المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92)

لَمَّا بَالَغَ مُوسَى عليه السلام فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ البينات، ولم يكن لذلك تأثير في من أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ دَعَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ سَبَبَ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَتَمَسُّكِهِمْ بِالْجُحُودِ وَالْعِنَادِ، فَقَالَ مُبَيِّنًا لِلسَّبَبِ أَوَّلًا:

رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَلَأَ هُمُ الْأَشْرَافُ، وَالزِّينَةُ:

اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ: مِنْ مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَحَلْيَةٍ وَفِرَاشٍ وَسِلَاحٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ كَرَّرَ النِّدَاءَ لِلتَّأْكِيدِ فَقَالَ: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ اللَّامِ الدَّاخِلَةِ على الفعل، فقال الخليل وسيبويه: إنه لَامُ الْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ. وَالْمَعْنَى:

أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمُ الضَّلَالَ صَارَ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْطَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ لِيُضِلُّوا، فَتَكُونُ اللَّامُ عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقَةً بِآتَيْتَ وَقِيلَ: إِنَّهَا لَامُ كَيْ أَيْ: أَعْطَيْتَهُمْ لِكَيْ يُضِلُّوا. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْمَعْنَى أَعْطَيْتَهُمْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَضِلُّوا، فَحُذِفَتْ لَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «1» . قَالَ النَّحَّاسُ: ظَاهِرُ هَذَا الْجَوَابِ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَحْذِفُ لَا إِلَّا مَعَ أَنْ، فَمَوَّهَ صَاحِبُ هَذَا التَّأْوِيلِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، وَقِيلَ: اللَّامُ لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ. وَالْمَعْنَى: ابْتَلِهِمْ بِالْهَلَاكِ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ بَعْدَ هَذَا: اطْمِسْ وَاشْدُدْ. وَقَدْ أَطَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ لِيُضِلُّوا بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ أَيْ: يُوقِعُوا الْإِضْلَالَ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، أَيْ: يَضِلُّونَ فِي أَنْفُسِهِمْ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: طَمْسُ الشَّيْءِ:

إِذْهَابُهُ عَنْ صُورَتِهِ وَالْمَعْنَى: الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَمْحَقَ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ وَيُهْلِكَهَا، وَقُرِئَ: بِضَمِّ الْمِيمِ مِنِ اطْمُسْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ أَيِ: اجْعَلْهَا قَاسِيَةً مَطْبُوعَةً لَا تَقْبَلُ الْحَقَّ، وَلَا تَنْشَرِحُ لِلْإِيمَانِ، قَوْلُهُ فَلا يُؤْمِنُوا قَالَ الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى لِيُضِلُّوا، وَالْمَعْنَى: آتَيْتَهُمُ النِّعَمَ لِيُضِلُّوا وَلَا يُؤْمِنُوا، وَيَكُونُ ما بين المعطوف عَلَيْهِ اعْتِرَاضًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ دُعَاءٌ بِلَفْظِ النَّهْيِ، وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُمَّ فَلَا يُؤْمِنُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:

فَلَا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى

وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا وَأَنْفُكَ رَاغِمُ

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، أَيِ: اطْمِسْ وَاشْدُدْ فَلَا يُؤْمِنُوا، فَيَكُونُ مَنْصُوبًا. وروي هذا عن الفرّاء أيضا، ومنه:

(1) . النساء: 176.

ص: 532

يَا نَاقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا

إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا

حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أَيْ: لَا يَحْصُلُ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ إِلَّا مَعَ الْمُعَايَنَةِ لِمَا يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ إِيمَانُهُمْ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَقَالَ: إِنَّ الرُّسُلَ إِنَّمَا تَطْلُبُ هِدَايَةَ قَوْمِهِمْ وَإِيمَانَهُمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَبِيٍّ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى قَوْمِهِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ، وَلِهَذَا لَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ نُوحًا عليه السلام بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، قَالَ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «1» . قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما جَعَلَ الدَّعْوَةَ هَاهُنَا مُضَافَةً إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ أَضَافَهَا إِلَى مُوسَى وَحْدَهُ، فَقِيلَ: إِنَّ هَارُونَ كَانَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَاءِ مُوسَى، فَسُمِّيَ هَاهُنَا دَاعِيًا، وَإِنْ كَانَ الدَّاعِي مُوسَى وَحْدَهُ، فَفِي أَوَّلِ الْكَلَامِ أَضَافَ الدُّعَاءَ إِلَى مُوسَى لِكَوْنِهِ الدَّاعِيَ، وَهَاهُنَا أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا تَنْزِيلًا لِلْمُؤَمِّنِ مَنْزِلَةَ الدَّاعِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا دَاعِيَيْنِ، وَلَكِنْ أَضَافَ الدُّعَاءَ إِلَى مُوسَى فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لِأَصَالَتِهِ فِي الرِّسَالَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ:

الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَهُمَا قَوْلُ مُوسَى رَبَّنَا وَلَمْ يَقُلْ رَبِّ. وقرأ عليّ والسّلمي دعواتكما وقرأ ابن السميقع: دَعْوَاكُمَا وَالِاسْتِقَامَةُ: الثَّبَاتُ عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: أُمِرَا بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِهِمَا، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، عَلَى دُعَاءِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِلَى الْإِيمَانِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمَا تَأْوِيلُ الْإِجَابَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ أُهْلِكُوا وَقِيلَ مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ: تَرْكُ الِاسْتِعْجَالِ وَلُزُومُ السَّكِينَةِ وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ لِمَا يَقْضِي بِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. قَوْلُهُ: وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ، وَحُرِّكَتْ بِالْكَسْرِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، وَلِكَوْنِهَا أَشْبَهَتْ نُونَ التَّثْنِيَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ بِتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى النَّفْيِ لَا عَلَى النَّهْيِ. وَقُرِئَ بِتَخْفِيفِ الْفَوْقِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ تَتَّبِعَانِّ. وَالْمَعْنَى: النَّهْيُ لَهُمَا عَنْ سُلُوكِ طَرِيقَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِعَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي إِجْرَاءِ الْأُمُورِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصَالِحُ تَعْجِيلًا وَتَأْجِيلًا. قَوْلُهُ: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ هُوَ مِنْ جَاوَزَ الْمَكَانَ:

إِذَا خَلَّفَهُ وَتَخَطَّاهُ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ: جَعَلْنَاهُمْ مُجَاوَزِينَ الْبَحْرَ حَتَّى بَلَغُوا الشَّطَّ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْبَحْرَ يَبَسًا فَمَرُّوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ إِلَى الْبَرِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ سبحانه: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ «2» وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَجَوَّزْنَا وَهُمَا لُغَتَانِ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ يُقَالُ: تَبِعَ وَأَتْبَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: إِذَا لَحِقَهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ أَتْبَعَهُ بِقَطْعِ الْأَلِفِ: إِذَا لَحِقَهُ وَأَدْرَكَهُ، وَاتَّبَعَهُ بِوَصْلِ الْأَلِفِ:

إِذَا اتَّبَعَ أَثَرَهُ أَدْرَكَهُ، أَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنَّ اتَّبَعَهُ بِالْوَصْلِ: اقْتَدَى بِهِ، وَانْتِصَابُ بَغْيًا وَعَدْوًا عَلَى الْحَالِ، وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ، وَالْعَدْوُ: الِاعْتِدَاءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُهُمَا عَلَى الْعِلَّةِ، أَيْ: لِلْبَغِيِّ وَالْعَدْوِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعُدُوًّا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِثْلَ: عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا وَقِيلَ:

إِنَّ الْبَغْيَ: طَلَبُ الِاسْتِعْلَاءِ فِي الْقَوْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْعَدْوُ فِي الْفِعْلِ حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ أَيْ: نَالَهُ وَوَصَلَهُ وَأَلْجَمَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى خَرَجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْنُ بِذَلِكَ لَحِقَهُمْ بِجُنُودِهِ، فَفَرَقَ اللَّهُ الْبَحْرَ لِمُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، فمشوا فيها حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَالْبَحْرُ بَاقٍ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ مُضِيِّ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا تَكَامَلَ دخول جنود فرعون وكادوا أن يخرجوا

(1) . نوح: 26.

(2)

. البقرة: 50.

ص: 533

مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ انْطَبَقَ عَلَيْهِمْ فَغَرِقُوا كَمَا حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ أَيْ: صَدَّقْتُ أَنَّهُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ بِأَنَّهُ، فَحُذِفَتِ الْبَاءُ، وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ. وَقُرِئَ بِكَسْرِ إِنَّ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَزَعَمَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ الْقَوْلَ مَحْذُوفٌ، أَيْ: آمَنْتُ، فَقُلْتُ إنه ولم ينفعه هذا الإيمان لأنه وَقَعَ مِنْهُ بَعْدَ إِدْرَاكِ الْغَرَقِ، كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّسَاءِ، وَلَمْ يَقُلِ اللَّعِينُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ أَوْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، بَلْ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ عِرْقٌ مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ. قَوْلُهُ: وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيِ: الْمُسْتَسْلِمِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ، الْمُنْقَادِينَ لَهُ الَّذِينَ يُوَحِّدُونَهُ، وَيَنْفُونَ مَا سِوَاهُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِمَّا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى آمَنْتُ. قَوْلُهُ: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ هُوَ مَقُولُ قَوْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَالَ آمَنْتُ، أَيْ: فَقِيلَ لَهُ: أَتُؤْمِنُ الْآنَ؟

وَقَدِ اخْتُلِفَ مَنِ الْقَائِلُ لِفِرْعَوْنَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ؟ فَقِيلَ: هِيَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ جِبْرِيلَ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ مِيكَائِيلَ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ، قَالَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. وَجُمْلَةُ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ أَتُؤْمِنُ الْآنَ وَالْمَعْنَى: إِنْكَارُ الْإِيمَانِ مِنْهُ عِنْدَ أَنْ أَلْجَمَهُ الْغَرَقُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ عَصَى اللَّهَ مِنْ قَبْلُ، وَالْمَقْصُودُ: التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ لَهُ. وَجُمْلَةُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ: مَعْطُوفَةٌ عَلَى عَصَيْتَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَالِ، أَيْ: كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بِضَلَالِكَ عَنِ الْحَقِّ، وَإِضْلَالِكَ لِغَيْرِكَ. قَوْلُهُ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ قُرِئَ نُنَجِّيكَ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّثْقِيلِ. وَقَرَأَ الْيَزِيدِيُّ: نُنَحِّيكَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ التَّنْحِيَةِ، وَحَكَاهَا عَلْقَمَةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَعْنَى نُنَجِّيكَ بِالْجِيمِ: نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّ فِرْعَوْنَ غَرِقَ، وَقَالُوا:

هُوَ أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ ذَاكَ، فَأَلْقَاهُ اللَّهُ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى شَاهَدُوهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى: نُخْرِجُكَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ قَوْمُكَ مِنَ الرُّسُوبِ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، وَنَجْعَلُكَ طَافِيًا لِيُشَاهِدُوكَ مَيِّتًا بِالْغَرَقِ، وَمَعْنَى نُنَحِّيكَ بِالْمُهْمَلَةِ: نَطْرَحُكَ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْأَرْضِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: بِأَبْدَانِكَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى بِبَدَنِكَ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ: بِجَسَدِكَ بَعْدَ سَلْبِ الرُّوحِ مِنْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ:

بِدِرْعِكَ، وَالدِّرْعُ يُسَمَّى بَدَنًا، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:

تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبَغَاتٍ

عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا «1»

أَرَادَ بِالْأَبْدَانِ الدُّرُوعَ، وَقَالَ عَمْرُو بن معدي كرب:

وَمَضَى نِسَاؤُهُمُ بِكُلِّ مَفَاضَةٍ

جَدْلَاءَ سَابِغَةٍ وَبِالْأَبْدَانِ

أَيْ: بِدُرُوعٍ سَابِغَةٍ وَدُرُوعٍ قَصِيرَةٍ وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: أَبْدَانُ، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: بِدِرْعِكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَرَجَّحَ أَنَّ الْبَدَنَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْجَسَدُ. قَوْلُهُ: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً

(1) . اليلب: الدروع اليمانية.

ص: 534

هذا تعليل لتنجيته ببدنه، وفي ذلك دليل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ جَسَدَهُ دُونَ قَوْمِهِ إِلَّا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَا سِوَى، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ: الْعَلَامَةُ، أَيْ: لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ مِنَ النَّاسِ عَلَامَةً يَعْرِفُونَ بِهَا هَلَاكَكَ، وَأَنَّكَ لَسْتَ كَمَا تَدَّعِي، وَيَنْدَفِعَ عَنْهُمُ الشَّكُّ: فِي كَوْنِكَ قَدْ صِرْتَ مَيِّتًا بِالْغَرَقِ وَقِيلَ الْمُرَادُ لِيَكُونَ طَرْحُكَ عَلَى السَّاحِلِ وَحْدَكَ دُونَ الْمُغْرَقِينَ مَنْ قَوْمِكَ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يَعْتَبِرُ بِهَا النَّاسُ، أَوْ يَعْتَبِرُ بِهَا مَنْ سَيَأْتِي مِنَ الْأُمَمِ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ حَتَّى يَحْذَرُوا مِنَ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ هَذَا الذي بلغ إلى مَا بَلَغَ إِلَيْهِ مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا كَانَتْ لَهُ هَذِهِ الْعَاقِبَةُ الْقَبِيحَةُ. وَقُرِئَ: لِمَنْ خَلْفَكَ عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، أَيْ: لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنَ الْقُرُونِ، أَوْ مَنْ خَلَفَكَ فِي الرِّيَاسَةِ، أَوْ فِي السُّكُونِ فِي الْمَسْكَنِ الَّذِي كُنْتَ تَسْكُنُهُ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا الَّتِي تُوجِبُ الِاعْتِبَارَ وَالتَّفَكُّرَ وَتُوقِظُ مِنْ سَنَةِ الْغَفْلَةِ لَغافِلُونَ عَمَّا تُوجِبُهُ الْآيَاتُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلِيَّةٌ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ يَقُولُ: دَمِّرْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِكْهَا وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ قَالَ: اطْبَعْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ

وَهُوَ الْغَرَقُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ:

سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ قَوْلِهِ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ اللَّهَ طَمَسَ عَلَى أَمْوَالِ فِرْعَوْنَ وَآلِ فِرْعَوْنَ حَتَّى صَارَتْ حِجَارَةً، فَقَالَ عُمَرُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى آتِيَكَ، فَدَعَا بِكِيسٍ مَخْتُومٍ فَفَكَّهُ، فَإِذَا فِيهِ الْفِضَّةُ مَقْطُوعَةً كَأَنَّهَا الْحِجَارَةُ، وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ حِجَارَةٌ كُلُّهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ تَحَوَّلَتْ حِجَارَةً مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا، قَالَ: فَاسْتَجَابَ لَهُ وَحَالَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

كَانَ مُوسَى إِذَا دَعَا أَمَّنَ هَارُونُ عَلَى دُعَائِهِ يَقُولُ: آمِينَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّ فِرْعَوْنَ مَكَثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

فَاسْتَقِيمَا: فَامْضِيَا لِأَمْرِي، وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْعَدْوُ وَالْعُتُوُّ وَالْعُلُوُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ: التَّجَبُّرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ آخِرُ أَصْحَابِ مُوسَى وَدَخَلَ آخِرُ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْبَحْرِ أَنِ انْطَبِقْ عليهم، فخرجت أُصْبُعُ فِرْعَوْنَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، قَالَ جِبْرِيلُ: فَعَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ رَحِيمٌ وَخِفْتُ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ، فَرَمَسْتُهُ بِجَنَاحِي وَقُلْتُ:

آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ؟ فَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى وَأَصْحَابُهُ قَالَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ: مَا غَرِقَ فِرْعَوْنُ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَلَكِنَّهُمْ فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ يَتَصَيَّدُونَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْبَحْرِ أَنِ الْفِظْ فِرْعَوْنَ عُرْيَانًا، فَلَفَظَهُ عُرْيَانًا أَصْلَعَ أُخَيْنِسَ قَصِيرًا فَهُوَ قَوْلُهُ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لِمَنْ قال: إن فرعون لم

ص: 535

يغرق، وكانت نجاة عبرة لَمْ تَكُنْ نَجَاةَ عَافِيَةٍ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْبَحْرِ أَنِ الْفِظْ مَا فِيكَ، فَلَفَظَهُمْ عَلَى السَّاحِلِ، وَكَانَ الْبَحْرُ لَا يَلْفِظُ غَرِيقًا فِي بَطْنِهِ حَتَّى يَأْكُلَهُ السَّمَكُ، فَلَيْسَ يَقْبَلُ الْبَحْرُ غَرِيقًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ فَقَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ! لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ «1» الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ» وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

«قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا آمَنَ جَعَلْتُ أَحْشُو فَاهُ حَمَأَةً وَأَنَا أَغُطُّهُ خَشْيَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا، وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِفَنِّ الرِّوَايَةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَلَا يَكَادُ يُمَيِّزُ بَيْنَ أَصَحِّ الصَّحِيحِ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَكْذَبِ الْكَذِبِ مِنْهُ، كَيْفَ يَتَجَارَى عَلَى الْكَلَامِ فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم والحكم بِبُطْلَانِ مَا صَحَّ مِنْهَا، وَيُرْسِلُ لِسَانَهُ وَقَلَمَهُ بِالْجَهْلِ الْبَحْتِ، وَالْقُصُورِ الْفَاضِحِ الَّذِي يَضْحَكُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ لِفَنِّ الْحَدِيثِ، فيا مسكين مالك وَلِهَذَا الشَّأْنِ الَّذِي لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ؟ أَلَا تَسْتُرُ نَفْسَكَ وَتَرْبَعُ عَلَى ضِلَعِكَ، وَتَعْرِفُ بِأَنَّكَ بِهَذَا الْعِلْمِ مِنْ أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ، وَتَشْتَغِلُ بِمَا هُوَ عِلْمُكَ الَّذِي لَا تُجَاوِزُهُ، وَحَاصِلُكَ الَّذِي لَيْسَ لَكَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عِلْمُ اللُّغَةِ وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْعُلُومِ الْآلِيَّةِ، وَلَقَدْ صَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ رحمه الله بِسَبَبِ مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مِنْهُ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ سُخْرَةً لِلسَّاخِرِينَ وَعِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ، فَتَارَةً يَرْوِي فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعَاتِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهَا مَوْضُوعَاتٌ، وَتَارَةً يَتَعَرَّضُ لِرَدِّ مَا صَحَّ، وَيَجْزِمُ بِأَنَّهُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَالْبُهْتِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَلْتَحِقُ بِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ كُلُّهَا أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ حُجَجٌ، وَأَدْنَى نَصِيبٍ مِنْ عَقْلٍ يَحْجُرُ صَاحِبَهُ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي عِلْمٍ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَدْرِي بِهِ أَقَلَّ دِرَايَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ مِنْ عُلُومِ الِاصْطِلَاحِ الَّتِي يَتَوَاضَعُ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَيَصْطَلِحُونَ عَلَى أُمُورٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَمَا بَالُكَ بِعِلْمِ السُّنَّةِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ كِتَابِ اللَّهِ، وَقَائِلُهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَرَاوِيهِ عَنْهُ خَيْرُ الْقُرُونِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَكُلُّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ وَكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِهِ يَثْبُتُ بِهَا شَرْعٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ قَالَ: أَنْجَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ من البحر فنظروا إليه بعد ما غَرِقَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بِجَسَدِكَ، قَالَ: كَذَّبَ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَوْتِ فِرْعَوْنَ، فَأُلْقِيَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ حَتَّى يَرَاهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ ثَوْرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ

(1) . قال في القاموس: الحال: الطين الأسود.

ص: 536