الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَوْتَى أَمْطَرَ السَّمَاءَ حَتَّى يُشَقِّقَ عَنْهُمُ الْأَرْضَ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَرْوَاحَ فَيَهْوِي كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى بِالْمَطَرِ كَإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ الْآيَةَ قَالَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله للمؤمن، يقول:
هو طيب، عمله طَيِّبٌ، كَمَا أَنَّ الْبَلَدَ الطَّيِّبَ ثَمَرُهَا طَيِّبٌ وَالَّذِي خَبُثَ ضُرِبَ مَثَلًا لِلْكَافِرِ كَالْبَلَدِ السَّبَخَةِ الْمَالِحَةِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ مِنْهَا الْبَرَكَةُ، فَالْكَافِرُ هُوَ الْخَبِيثُ وَعَمَلُهُ خَبِيثٌ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التابعين.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64)
لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَبَدِيعَ صَنْعَتهِ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ ذَكَرَ هُنَا أَقَاصِيصَ الْأُمَمِ وَمَا فِيهَا مِنْ تَحْذِيرِ الْكُفَّارِ وَوَعِيدِهِمْ، لِتَنْبِيهِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَنْ لَا يَقْتَدُوا بِمَنْ خَالَفَ الْحَقَّ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَاللَّامُ:
جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. وَهُوَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ آدَمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ نُوحٍ فِي آلِ عِمْرَانَ فَأَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ هُنَا، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ إِدْرِيسَ قَبْلَ نُوحٍ، فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّهُ وَهْمٌ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَرِّخُونَ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ إِدْرِيسَ كَانَ نبيا غير مرسل، وجملة فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ، جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ. قَوْلُهُ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ لِقَوْلِهِ اعْبُدُوا أَيِ: اعْبُدُوهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ، حَتَّى يَسْتَحِقَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا. قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ بِرَفْعِ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِإِلَهٍ عَلَى الْمَوْضِعِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالْخَفْضِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ عَلَى اللَّفْظِ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ النَّصْبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ: يَعْنِي: مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِيَّاهُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: مَا أَعْرِفُ الْجَرَّ وَلَا النَّصْبَ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ بَعْضَ بَنِي أَسَدٍ يَنْصِبُونَ غَيْرَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :
لَمْ يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ
…
حَمَامَةٌ فِي غصون ذات أوقال «2»
وَجُمْلَةُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ جُمْلَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِتَعْلِيلِ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ، أَيْ: إِنْ لم تعبدوه
(1) . هو أبو قيس بن الأسلت.
(2)
. «أوقال» : ثمار.
فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ عَذَابَ يَوْمِ الطُّوفَانِ. قَوْلُهُ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَالْمَلَأُ: أَشْرَافُ الْقَوْمِ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَقِيلَ: هُمُ الرِّجَالُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَقَرَةِ، وَالضَّلَالُ: الْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالذَّهَابُ عَنْهُ، أَيْ: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي دُعَائِكَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ فِي ضَلَالٍ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَجُمْلَةُ قالَ يَا قَوْمِ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَيْضًا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ كَمَا تَزْعُمُونَ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ لِسَوْقِ الْخَيْرِ إِلَيْكُمْ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْكُمْ، نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الضَّلَالَةَ، وَأَثْبَتَ لَهَا مَا هُوَ أَعْلَى مَنْصِبًا وَأَشْرَفُ رِفْعَةً وَهُوَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَجُمْلَةُ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِرَسُولٍ، أَوْ هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِحَالِ الرَّسُولِ. وَالرِّسَالَاتُ: مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ مِمَّا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْصَحُ لَكُمْ عَطْفٌ عَلَى أُبَلِّغُكُمْ يُقَالُ: نَصَحْتُهُ وَنَصَحْتُ لَهُ، وَفِي زِيَادَةِ اللَّامِ: دَلَالَةٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِمْحَاضِ النصح. قال الْأَصْمَعِيُّ: النَّاصِحُ: الْخَالِصُ مِنَ الْغِلِّ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَصَ فَقَدْ نَصَحَ، فَمَعْنَى أَنْصَحُ هُنَا: أُخْلِصُ النِّيَّةَ لَكُمْ عَنْ شَوَائِبِ الْفَسَادِ، وَالِاسْمُ: النَّصِيحَةُ، وَجُمْلَةُ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُقَرِّرَةٌ لِرِسَالَتِهِ وَمُبَيِّنَةٌ لِمَزِيدِ عِلْمِهِ، وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعِلْمِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَعْلَمُونَهَا بِإِخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ أَوَعَجِبْتُمْ فُتِحَتْ الْوَاوُ لِكَوْنِهَا الْعَاطِفَةَ وَدَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ. وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُقَدَّرٌ: كَأَنَّهُ قِيلَ: اسْتَبْعَدْتُمْ وَعَجِبْتُمْ أَوْ أَكَذَّبْتُمْ وَعَجِبْتُمْ أَوْ أَنْكَرْتُمْ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ: وَحْيٌ وَمَوْعِظَةٌ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ أَيْ: عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ مِنْكُمْ تَعْرِفُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ أَوْ لَا تَعْرِفُونَ لُغَتَهُ، وَقِيلَ عَلَى بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ:
مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِأَجْلِ يُنْذِرَكُمْ بِهِ وَلِتَتَّقُوا مَا يُخَالِفُهُ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بِسَبَبِ مَا يُفِيدُهُ الْإِنْذَارُ لَكُمْ وَالتَّقْوَى مِنْكُمْ مِنَ التَّعَرُّضِ لِرَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَكُمْ وَرِضْوَانِهِ عَنْكُمْ فَكَذَّبُوهُ أَيْ فَبَعْدَ ذَلِكَ كَذَّبُوهُ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْإِنْذَارِ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُسْتَقِرِّينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ، وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَأَغْرَقْنَا أَيْ: أَغْرَقْنَا الْمُكَذِّبِينَ لِكَوْنِهِمْ عُمْيَ الْقُلُوبِ لَا تنجح فِيهِمُ الْمَوْعِظَةُ وَلَا يُفِيدُهُمُ التَّذْكِيرُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَوَّلُ نَبِيٍّ أُرْسِلَ نُوحٌ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحٌ عليه السلام نُوْحًا لِطُولِ مَا نَاحَ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: الْمَلَأُ يَعْنِي الْأَشْرَافَ مِنَ قومه. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ يَقُولُ: بَيَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ قَالَ: كُفَّارًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ قال: عن الحقّ.