَاشْتَغَلْنَا به، فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ قَسَّمَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَغَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَلَ الرُّبُعَ، وَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا وَكُلَّ النَّاسِ نَفَلَ الثُّلُثَ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَنْفَالَ وَيَقُولُ: لِيَرُدَّ قَوِيُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ. وَأَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَنَصَرَهَا اللَّهُ وَفَتَحَ عَلَيْهَا، فَكَانَ مَنْ آتَاهُ بِشَيْءٍ نَفَلَهُ مِنَ الْخُمْسِ، فَرَجَعَ رِجَالٌ كَانُوا يَسْتَقْدِمُونَ وَيَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَتَرَكُوا الْغَنَائِمَ خَلْفَهُمْ، فَلَمْ يَنَالُوا مِنَ الْغَنَائِمِ شَيْئًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا بَالُ رِجَالٍ مِنَّا يَسْتَقْدِمُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَتَخَلَّفَ رِجَالٌ لَمْ يَصِلُوا بِالْقِتَالِ فَنَفَلْتَهُمْ بِالْغَنِيمَةِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ونزل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الْآيَةَ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«رَدُّوا مَا أَخَذْتُمْ، وَاقْتَسِمُوا بِالْعَدْلِ وَالسَّوِيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِذَلِكَ، فَقَالُوا: قَدْ أَنْفَقْنَا وَأَكَلْنَا، فَقَالَ: احْتَسِبُوا ذَلِكَ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ شَفَانِي اللَّهُ الْيَوْمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ، فَقَالَ:«إِنَّ هَذَا السَّيْفَ لَا لَكَ وَلَا لِي، ضَعْهُ، فَوَضَعْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ قُلْتُ: عَسَى يُعْطَى هَذَا السَّيْفَ الْيَوْمَ مَنْ لَا يُبْلِي بَلَائِي إِذَا رَجُلٌ يَدْعُونِي مِنْ وَرَائِي، قُلْتُ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتَ سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ وَلَيْسَ هُوَ لِي، وَإِنَّهُ قَدْ وُهِبَ لِي فَهُوَ لك» وأنزل الله هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَخِي يَوْمَ بَدْرٍ وَقَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَنِيفَةِ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ
عَنْ سَعْدٍ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَنَائِمَ يوم بدر فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ. وأخرج ابن مردويه عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَنْفَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعد إذ نزلت عليه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ فَإِنَّهُ نَفَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْخُمُسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، فَأَمَّا الْمَشْيَخَةُ فَثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَأَمَّا الشُّبَّانُ فَسَارَعُوا إِلَى الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ، فَقَالَتِ الْمَشْيَخَةُ لِلشُّبَّانِ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا لَكُمْ رِدَءًا، وَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ شَيْءٌ لَلَجَأْتُمْ إِلَيْنَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الْآيَةَ، فَقَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قَالَ: الْأَنْفَالُ الْمَغَانِمُ، كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصَةً لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهَا شَيْءٌ مَا أَصَابَ مِنْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَيْءٍ أَتَوْهُ بِهِ، فَمَنْ حَبَسَ مِنْهُ إِبْرَةً أَوْ سِلْكًا فَهُوَ غُلُولٌ، فَسَأَلُوا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ يعطيهم منها شيئا فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِي جَعَلْتُهَا وَلِرَسُولِي لَيْسَ لَكُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ، ثُمَّ قَسَّمَ ذَلِكَ الْخُمُسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ النَّاسِ فِيهِ سَوَاءً، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قال: هي الغنائم، ثُمَّ نَسَخَهَا وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالنَّحَّاسُ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ، فَأَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِثْلُ ضُبَيْعٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ: مَا أَحْوَجَكَ أَنْ يُصْنَعَ بِكَ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بِضُبَيْعٍ الْعِرَاقِيِّ، وَكَانَ عُمَرُ ضَرَبَهُ حَتَّى سَالَتِ الدِّمَاءُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: الْأَنْفَالُ الْمَغَانِمُ، أُمِرُوا أَنْ يُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ فِيهَا فَيَرُدَّ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالنَّحَّاسُ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عطاء في قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قَالَ: هُوَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَتَاعٍ فَذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَرْسَلْنَا إلى سعيد ابن الْمُسَيَّبِ نَسْأَلُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: تَسْأَلُونِي عَنِ الْأَنْفَالِ وَإِنَّهُ لَا نَفَلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ: مَا كَانُوا يَنْفُلُونَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَفَلَ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي خُمُسِ الْخُمُسِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَمِيرًا مِنَ الْأُمَرَاءِ أَرَادَ أَنْ يُنَفِّلَهُ قَبْلَ أَنْ يُخَمِّسَهُ فَأَبَى أَنَسٌ أَنْ يَقْبَلَهُ حَتَّى يُخَمِّسَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن الشعبي