الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأعراف
هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَمَانِ آيَاتٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ «1» . وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضَّرِيسِ، وَالنَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُورَةُ الْأَعْرَافِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: آيَةٌ مِنَ الْأَعْرَافِ مدنية، وهي وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ «2» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَسَائِرُهَا مَكِّيَّةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ يُفَرِّقُهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ. وَآيَاتُهَا مِائَتَانِ وَسِتُّ آيَاتٍ.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4)
فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَاّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7)
قَوْلُهُ: المص قَدْ تَقَدَّمَ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ، وَهُوَ: إِمَّا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ كِتَابٌ، أَيْ: المص حُرُوفُ كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ أَوْ هُوَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا المص أَيِ الْمُسَمَّى بِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْفَوَاتِحُ مَسْرُودَةً عَلَى نَمَطِ التَّعْدِيدِ فَلَا مَحَلَّ لَهُ، وَكِتَابٌ: خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَلَى الثَّانِي، أَيْ: هُوَ كِتَابٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَيْ: هَذَا كِتَابٌ، وَأُنْزِلَ إِلَيْكَ صِفَةٌ لَهُ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ الْحَرَجُ: الضِّيقُ، أَيْ: لَا يَكُنْ فِي صَدْرِك ضِيقٌ مِنْهُ مِنْ إِبْلَاغِهِ إِلَى النَّاسِ مَخَافَةَ أَنْ يُكَذِّبُوكَ وَيُؤْذُوكَ فَإِنَّ اللَّهَ حَافِظُكَ وَنَاصِرُكَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: لَا يَضِقْ صَدْرُكَ حَيْثُ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْحَرَجُ هُنَا: الشَّكُّ، لِأَنَّ الشَّاكَّ ضَيِّقُ الصَّدْرِ، أَيْ: لَا تَشُكَّ فِي أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَعَلَى هَذَا يكون النهي له صلى الله عليه وسلم مِنْ بَابِ التَّعْرِيضِ، وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ، أَيْ: لَا يَشُكَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ رَاجِعٌ إِلَى الْكِتَابِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: مِنْ إِبْلَاغِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ التَّقْدِيرُ، مِنْ إِنْزَالِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي لِتُنْذِرَ بِهِ رَاجِعٌ إِلَى الْكِتَابِ أَيْ: لِتُنْذِرَ النَّاسَ بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأُنْزِلَ، أَيْ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ لإنذارك
(1) . الأعراف: 163- 165.
(2)
. الأعراف: 163.
لِلنَّاسِ بِهِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوِ انْتِفَاءَ الْخَوْفِ مَنْ قَوْمِهِ يُقَوِّيهِ عَلَى الْإِنْذَارِ وَيُشَجِّعُهُ، لِأَنَّ الْمُتَيَقِّنَ يُقْدِمُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيُبَاشِرُ بِقُوَّةِ نَفْسٍ. قَوْلُهُ: وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الذِّكْرَى:
التَّذْكِيرُ. قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: الذِّكْرَى: فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى كِتَابٌ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: وَذَكِّرْ بِهِ ذِكْرَى، قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ. وَيَجُوزُ الْجَرُّ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ لِتُنْذِرَ، أَيْ: لِلْإِنْذَارِ وَالذِّكْرَى، وَتَخْصِيصُ الذِّكْرَى بِالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُنْجَعُ فِيهِمْ ذَلِكَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الْإِنْذَارِ بِالْكَافِرِينَ. قَوْلُهُ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يَعْنِي: الْكِتَابَ وَمِثْلُهُ السُّنَّةُ لِقَوْلِهِ:
وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَهُوَ أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأُمَّتِهِ وَقِيلَ: هُوَ أَمْرٌ لِلْأُمَّةِ بَعْدَ أمره صلى الله عليه وسلم بِالتَّبْلِيغِ، وَهُوَ مُنَزَّلٌ إِلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ إِنْزَالِهِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ نَهْيٌ لِلْأُمَّةِ عَنْ أَنْ يَتَّبِعُوا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُمْ وَيَجْعَلُونَهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ، فَالضَّمِيرُ عَلَى هَذَا فِي مِنْ دُونِهِ يَرْجِعُ إِلَى رَبِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَا فِي مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِ كِتَابِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ تُقَلِّدُونَهُمْ فِي دِينِكُمْ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ طَاعَةِ الرُّؤَسَاءِ فِيمَا يُحَلِّلُونَهُ لَهُمْ وَيُحَرِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ انْتِصَابُ قَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ، أَيْ: تَذَكُّرًا قَلِيلًا، وما: مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ أَوْ هُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ لَا تَتَّبِعُوا، وَمَا: مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا تَذَكُّرُهُمْ، قُرِئَ تَذْكُرُونَ بِالتَّخْفِيفِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَقُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْإِدْغَامِ، قَوْلُهُ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها كَمْ: هِيَ الْخَبَرِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّكْثِيرِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ وأَهْلَكْناها الْخَبَرُ، وَمِنْ قَرْيَةٍ: تَمْيِيزٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ، وَلَوْلَا اشْتِغَالُ أَهْلَكْنَاهَا بِالضَّمِيرِ لَجَازَ انْتِصَابُ كَمْ بِهِ، وَالْقَرْيَةُ: مَوْضِعُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، أَيْ: كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى الْكَبِيرَةِ أَهْلَكْنَاهَا نَفْسَهَا بِإِهْلَاكِ أَهْلِهَا، أَوْ أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا، وَالْمُرَادُ: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا. قَوْلُهُ: فَجاءَها بَأْسُنا مَعْطُوفٌ عَلَى أَهْلَكْنَا بِتَقْدِيرِ الْإِرَادَةِ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ مَجِيءِ الْبَأْسِ عَلَى الْإِهْلَاكِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَذَا التَّقْدِيرِ، إِذِ الْإِهْلَاكُ هُوَ نَفْسُ مَجِيءِ الْبَأْسِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ الْفَاءَ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا يَلْزَمُ التَّقْدِيرُ، وَالْمَعْنَى: أَهْلَكْنَاهَا وَجَاءَهَا بَأْسُنَا، وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْإِهْلَاكَ وَاقِعٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَا بَعْضَ أَهْلِهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَا الْجَمِيعَ وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ حَكَمْنَا بِإِهْلَاكِهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا وَقِيلَ: أَهْلَكْنَاهَا بِإِرْسَالِ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ إِلَيْهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا، وَالْبَأْسُ: هُوَ الْعَذَابُ. وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْتَ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ جَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا، مِثْلَ دَنَا فَقَرُبَ، وَقَرُبَ فَدَنَا بَياتاً أَيْ:
لَيْلًا، لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، يُقَالُ: بَاتَ يَبِيتُ بَيْتًا وَبَيَاتًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْحَالِ، أَيْ: بَائِتِينَ. قَوْلُهُ:
أَوْ هُمْ قائِلُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى بَيَاتًا، أَيْ: بَائِتِينَ أَوْ قَائِلِينَ، وَجَاءَتِ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ بِدُونِ وَاوٍ اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ، وَاوِ الْعَطْفِ وَوَاوِ الْحَالِ، هَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. وَاعْتَرَضَهُ الزَّجَّاجُ فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ بَلْ لَا يُحْتَاجُ إِلَى الْوَاوِ، تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ رَاكِبًا أَوْ هُوَ مَاشٍ لِأَنَّ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرًا قد عاد إلى الأوّل، وأو في هذا الموضع:
(1) . الحشر: 7.
لِلتَّفْصِيلِ لَا لِلشَّكِّ. وَالْقَيْلُولَةُ: هِيَ نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ. وَقِيلَ: هِيَ مُجَرَّدُ الِاسْتِرَاحَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ دُونِ نَوْمٍ، وَخَصَّ الْوَقْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا وَقْتُ السُّكُونِ وَالدَّعَةِ فَمَجِيءُ الْعَذَابِ فِيهِمَا أَشَدُّ وَأَفْظَعُ. قَوْلُهُ: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ الدَّعْوَى: الدُّعَاءُ، أَيْ: فَمَا كَانَ دُعَاؤُهُمْ رَبَّهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ إِلَّا اعْتِرَافُهُمْ بالظلم على أنفسهم، ومثله: وَآخِرُ دَعْواهُمْ «1» أَيْ: آخِرُ دُعَائِهِمْ وَقِيلَ: الدَّعْوَى هُنَا بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ، وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ مَا يَدَّعُونَهُ لِدِينِهِمْ وَيَنْتَحِلُونَهُ إِلَّا اعْتِرَافُهُمْ بِبُطْلَانِهِ وَفَسَادِهِ، وَاسْمُ كَانَ إِلَّا أَنْ قالُوا وَخَبَرُهَا دَعْواهُمْ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِلَّا قَوْلُهُمْ:
إِنَّا كنا ظالمين. قوله: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَالسُّؤَالُ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَاللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، أَيْ: لَنَسْأَلَنَّهُمْ عَمَّا أَجَابُوا بِهِ رُسُلَهُمْ عِنْدَ دَعْوَتِهِمْ، وَالْفَاءُ: لِتَرْتِيبِ الْأَحْوَالِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْأَحْوَالِ الدنيوية وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ أَيِ: الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللَّهُ، أَيْ: نَسْأَلُهُمْ عَمَّا أَجَابَ بِهِ أُمَمُهُمْ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَطَاعَ مِنْهُمْ وَمَنْ عَصَى وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ: يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ، وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ سبحانه:
وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ «2» لِمَا قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْآخِرَةَ مَوَاطِنُ، فَفِي مَوْطِنٍ يُسْأَلُونَ، وَفِي مَوْطِنٍ لَا يُسْأَلُونَ، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا وَرَدَ مِمَّا ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ بِأَنْ أَثْبَتَ تَارَةً وَنَفَى أُخْرَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَعَدُّدِ الْمَوَاقِفِ مَعَ طُولِ ذَلِكَ الْيَوْمِ طُولًا عَظِيمًا فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ أَيْ: عَلَى الرُّسُلِ وَالْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الدَّعْوَةِ مِنْهُمْ لَهُمْ بِعِلْمٍ لَا بِجَهْلٍ، أَيْ: عَالِمِينَ بِمَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَما كُنَّا غائِبِينَ عَنْهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ حَتَّى يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ بَيْنَهُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَابْنُ النَّجَّارِ فِي تَارِيخِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: المص قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَفْصِلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مِنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ: قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ:
المص قَالَ: هُوَ الْمُصَوِّرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي قَوْلِهِ:
المص قَالَ: الْأَلِفُ مِنَ اللَّهِ، وَالْمِيمُ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَالصَّادُ مِنَ الصَّمَدِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَا اللَّهُ الصَّادِقُ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَوْلٌ بِالظَّنِّ وَتَفْسِيرٌ بِالْحَدْسِ، وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ مَا قَدَّمْنَا فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قَالَ: الشَّكُّ، وَقَالَ لِأَعْرَابِيٍّ: مَا الْحَرَجُ فِيكُمْ؟ قَالَ: اللَّبْسُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: ضِيقٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا هَلَكَ قَوْمٌ حَتَّى يُعْذَرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ فَما كانَ دَعْواهُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ قَالَ: نَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا أَجَابُوا الْمُرْسَلِينَ ونسأل المرسلين عما بلغوا فلنقصنّ
(1) . يونس: 10.
(2)
. القصص: 78.