الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ» . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ الْبَرَاءِ مِثْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: فَضْلُهُ: الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ: الْقُرْآنُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وابن أبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: بِفَضْلِ اللَّهِ:
الْقُرْآنُ، وَبِرَحْمَتِهِ: حِينَ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَحْوُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الأموال والحرث والأنعام.
[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63)
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
أَشَارَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَخْ، إِلَى طَرِيقٍ أُخْرَى غير ما تقدّم من إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّكُمْ تَحْكُمُونَ بِتَحْلِيلِ الْبَعْضِ وَتَحْرِيمِ الْبَعْضِ، فَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَالْهَوَى:
فَهُوَ مَهْجُورٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لِاعْتِقَادِكُمْ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فِيكُمْ وَفِيمَا رَزَقَكُمْ: فَلَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِطَرِيقٍ مُوَصِّلَةٍ إِلَى اللَّهِ، وَلَا طَرِيقَ يَتَبَيَّنُ بِهَا الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ، ومعنى أرأيتم: أخبروني، وما في محل نصب بأرأيتم الْمُتَضَمِّنِ لِمَعْنَى أَخْبِرُونِي وَقِيلَ:
إِنَّ مَا فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهَا: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ وقُلْ فِي قَوْلِهِ: قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ تَكْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ، وَمَجْمُوعُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فِي محل نصب بأرأيتم، وَالْمَعْنَى: أَخْبِرُونِي الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ مِنْ رِزْقٍ، فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا، آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ؟ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ؟ وعلى الوجهين: فمن فِي: مِنْهُ حَرَامًا، لِلتَّبْعِيضِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَجَعَلْتُمْ بَعْضَهُ حَرَامًا وَجَعَلْتُمْ بَعْضَهُ حَلَالًا، وَذَلِكَ كَمَا كَانُوا يفعلونه في الأنعام حسبما سبق ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَعْنَى إِنْزَالِ الرِّزْقِ:
كَوْنُ الْمَطَرِ يَنْزِلُ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ، وَكَذَلِكَ يُقْضَى الْأَمْرُ فِي أَرْزَاقِ الْعِبَادِ فِي السَّمَاءِ عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ ذِكْرِهِ سبحانه وتعالى لِكُلِّ شَيْءٍ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّ مَا فِي موضع نصب بأنزل، وَأَنْزَلَ بِمَعْنَى: خَلَقَ، كَمَا قَالَ: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «1» وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ «2»
(1) . الزمر: 6.
(2)
. الحديد: 25.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُهُ: قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ؟ مُسْتَأْنَفًا، قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ فِي: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ للإنكار، وأم مُنْقَطِعَةً بِمَعْنَى: بَلْ أَتَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ، وَإِظْهَارُ الِاسْمِ الشَّرِيفِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْفِعْلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الِافْتِرَاءِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مَا يَصُكُّ مَسَامِعَ الْمُتَصَدِّرِينَ لِلْإِفْتَاءِ لِعِبَادِ اللَّهِ فِي شَرِيعَتِهِ، بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، مَعَ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ حُجَجَ اللَّهِ، وَلَا يُفْهَمُونَهَا، وَلَا يَدْرُونَ مَا هِيَ، وَمَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ الْحِكَايَةُ لِقَوْلِ قَائِلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ قَلَّدُوهُ فِي دِينِهِمْ، وَجَعَلُوهُ شَارِعًا مُسْتَقِلًّا، مَا عَمِلَ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَهُمْ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ بَلَغَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ حَقَّ فَهْمِهِ أَوْ فَهِمَهُ وَأَخْطَأَ الصَّوَابَ فِي اجْتِهَادِهِ وَتَرْجِيحِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ عِنْدَهُمُ الْمَرْفُوعِ حُكْمُهُ عَنِ الْعِبَادِ، مَعَ كَوْنِ مَنْ قَلَّدُوهُ مُتَعَبَّدًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ كَمَا هُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِهَا وَمَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَحْكَامِهَا كَمَا هُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِهَا، وَقَدِ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَفَازَ بِأَجْرَيْنِ مَعَ الْإِصَابَةِ وَأَجْرٍ مَعَ الْخَطَأِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي جَعْلِهِمْ لِرَأْيِهِ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ شَرِيعَةً مُسْتَقِلَّةً، وَدَلِيلًا مَعْمُولًا بِهِ، وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي هَذَا خَطَأً بَيِّنًا، وَغَلَطُوا غَلَطًا فَاحِشًا، فَإِنَّ التَّرْخِيصَ لِلْمُجْتَهِدِ فِي اجْتِهَادِ رَأْيِهِ يَخُصُّهُ وَحْدَهُ، وَلَا قَائِلَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَدِّ بِأَقْوَالِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ تَقْلِيدًا لَهُ وَاقْتِدَاءً بِهِ. وَمَا جَاءَ بِهِ الْمُقَلِّدَةُ في تقوّل هَذَا الْبَاطِلِ، فَهُوَ مِنَ الْجَهْلِ الْعَاطِلِ، اللَّهُمَّ كما رزقتنا من العلم ما تميز بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَارْزُقْنَا مِنَ الْإِنْصَافِ مَا نَظْفَرُ عِنْدَهُ بِمَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَكَ يَا وَاهِبَ الْخَيْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ ظَنُّهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟
وَمَا يُصْنَعُ بِهِمْ فِيهِ؟ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِتَعْظِيمِ الْوَعِيدِ لَهُمْ غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ الْقَوْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ، بَلْ مُبْتَدَأَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، ويَوْمَ الْقِيامَةِ:
مَنْصُوبٌ بِالظَّنِّ، وَذِكْرُ الْكَذِبِ بَعْدَ الِافْتِرَاءِ، مَعَ أَنَّ الِافْتِرَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا كَذِبًا لزيادة التأكيد. وقرأ عيسى ابن عُمَرَ: وَما ظَنُّ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ الْوَاصِلَةِ إِلَيْهِمْ مِنْهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَطَرْفَةٍ مِنَ الطَّرَفَاتِ. قَوْلُهُ: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ الْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا نَافِيَةٌ، وَالشَّأْنُ:
الْأَمْرُ، بِمَعْنَى: الْقَصْدِ، وأصله الهمز، وجمعه شؤون. قَالَ الْأَخْفَشُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا شَأَنْتُ شَأْنَهُ: أي ما عملت عمله وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الشَّأْنِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: تِلَاوَةً كَائِنَةً مِنْهُ، إذ التلاوة للقرآن من أعظم شؤونه صلى الله عليه وسلم وَالْمَعْنَى:
أَنَّهُ يَتْلُو- مِنْ أَجْلِ الشَّأْنِ الَّذِي حَدَثَ- الْقُرْآنُ فَيَعْلَمُ كَيْفَ حُكْمُهُ، أَوْ يتلو القرآن الذي فِي ذَلِكَ الشَّأْنِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ فِي مِنْهُ إِلَى الْكِتَابِ،: أَيْ: مَا يَكُونُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قُرْآنٍ، وأعاده تفخيما له كقوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ «1» ، وَالْخِطَابُ فِي: وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ لِرَسُولِ اللَّهِ وَلِلْأُمَّةِ وَقِيلَ:
الْخِطَابُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ لِلْمُخَاطَبِينَ، أَيْ: شُهُودًا عَلَيْكُمْ بِعَمَلِهِ مِنْكُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي: فِيهِ، مِنْ قَوْلِهِ: تُفِيضُونَ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْعَمَلِ، يُقَالُ: أَفَاضَ فُلَانٌ فِي الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ: إِذَا انْدَفَعَ فِيهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الضَّمِيرُ فِي فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْمَعْنَى: إذ تشيعون
(1) . طه: 14.
فِي الْقُرْآنِ الْكَذِبَ. قَوْلُهُ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ:
يَعْزِبُ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالضَّمِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَمَعْنَى يَعْزُبُ: يَغِيبُ، وَقِيلَ:
يَبْعُدُ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: يذهب، وهذه المعاني متقاربة، ومن: فِي مِنْ مِثْقالِ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ:
وَمَا يَغِيبُ عَنْ رَبِّكَ وَزْنُ ذَرَّةٍ، أَيْ: نَمْلَةٍ حَمْرَاءَ، وَعَبَّرَ بِالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ لَا فِيهِمَا وَلَا فِيمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُمَا، لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُشَاهِدُونَ سِوَاهُمَا وَسِوَى مَا فِيهِمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَدَّمَ الْأَرْضَ عَلَى السَّمَاءِ: لِأَنَّهَا مَحَلُّ اسْتِقْرَارِ الْعَالَمِ فَهُمْ يُشَاهِدُونَ مَا فِيهَا مِنْ قُرْبٍ، وَالْوَاوُ فِي وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ لِلْعَطْفِ عَلَى لَفْظِ مِثْقَالِ، وَانْتَصَبَا لِكَوْنِهِمَا مُمْتَنِعَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَلَى ذَرَّةٍ، وَقِيلَ:
انْتِصَابُهُمَا بِلَا الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَالْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَلَيْسَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ وَمَا يَعْزُبُ، وَخَبَرُ لَا: إِلَّا فِي كِتابٍ وَالْمَعْنَى: وَلَا أَصْغَرَ مِنْ مِثْقَالِ الذَّرَّةِ وَلَا أَكْبَرَ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ فَكَيْفَ يَغِيبُ عَنْهُ؟ وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَحَمْزَةُ: بِرَفْعِ أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ مِنْ مِثْقَالِ، وَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ، وَقَدْ أُورِدَ عَلَى تَوْجِيهِ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى لَفْظِ مِثْقَالٍ وَمَحَلِّهِ أَوْ عَلَى لَفْظِ ذَرَّةٍ إِشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا فِي كِتَابٍ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي فِي الْكِتَابِ خَارِجًا عَنْ عِلْمِ اللَّهِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ: بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمَخْلُوقَةَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ أَوْجَدَهُ اللَّهُ ابتداء من غير واسطة، كخلق الملائكة والسموات وَالْأَرْضِ وَقِسْمٌ آخَرُ أَوْجَدَهُ بِوَاسِطَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ حَوَادِثِ عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ مُتَبَاعِدٌ فِي سِلْسِلَةِ الْعِلِّيَّةِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْأَوَّلِ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ عَنْ مَرْتَبَةِ وُجُودِهِ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ أَثْبَتَ فِيهِ صُورَةَ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ، وَالْغَرَضُ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْجُزْئِيَّاتِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّ الاستثناء منقطع، أي: ولكن هُوَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ: أَنَّ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلا أَكْبَرَ ثُمَّ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ أَيْ: وَهُوَ أَيْضًا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وَالْعَرَبُ قَدْ تَضَعُ إِلَّا مَوْضِعَ الْوَاوِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي لَا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ- إِلَّا مَنْ ظَلَمَ «1» يَعْنِي: وَمَنْ ظَلَمَ، وَقَوْلُهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا «2» أَيْ: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا، وَقُدِّرَ هُوَ بَعْدَ الْوَاوِ الَّتِي جَاءَتْ إِلَّا بِمَعْنَاهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَقُولُوا حِطَّةٌ «3» أَيْ: هِيَ حِطَّةٌ، وَمِثْلُهُ:
وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ «4» وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «5» . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الرَّفْعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ، وَخَبَرُهُ: إِلَّا فِي كِتابٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، وَاخْتَارَ فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْجُمْهُورُ: أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ بِلَا الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَاسْتَشْكَلَ الْعَطْفَ بِنَحْوِ مَا قَدَّمْنَا. ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ إِحَاطَتَهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِقُلُوبِ الْمُطِيعِينَ، وَكَسْرٌ لِقُلُوبِ الْعَاصِينَ، ذَكَرَ حَالَ الْمُطِيعِينَ، فَقَالَ: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
الْوَلِيُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَرِيبُ. وَالْمُرَادُ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ: خُلَّصُ الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّهُمْ قُرِّبُوا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ. وَقَدْ فَسَّرَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ أي:
(1) . النحل: 10 و 11.
(2)
. البقرة: 150.
(3)
. البقرة: 58.
(4)
. النساء: 171.
(5)
. الأنعام: 59.
يُؤْمِنُونَ بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَيَتَّقُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّقَاؤُهُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الْخَوْفِ عَنْهُمْ:
أَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ أَبَدًا كَمَا يَخَافُ غَيْرُهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَدْ قَامُوا بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَانْتَهَوْا عَنِ الْمَعَاصِي الَّتِي نَهَاهُمْ عَنْهَا، فَهُمْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَحُسْنِ ظَنٍّ بِرَبِّهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَحْزَنُونَ عَلَى فَوْتِ مَطْلَبٍ مِنَ الْمَطَالِبِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فَيُسَلِّمُونَ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَيُرِيحُونَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْهَمِّ وَالْكَدَرِ، فَصُدُورُهُمْ مُنْشَرِحَةٌ، وَجَوَارِحُهُمْ نَشِطَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مَسْرُورَةٌ وَمَحَلُّ الْمَوْصُولِ: النَّصْبُ، عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَوْلِيَاءَ، أَوِ الرَّفْعُ: عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ: وَخَبَرُهُ: لَهُمُ الْبُشْرَى، فَيَكُونُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِمَا قَبْلَهُ، أَوِ النَّصْبُ أَيْضًا عَلَى المدح أو على أنه وصف لأولياء. قوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى كَوْنِهِمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، أَيْ: لَهُمُ الْبُشْرَى مِنَ اللَّهِ مَا دَامُوا فِي الْحَيَاةِ بِمَا يُوحِيهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ، وَيُنْزِلُهُ فِي كُتُبِهِ، مِنْ كَوْنِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَهُ هُوَ إِدْخَالُهُمُ الْجَنَّةَ وَرِضْوَانُهُ عَنْهُمْ، كَمَا وَقَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْبِشَارَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَكَذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ، وَمَا يَتَفَضَّلُ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ إِجَابَةِ دُعَائِهِمْ، وَمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنَ التَّبْشِيرِ لَهُمْ عِنْدَ حُضُورِ آجَالِهِمْ بِتَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ قَائِلِينَ لَهُمْ: لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ وَأَمَّا الْبُشْرَى فِي الْآخِرَةِ: فَتَلَقِّي الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ مُبَشِّرِينَ بِالْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ. وَالْبُشْرَى: مَصْدَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَشَّرُ بِهِ، وَالظَّرْفَانِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَحَالَ كَوْنِهِمْ في الآخرة، ومعنى:
تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
لَا تَغْيِيرَ لِأَقْوَالِهِ عَلَى الْعُمُومِ، فَيَدْخُلُ فِيهَا مَا وَعَدَ بِهِ عِبَادَهُ الصالحين دخولا أوّليا، والإشارة بقوله: لِكَ
إِلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِمْ مُبَشَّرِينَ بِالْبِشَارَتَيْنِ في الدارين وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ
الَّذِي لَا يُقَادَرُ قَدَرُهُ وَلَا يُمَاثِلُهُ غيره، والجملتان: أعني: تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
ولِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
اعْتِرَاضٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ، وَفَائِدَتُهُمَا: تَحْقِيقُ الْمُبَشَّرِ بِهِ وَتَعْظِيمُ شَأْنِهِ، أَوِ الْأُولَى:
اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ: تَذْيِيلِيَّةٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ كَانُوا يُحِلُّونَ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ما شاؤوا، ويحرّمون ما شاؤوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عنه فِي قَوْلِهِ: إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ قَالَ:
إِذْ تَفْعَلُونَ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ قَالَ: لَا يَغِيبُ عَنْهُ وَزْنُ ذَرَّةٍ. وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ قَالَ: هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَبِّ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُمُ الذين إذا رأوا ذُكِرَ اللَّهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا وموقوفا قال: هم الذين إذا رأوا يُذْكَرُ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَالْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَرْفُوعًا، وَهُوَ مرسل. وروي
نَحْوُهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجُمُوحِ أنه سمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَحِقُّ الْعَبْدُ حَقَّ صَرِيحِ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ، فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِينَ يُذْكَرُونَ بِذِكْرِي وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِمْ» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذُكِرَ اللَّهُ، وَشَرَارُ عِبَادِهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ» . وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ الترمذي عن عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خِيَارُكُمْ مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَرَغَّبَكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ» . وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِالْأَنْبِيَاءِ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرْبِهِمْ وَمَجْلِسِهِمْ مِنْهُ، فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يا رسول الله! صفهم لنا، وحلهم لَنَا؟ قَالَ: قَوْمٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ مِنْ نُزَّاعِ الْقَبَائِلِ، تَصَافَوْا فِي اللَّهِ وَتَحَابُّوا فِي اللَّهِ، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ، يَخَافُ النَّاسُ وَلَا يَخَافُونَ، هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
«سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ الْآيَةَ فَقَالَ: الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ أَحَادِيثُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بِالْآيَةِ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وأحمد والترمذي وحسنه والحكيم فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ معنى قوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ منذ أنزلت عَلَيَّ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، فَهِيَ: بُشْرَاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. وَبُشْرَاهُ فِي الْآخِرَةِ: الْجَنَّةُ» . وَفِي إِسْنَادِهِ هَذَا الرَّجُلُ الْمَجْهُولُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارِمَيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
«سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُبَشَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، فَمَنْ رَأَى ذَلِكَ فَلْيُخْبِرْ بِهَا» . الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْآيَةِ قَالَ: «هِيَ فِي الدُّنْيَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى له،