المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

يَعْنِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: الْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ، وَيَقْرَأُ: زُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ومحمد ابن نَصْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنْ رَجَلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ كَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ كَفَّارَتِهَا، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذِهِ؟ قَالَ: «هِيَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ فِيَّ حَدَّ اللَّهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: أَنَا ذَا، قَالَ: أَتْمَمْتَ الْوُضُوءَ وَصَلَّيْتَ مَعَنَا آنِفًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ فَلَا تَعُدْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ حِينَئِذٍ عَلَى رَسُولِهِ:

وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ» . وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أَيْضًا «إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: لَمَّا نَزَعَ الَّذِي قَبَّلَ الْمَرْأَةَ تَذَّكَّرَ فَذَلِكَ قوله ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.

[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)

هَذَا عَوْدٌ إِلَى أَحْوَالِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ لِبَيَانِ أَنَّ سَبَبَ حُلُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ بِهِمْ: أَنَّهُ مَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ وَيَأْمُرُ بالرشاد، فقال: فَلَوْلا أَيْ: فَهَلَّا كانَ مِنَ الْقُرُونِ الْكَائِنَةِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ مِنَ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ يَنْهَوْنَ قَوْمَهُمْ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ مِمَّنْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ جَوْدَةِ الْعَقْلِ، وَقُوَّةِ الدِّينِ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّوْبِيخِ لِلْكُفَّارِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْبَقِيَّةُ فِي الْأَصْلِ

ص: 604

لِمَا يَسْتَبْقِيهِ الرَّجُلُ مِمَّا يُخْرِجُهُ، وَهُوَ لَا يَسْتَبْقِي إِلَّا أَجْوَدَهُ وَأَفْضَلَهُ، فَصَارَ لَفْظُ الْبَقِيَّةِ مَثَلًا فِي الْجَوْدَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي: إِلَّا قَلِيلًا مُنْقَطِعٌ أَيْ: لَكِنْ قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ:

هُوَ مُتَّصِلٌ، لِأَنَّ فِي حَرْفِ التَّحْضِيضِ مَعْنَى النَّفْيِ، فكأنه قال: ما كان في القرون أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ، وَمَنْ فِي مِمَّنْ أَنْجَيْنَا، بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجَّ إِلَّا النَّاهُونَ قِيلَ: هَؤُلَاءِ الْقَلِيلُ هُمْ قَوْمُ يُونُسَ لقوله فيما مر: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ وَقِيلَ: هُمْ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلُ الْحَقِّ مِنَ الْأُمَمِ عَلَى الْعُمُومِ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ معطوف على مقدّر الْكَلَامُ، تَقْدِيرُهُ: إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ نَهَوْا عَنِ الْفَسَادِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا- بِسَبَبِ مُبَاشَرَتِهِمُ الْفَسَادَ وَتَرْكِهِمْ لِلنَّهْيِ عَنْهُ- مَا أُتْرِفُوا فِيهِ.

وَالْمُتْرَفُ: الَّذِي أَبْطَرَتْهُ النِّعْمَةُ، يُقَالُ صَبِيٌّ مُتْرَفٌ: مُنَعَّمُ الْبَدَنِ، أَيْ: صَارُوا تَابِعِينَ لِلنِّعَمِ الَّتِي صَارُوا بِهَا مُتْرَفِينَ مِنْ خِصْبِ الْعَيْشِ وَرَفَاهِيَةِ الْحَالِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ، وَآثَرُوا ذَلِكَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ وَاسْتَغْرَقُوا أَعْمَارَهُمْ فِي الشَّهَوَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالَّذِينِ ظَلَمُوا تَارِكُو النَّهْيِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ خُرُوجَ مُبَاشِرِي الْفَسَادِ عَنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهُمْ أَشَدُّ ظُلْمًا مِمَّنْ لَمْ يُبَاشِرْ، وَكَانَ ذَنْبُهُ تَرْكَ النَّهْيِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ: أُتْبِعُوا جَزَاءَ مَا أُتْرِفُوا فِيهِ، وَجُمْلَةُ: وَكانُوا مُجْرِمِينَ مُتَضَمِّنَةٌ لِبَيَانِ سَبَبِ إِهْلَاكِهِمْ، وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى أُتْرِفُوا، أَيْ: وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُتْبِعُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ مُجْرِمِينَ، وَالْإِجْرَامُ: الْأَثَامُ. وَالْمَعْنَى: إِنَّهُمْ أهل إجرام بسبب اتباعهم الشهوات بِهَا عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحِقُّ الِاشْتِغَالُ بِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: وَكانُوا مُجْرِمِينَ مَعْطُوفَةً عَلَى وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيِ: اتَّبَعُوا شَهَوَاتِهِمْ وَكَانُوا بِذَلِكَ الِاتِّبَاعِ مُجْرِمِينَ وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ أَيْ: مَا صَحَّ وَلَا اسْتَقَامَ أَنْ يُهْلِكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْقُرَى بِظُلْمٍ يَتَلَبَّسُونَ بِهِ وَهُوَ الشِّرْكُ، وَالْحَالُ أَنَّ أَهْلَهَا مُصْلِحُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي تَعَاطِي الْحُقُوقِ لَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ شَيْئًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُهْلِكُهُمْ بِمُجَرَّدِ الشِّرْكِ وَحْدَهُ حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ شُعَيْبٍ بِنَقْصِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ وَبَخْسِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ، وَأَهْلَكَ قَوْمَ لُوطٍ بِسَبَبِ ارْتِكَابِهِمْ لِلْفَاحِشَةِ الشَّنْعَاءِ وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: بِظُلْمٍ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ. وَالْمَعْنَى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُهْلِكَ الْقُرَى ظَالِمًا لَهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُصْلِحِينَ غَيْرَ مُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ تَنْزِيهَهُ سبحانه وتعالى عَنْ صُدُورِ ذَلِكَ مِنْهُ بِلَا سَبَبٍ يُوجِبُهُ عَلَى تَصْوِيرِ ذَلِكَ بِصُورَةِ مَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَكَلُّ أَفْعَالِهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ لَا ظُلْمَ فِيهَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ أَحَدًا وَهُوَ يَظْلِمُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِهَايَةِ الصَّلَاحِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي مُلْكِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً «1» وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَمَا كَانَ لِيُهْلِكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَهُمْ مُصْلِحُونَ: أَيْ مُخْلِصُونَ فِي الْإِيمَانِ، فَالظُّلْمُ الْمَعَاصِي عَلَى هَذَا. وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً أَيْ: أَهْلَ دِينٍ وَاحِدٍ، إِمَّا أَهْلَ ضَلَالَةٍ، أَوْ أَهْلَ هُدًى وَقِيلَ مَعْنَاهُ: جَعَلَهُمْ مُجْتَمِعِينَ عَلَى الْحَقِّ غَيْرَ مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، أَوْ مُجْتَمِعِينَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ دُونَ سَائِرِ الْأَدْيَانِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ، وَلِهَذَا قَالَ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ فِي ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى أَدْيَانٍ شَتَّى، أَوْ لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ أَوْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: مُخْتَلِفِينَ فِي الرِّزْقِ: فَهَذَا غَنِيٌّ، وَهَذَا فَقِيرٌ.

(1) . يونس: 44.

ص: 605

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا، أَوْ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ أَوْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بِهِدَايَتِهِ إِلَى الصَّوَابِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا حَقَّ غَيْرُهُ، أَوْ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ بِالْقَنَاعَةِ. وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ: لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، بِالْمُجْتَمِعَةِ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَاضِحًا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى تَكَلُّفٍ وَلِذلِكَ أَيْ: لِمَا ذُكِرَ مِنَ الاختلاف خَلَقَهُمْ أو لرحمته خَلَقَهُمْ، وَصَحَّ تَذْكِيرُ الْإِشَارَةِ إِلَى الرَّحْمَةِ لِكَوْنِ تَأْنِيثِهَا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، وَالضَّمِيرُ فِي خَلَقَهُمْ رَاجِعٌ إِلَى النَّاسِ، أَوْ إِلَى: مَنْ فِي: مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى مَجْمُوعِ الِاخْتِلَافِ وَالرَّحْمَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِشَارَةِ بِهَا إِلَى شَيْئَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ «1» وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «2» فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «3» . قَوْلُهُ: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ مَعْنَى تَمَّتْ ثَبَتَتْ كَمَا قَدَّرَهُ فِي أَزَلِهِ، وَإِذَا تَمَّتِ امْتَنَعَتْ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَقِيلَ الْكَلِمَةُ: هِيَ قَوْلُهُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ أَيْ: مِمَّنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَالتَّنْوِينُ فِي وَكُلًّا للتعويض عن المضاف إليه، وهو منصوب بنقص. وَالْمَعْنَى: وَكُلُّ نَبَأٍ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ نَقُصُّ عَلَيْكَ: أَيْ نُخْبِرُكَ بِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ كُلًّا حَالٌ مُقَدَّمَةٌ كَقَوْلِكَ:

كُلًّا ضَرَبْتُ الْقَوْمَ، وَالْأَنْبَاءُ: الْأَخْبَارُ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ أَيْ: مَا نَجْعَلُ بِهِ فُؤَادَكَ مُثَبَّتًا بِزِيَادَةِ يَقِينِهِ بِمَا قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ وَوُفُورِ طُمَأْنِينَتِهِ، لِأَنَّ تَكَاثُرَ الْأَدِلَّةِ أَثْبَتُ لِلْقَلْبِ وَأَرْسَخُ فِي النَّفْسِ وَأَقْوَى لِلْعِلْمِ، وَجُمْلَةُ مَا نُثَبِّتُ بَدَلٌ من أنباء الرسل، وهو بيان لكلا، ويجوز أن يكون ما نُثَبِّتُ مفعولا لنقصّ، وَيَكُونَ كُلًّا مَفْعُولًا مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ: كُلُّ أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ الِاقْتِصَاصِ نَقُصُّ عَلَيْكَ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ أَيْ: جَاءَكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، أَوْ فِي هَذِهِ الْأَنْبَاءِ الْبَرَاهِينُ الْقَاطِعَةُ الدَّالَّةُ عَلَى صِحَّةِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَمَوْعِظَةٌ يَتَّعِظُ بِهَا الْوَاقِفُ عَلَيْهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَذِكْرى يَتَذَكَّرُ بِهَا مَنْ تَفَكَّرَ فِيهَا مِنْهُمْ، وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ لِكَوْنِهِمُ الْمُتَأَهِّلِينَ لِلِاتِّعَاظِ وَالتَّذَكُّرِ وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الْحَقُّ، وَهُوَ النُّبُوَّةُ وَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ تَخْصِيصُ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَجِيءِ الْحَقِّ فِيهَا مَعَ كَوْنِهِ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّورِ لِقَصْدِ بَيَانِ اشْتِمَالِهَا عَلَى ذَلِكَ، لَا بَيَانِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا الْحَقِّ وَلَا يَتَّعِظُونَ وَلَا يَتَذَكَّرُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ عَلَى تَمَكُّنِكُمْ وَحَالِكُمْ وَجِهَتِكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ إِنَّا عامِلُونَ عَلَى مَكَانَتِنَا وَحَالِنَا وَجِهَتِنَا مِنَ الْإِيمَانِ بِالْحَقِّ وَالِاتِّعَاظِ وَالتَّذَكُّرِ، وَفِي هَذَا تَشْدِيدٌ لِلْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ مَا لَا يَخْفَى. وَالْمَعْنَى: انْتَظِرُوا عَاقِبَةَ أَمْرِنَا فَإِنَّا مُنْتَظِرُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ وَمَا يَحُلُّ بِكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ عِلْمُ جَمِيعِ مَا هُوَ غَائِبٌ عَنِ الْعِبَادِ فِيهِمَا وَخَصَّ الْغَيْبَ مِنْ كَوْنِهِ يَعْلَمُ بِمَا هُوَ مَشْهُودٌ، كَمَا يَعْلَمُ بِمَا هُوَ مَغِيبٌ، لِكَوْنِهِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: إِنَّ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ: نُزُولُ الْعَذَابِ مِنَ السَّمَاءِ، وَطُلُوعُهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَضَافَ الْغَيْبَ إِلَى الْمَفْعُولِ تَوَسُّعًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفَصٌ يُرْجَعُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَافِيكَ كُلَّ ما تكره، ومعطيك كل ما تحبّ،

(1) . البقرة: 68.

(2)

. الإسراء: 110.

(3)

. يونس: 58.

ص: 606

وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى كَوْنِ مَرْجِعِ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بَلْ عَالَمٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَمُجَازٍ عَلَيْهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًا فَشَرٌّ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالشَّامِ وَحَفْصٌ تَعْمَلُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ.

وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مالك في قوله فَلَوْ قَالَ: فَهَلَّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أولو بَقِيَّةٍ وَأَحْلَامٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ يَسْتَقِلُّهُمْ اللَّهُ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ قَالَ: فِي مُلْكِهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْحَقَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُتْرِفُوا فِيهِ أُبْطِرُوا فِيهِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وابن مردويه والديلمي عن جرير قَالَ:

«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَأَهْلُهَا يُنْصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْخَرَائِطِيُّ فِي مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ مَوْقُوفًا عَلَى جَرِيرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً قَالَ: أَهْلَ دِينٍ وَاحِدٍ، أَهْلَ ضَلَالَةٍ، أَوْ أَهْلَ هُدًى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ قَالَ: أَهْلُ الْحَقِّ وَأَهْلُ الْبَاطِلِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ قَالَ: أَهْلَ الْحَقِّ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قَالَ: لِلرَّحْمَةِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ قَالَ: إِلَّا أَهْلَ رَحْمَتِهِ فإنهم لا يختلفون. وأخرج ابن أبي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْأَهْوَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ أَيِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ وَالْحَنِيفِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ رَحِمَ رَبُّكَ الْحَنِيفِيَّةُ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: النَّاسُ مُخْتَلِفُونَ عَلَى أَدْيَانٍ شَتَّى إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، فَمَنْ رَحِمَ رَبُّكَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قَالَ: لِلِاخْتِلَافِ. وَأَخْرُجُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ قَالَ: أَهْلُ الْبَاطِلِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ قَالَ: أَهْلَ الْحَقِّ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قَالَ: لِلرَّحْمَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَا عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ فِي الرِّزْقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قَالَ: خَلَقَهُمْ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا يُرْحَمُ فَلَا يَخْتَلِفُ، وَفَرِيقًا لَا يُرْحَمُ يَخْتَلِفُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. وأخرج جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ لِتَعْلَمَ يَا مُحَمَّدُ مَا لَقِيَتِ الرُّسُلُ قَبْلَكَ مِنْ أممهم. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد ابن مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ قَالَ: فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ

ص: 607

عَنْ قَتَادَةَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أَيْ: مَنَازِلِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جريج وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ قَالَ: يَقُولُ انْتَظِرُوا مَوَاعِيدَ الشَّيْطَانِ إِيَّاكُمْ عَلَى مَا يُزَيِّنُ لَكُمْ، وَفِي قَوْلِهِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ قَالَ: فَيَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْعَدْلِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: فَاتِحَةُ التَّوْرَاةِ فَاتِحَةُ الْأَنْعَامِ، وَخَاتِمَةُ التَّوْرَاةِ خَاتِمَةُ هُودٍ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.

بحمد الله تعالى تمّ طبع الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث وأوّله: تفسير سورة يوسف عليه السلام

ص: 608