الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الرِّيحِ إِلَّا مَا تَلِينُ عَلَيْهِ الْجُلُودُ وَتَلْتَذُّ بِهِ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ بِالْعَادِيِّ فَتَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُ بِالْحِجَارَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابن زيد فِي قَوْلِهِ وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا قَالَ:
اسْتَأْصَلْنَاهُمْ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال: قبر هود يحضر موت فِي كَثِيبٍ أَحْمَرَ عِنْدَ رَأْسِهِ سِدْرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ قَالَ: قُبْلَةَ مَسْجِدِ دِمَشْقَ قُبِرَ هُودٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ عُمْرُ هُودٍ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يَا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
قَوْلُهُ وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ، وَثَمُودُ:
قَبِيلَةٌ سُمُّوا بِاسْمِ أَبِيهِمْ، وَهُوَ ثَمُودُ بْنُ عَادِ بْنِ إِرَمَ بْنِ شالخ بن أرفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَصَالِحٌ عَطْفُ بَيَانٍ، وَهُوَ صَالِحُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَسْفِ بْنِ مَاشِحِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حَاذَرَ بْنِ ثَمُودَ، وَامْتِنَاعُ ثَمُودَ مِنَ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ جُعِلَ اسَمًا لِلْقَبِيلَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ مِنَ الثَّمْدِ، وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ قَرَأَ الْقُرَّاءُ ألا إنّ ثمودا كفروا ربهم «1» عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْحَيِّ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُ ثَمُودَ الْحِجْرَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ إِلَى وَادِي الْقُرَى. قوله قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ إِخْرَاجُ النَّاقَةِ مِنَ الْحَجَرِ الصَّلْدِ، وَجُمْلَةُ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَيَانِ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَانْتِصَابُ آيَةً: عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الْإِشَارَةِ، وَفِي إِضَافَةِ النَّاقَةِ إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفٌ لَهَا وَتَكْرِيمٌ. قَوْلُهُ فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أَيْ: دَعُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، فَهِيَ نَاقَةُ اللَّهِ، وَالْأَرْضُ أَرْضُهُ فَلَا تَمْنَعُوهَا مِمَّا لَيْسَ لَكُمْ وَلَا تَمْلِكُونَهُ وَلا تَمَسُّوها بِشَيْءٍ مِنَ السُّوءِ، أَيْ: لَا تَتَعَرَّضُوا لَهَا بِوَجْهٍ من الوجوه التي تسوؤها. قَوْلُهُ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ هُوَ جَوَابُ النَّهْيِ: أَيْ إِذَا لَمْ تَتْرُكُوا مَسَّهَا بِشَيْءٍ مِنَ السُّوءِ أَخَذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَيْ: شَدِيدُ الْأَلَمِ. قَوْلُهُ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ أَيِ: اسْتَخْلَفَكُمْ فِي الْأَرْضِ أَوْ جَعَلَكُمْ ملوكا فيها، كما تقدّم
(1) . هود: 68.
فِي قِصَّةِ هُودٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ: جَعَلَ لَكُمْ فِيهَا مَبَاءَةً، وَهِيَ الْمَنْزِلُ الَّذِي تَسْكُنُونَهُ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أَيْ: تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولَةِ الْأَرْضِ قُصُورًا، أَوْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ: وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ، وَسُهُولُ الْأَرْضِ تُرَابُهَا، يَتَّخِذُونَ مِنْهُ اللَّبِنَ وَالْآجُرَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَبْنُونَ بِهِ الْقُصُورَ وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً أَيْ تَتَّخِذُونَ فِي الْجِبَالِ الَّتِي هِيَ صُخُورٌ بُيُوتًا تَسْكُنُونَ فِيهَا، وَقَدْ كَانُوا لِقُوَّتِهِمْ وَصَلَابَةِ أَبْدَانِهِمْ يَنْحِتُونَ الْجِبَالَ فَيَتَّخِذُونَ فِيهَا كُهُوفًا يَسْكُنُونَ فِيهَا لِأَنَّ الْأَبْنُيَةَ وَالسُّقُوفَ كَانَتْ تَفْنَى قَبْلَ فَنَاءِ أَعْمَارِهِمْ، وَانْتِصَابُ بُيُوتًا عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أو على أنها مفعول ثان لتنتحون عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى تَتَّخِذُونَ. قَوْلُهُ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. قَوْلُهُ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الْعَثْيُ وَالْعَثْوُ لُغَتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْبَقَرَةِ بِمَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ:
أَيْ: قَالَ الرُّؤَسَاءُ الْمُسْتَكْبِرُونَ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ اسْتَضْعَفَهُمُ المستكبرون، ولِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ بَدَلَ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، لِأَنَّ في الْمُسْتَضْعَفِينَ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ هَذَا عَلَى عَوْدِ ضَمِيرِ مِنْهُمْ إِلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا، فَإِنَ عَادَ إِلَى قَوْمِهِ كَانَ بَدَلَ كُلٍّ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوا هذا على طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ. قَوْلُهُ:
قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ أَجَابُوهُمْ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِرِسَالَتِهِ، مَعَ كَوْنِ سُؤَالِ الْمُسْتَكْبِرِينَ لَهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ، هَلْ تَعْلَمُونَ بِرِسَالَتِهِ أَمْ لَا؟ مُسَارَعَةً إِلَى إِظْهَارِ مَا لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مُرْسَلًا أَمْرٌ وَاضِحٌ مَكْشُوفٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ، فَأَجَابُوا تَمَرُّدًا وَعِنَادًا بِقَوْلِهِمْ إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ وَهَذِهِ الْجُمَلُ الْمَعْنَوِيَّةُ يُقَالُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِأَنَّهَا جَوَابَاتٌ عَنْ سُؤَالَاتٍ مَقَدَّرَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ. قَوْلُهُ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ الْعَقْرُ: الْجَرْحُ، وَقِيلَ: قَطْعُ عُضْوٍ يُؤَثِّرُ فِي تَلَفِ النَّفْسِ يُقَالُ: عَقَرَتِ الْفُرْسُ: إِذَا ضُرِبَتْ قَوَائِمُهُ بِالسَّيْفِ، وَقِيلَ أَصْلُ الْعَقْرِ: كَسْرُ عُرْقُوبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ قِيلَ لِلنَّحْرِ عَقْرٌ لِأَنَّ الْعَقْرَ سَبَبُ النَّحْرِ فِي الْغَالِبِ، وَأَسْنَدَ الْعَقْرَ إِلَى الْجَمِيعِ مَعَ كَوْنِ الْعَاقِرِ وَاحِدًا مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ رَاضُونَ بِذَلِكَ مُوَافِقُونَ عَلَيْهِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عَاقِرِ النَّاقَةِ مَا كَانَ اسْمُهُ، فَقِيلَ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أَيِ: اسْتَكْبَرُوا، يُقَالُ عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا: اسْتَكْبَرَ، وَتَعَتَّى فُلَانٌ: إِذَا لَمْ يُطِعْ، وَاللَّيْلُ الْعَاتِي: الشَّدِيدُ الظلمة وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا مِنَ الْعَذَابِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ هَذَا اسْتِعْجَالٌ مِنْهُمْ لِلنِّقْمَةِ وَطَلَبٌ مِنْهُمْ لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَحُلُولِ الْبَلِيَّةِ بِهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أَيِ الزَّلْزَلَةُ، يُقَالُ رَجَفَ الشَّيْءُ يَرْجُفُ رُجْفَانًا، وَأَصْلُهُ حَرَكَةٌ مَعَ صَوْتٍ، وَمِنْهُ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ «1» وَقِيلَ كَانَتْ صَيْحَةً شَدِيدَةً خَلَعَتْ قُلُوبَهُمْ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ أَيْ بَلَدِهِمْ جاثِمِينَ لَاصِقِينَ بِالْأَرْضِ عَلَى رُكَبِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ كَمَا يَجْثُمُ الطَّائِرُ، وَأَصْلُ الْجُثُومِ لِلْأَرْنَبِ وَشَبَهِهَا، وَقِيلَ لِلنَّاسِ وَالطَّيْرِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا فِي دُورِهِمْ مَيِّتِينَ لَا حَرَاكَ بِهِمْ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ صَالِحٌ عِنْدَ اليأس من إجابتهم وَقالَ لهم الْمَقَالَةَ: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ لِحَالِهِمُ الْمَاضِيَةِ، كَمَا وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّكْلِيمِ لِأَهْلِ قَلِيبِ بَدْرٍ بَعْدَ موتهم، أَوْ قَالَهَا لَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مُشَاهِدًا لِذَلِكَ فَتَحَسَّرَ عَلَى مَا
(1) . النازعات: 6.
فَاتَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ أَبَانَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْلُ جُهْدًا فِي إِبْلَاغِهِمُ الرِّسَالَةَ وَمَحْضِ النُّصْحِ، لَكِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، وَنَزَلَ بِهِمْ مَا كَذَّبُوا بِهِ وَاسْتَعْجَلُوهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَتْ ثَمُودُ لِصَالِحٍ: ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، قَالَ: اخْرُجُوا، فَخَرَجُوا إِلَى هَضْبَةٍ من الأرض فإذا هي تَمَخَّضُ الْحَامِلُ، ثُمَّ إِنَّهَا انْفَرَجَتْ فَخَرَجَتِ النَّاقَةُ مِنْ وَسَطِهَا، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ:
هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ حِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ: تَمَتَّعُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: آيَةُ هَلَاكِكُمْ أَنْ تُصْبِحَ وُجُوهُكُمْ غَدًا مُصْفَرَّةً، وَتُصْبِحَ الْيَوْمَ الثَّانِي مُحَمَّرَةً، ثُمَّ تُصْبِحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسَوَّدَةً، فَأَصْبَحَتْ كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ أَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ فتكفنوا وتحنطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأخمدتهم. وَقَالَ عَاقِرُ النَّاقَةِ: لَا أَقْتُلُهَا حَتَّى تَرْضَوْا أَجْمَعِينَ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي خِدْرِهَا فَيَقُولُونَ:
أَتَرْضِينَ؟ فَتَقُولُ: نَعَمْ، وَالصَّبِيُّ، حَتَّى رَضُوا أَجْمَعُونَ، فَعَقَرَهَا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسط وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْأَلُوا نَبِيَّكُمْ عَنِ الْآيَاتِ. فَإِنَّ قَوْمَ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ آيَةً فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وِرْدِهَا وَيَحْتَلِبُونَ مِنْ لَبَنِهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ الْعَذَابَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَكْذُوبٍ، ثُمَّ جَاءَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ تَحْتَ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: أَبُو رِغَالٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ» .
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحِجْرِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَبُوكَ نَزَلَ بِهِمُ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قوله وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ قَالَ: لَا تَعْقِرُوهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً قَالَ: كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي الْجِبَالِ الْبُيُوتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ قَالَ: غَلَوْا فِي الْبَاطِلِ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ: الصَّيْحَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ قَالَ: مَيِّتِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ.