المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيه:

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 109 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 55]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 137 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 143 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 159 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 187 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 193 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 43 الى 44]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 69]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌سورة التّوبة

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 42]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 66]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9) : آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 91 الى 93]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 94 الى 99]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 106]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 110]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 115 الى 119]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 122 الى 123]

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 124 الى 129]

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 17 الى 19]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 20 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 30]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 49]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 50 الى 58]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 59 الى 64]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 75 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 92]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 101 الى 109]

- ‌سُورَةُ هُودٍ

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 9 الى 17]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 45 الى 49]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 76]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 95]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 96 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 115]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 123]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

وَما أَكَلَ السَّبُعُ يَقُولُ: مَا أَخَذَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ يَقُولُ: ذَبَحْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ رُوحٌ فَكُلُوهُ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ قَالَ: النُّصُبُ أَنْصَابٌ كَانُوا يَذْبَحُونَ وَيُهِلُّونَ عَلَيْهَا وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ قَالَ:

هِيَ الْقِدَاحُ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ. ذلِكُمْ فِسْقٌ يَعْنِي مَنْ أَكَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَهُوَ فِسْقٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: الرَّدَاةُ الَّتِي تَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ قَالَ: حَصَى بِيضٍ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ سَفَرًا يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاحٍ ثَلَاثَةٍ يَكْتُبُونَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا: أَمَرَنِي، وَعَلَى الْآخَرِ: نَهَانِي، وَيَتْرُكُونَ الثَّالِثَ مُخَلَّلًا بَيْنَهُمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُجِيلُونَهَا، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ أَمَرَنِي، مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ نَهَانِي، كَفُّوا، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَعَادُوهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قَالَ: يَئِسُوا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ أَبَدًا. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ يَئِسَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ أَبَدًا فَلا تَخْشَوْهُمْ فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ وَاخْشَوْنِ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ وَالْمُسْلِمُونَ يَدْعُونَ اللَّهَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يَقُولُ: حَلَالُكُمْ وَحَرَامُكُمْ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي قَالَ: مِنَّتِي، فَلَمْ يَحُجَّ مَعَكُمْ مُشْرِكٌ وَرَضِيتُ يَقُولُ: اخْتَرْتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَحَدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ:

أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمُ الْإِيمَانَ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَةٍ أَبَدًا، وَقَدْ أَتَمَّهُ فَلَا يَنْقُصُ أَبَدًا، وَقَدْ رَضِيَهُ فَلَا يُسْخِطُهُ أَبَدًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ طَارِقِ بْنِ شهاب قال: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالُوا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عشيّة عرفة في يوم جمعة. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَنِ اضْطُرَّ يَعْنِي إِلَى مَا حُرِّمَ مِمَّا سُمِّيَ فِي صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَخْمَصَةٍ يَعْنِي فِي مَجَاعَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ يَقُولُ: غَيْرَ متعمّد لإثم.

[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]

يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5)

ص: 15

هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ بَيَانِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ. قَوْلُهُ:

مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ أَيُّ شَيْءٍ أُحِلَّ لَهُمْ؟ أَوْ مَا الَّذِي أُحِلَّ لَهُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ إِجْمَالًا وَمِنَ الصَّيْدِ وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ نِسَائِهِمْ؟ قَوْلُهُ: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ هِيَ مَا يَسْتَلِذُّهُ آكِلُهُ وَيَسْتَطِيبُهُ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَقِيلَ: هِيَ الْحَلَالُ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَقِيلَ: الطَّيِّبَاتُ: الذَّبَائِحُ لِأَنَّهَا طَابَتْ بِالتَّذْكِيَةِ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ، وَالسَّبَبُ وَالسِّيَاقُ لَا يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ هو مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّيِّبَاتِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ لِتَصْحِيحِ الْمَعْنَى: أَيْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَّمْتُمْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ عُلِّمْتُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَوَارِحِ وَالصَّيْدِ بِهَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ مَنْ صَنَّفَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَنَاوَلَتْ مَا عَلَّمْنَا مِنَ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْكَلْبَ وَسَائِرَ جَوَارِحِ الطَّيْرِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ إِبَاحَةَ سَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بِسَائِرِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ: وَهُوَ الْأَكْلُ مِنَ الْجَوَارِحِ.

أَيِ الْكَوَاسِبُ مِنَ الْكِلَابِ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ. قَالَ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ، وَعَلَّمَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ صَيْدِهِ الَّذِي صَادَهُ، وَأَثَّرَ فِيهِ بِجُرْحٍ أَوْ تَنْيِيبٍ، وَصَادَ بِهِ مُسْلِمٌ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ إِرْسَالِهِ أَنَّ صيده صحيح يؤكل بلا خلاف. فإن انخزم شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ دَخَلَ الْخِلَافُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُصَادُ بِهِ غَيْرُ كَلْبٍ كَالْفَهْدِ وما أشبه، وَكَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الطَّيْرِ فَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا صَادَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَهُوَ جَارِحٌ كَاسِبٌ، يُقَالُ: جُرِحَ فُلَانٌ وَاجْتَرَحَ: إِذَا اكْتَسَبَ، وَمِنْهُ الْجَارِحَةُ لِأَنَّهُ يُكْتَسَبُ بِهَا، وَمِنْهُ اجْتِرَاحُ السَّيِّئَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ «1» . وَقَوْلُهُ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ

«2» . قَوْلُهُ: مُكَلِّبِينَ حَالٌ، وَالْمُكَلِّبُ: مُعَلِّمُ الْكِلَابِ لِكَيْفِيَّةِ الِاصْطِيَادِ، وَالْأَخَصُّ مُعَلِّمُ الْكِلَابِ وَإِنْ كَانَ مُعَلِّمَ سَائِرِ الْجَوَارِحِ مِثْلَهُ، لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِالْكِلَابِ هُوَ الْغَالِبُ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مَعَ أَنَّ التَّكْلِيبَ هُوَ التَّعْلِيمُ، لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ التَّعْلِيمِ وَقِيلَ: إِنَّ السَّبُعَ يُسَمَّى كَلْبًا فَيَدْخُلُ كُلُّ سَبْعٍ يُصَادُ بِهِ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةً بِالْكِلَابِ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا يُصَادُ بِالْبُزَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّيْرِ فَمَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ، وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الْبَازِي هَلْ يَحِلُّ صَيْدُهُ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ هِيَ الْكِلَابُ خَاصَّةً، فإن كان الكلب الأسود بَهِيمًا فَكَرِهَ صَيْدَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالنَّخَعِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ إِذَا كَانَ بَهِيمًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ. فَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ فَيَرَوْنَ جَوَازَ صَيْدِ كُلِّ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ، وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، والحق أنه يَحِلَّ صَيْدُ كُلِّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ الْجَوَارِحِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكِلَابِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ سُؤَالُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ صَيْدِ الْبَازِي كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ: أَيْ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ مِمَّا أَدْرَكْتُمُوهُ بِمَا خَلَقَهُ فيكم من العقل الذي تهتدون به

(1) . الأنعام: 60.

(2)

. الجاثية: 21.

ص: 16

إِلَى تَعْلِيمِهَا وَتَدْرِيبِهَا حَتَّى تَصِيرَ قَابِلَةً لِإِمْسَاكِ الصَّيْدِ عِنْدَ إِرْسَالِكُمْ لَهَا. قَوْلُهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ، وَالْجُمْلَةُ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْلِيلِ صَيْدِ مَا عَلَّمُوهُ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ: مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ لِلتَّبْعِيضِ، لِأَنَّ بَعْضَ الصَّيْدِ لَا يُؤْكَلُ كَالْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَمَا أَكَلَهُ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُمْسِكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ الصَّيْدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْجَارِحُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ. وَقَالَ عَطَاءُ ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ:«إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا:«فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» . وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرْسَلَتْ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» . وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ، فَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ إِنْ أَكَلَ عَقِبَ مَا أَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَإِنْ أَمْسَكَهُ ثُمَّ انْتَظَرَ صَاحِبَهُ فَطَالَ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ وَجَاعَ فَأَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ لِجُوعِهِ لَا لِكَوْنِهِ أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْثَرُ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الصَّيْدُ، وَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ حُرِّمَ لِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وَإِنْ أَكَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَحْرُمْ لِلْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقِيلَ: يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى مَا إِذَا أَمْسَكَهُ وَخَلَّاهُ، ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ.

وَقَدْ سَلَكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ وَلَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ الْجَمْعِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْبُعْدِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَقَدْ قَرَّرْتُ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي شَرْحِي لِلْمُنْتَقَى بِمَا يَزِيدُ النَّاظِرَ فِيهِ بَصِيرَةً. قَوْلُهُ: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ يَعُودُ إِلَى مَا عَلَّمْتُمْ أي سمّوا عليه عند إرساله، أو مما أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ. أَيْ سَمُّوا عَلَيْهِ إِذَا أَرَدْتُمْ ذَكَاتَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ إِرْسَالِ الْجَارِحِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ:

«إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَإِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ» . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمُرَادَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْأَكْلِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الْإِرْشَادُ إِلَى التَّسْمِيَةِ وَهَذَا خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قَدْ وَقَّتَ التَّسْمِيَةَ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَإِرْسَالِ السَّهْمِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ حُكْمٌ آخَرُ، وَمَسْأَلَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُنَا عَلَى مَا وَرَدَ فِي التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَلَا مُلْجِئَ إِلَى ذَلِكَ، وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ:«إِنْ أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَكُلْ» . وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ فَقَطْ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ عَلَى الذَّاكِرِ لَا النَّاسِي، وَهَذَا أَقْوَى الْأَقْوَالِ وَأَرْجَحُهَا. قَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ

ص: 17

أَيْ حِسَابُهُ سُبْحَانَهُ سَرِيعٌ إِتْيَانُهُ وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ. قَوْلُهُ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ قَوْلُهُ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الطَّيِّبَاتِ. قَوْلُهُ: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ الطَّعَامُ: اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ، وَمِنْهُ الذَّبَائِحُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى تَخْصِيصِهِ هُنَا بِالذَّبَائِحِ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ طَعَامِ أَهْلِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَذْكُرُونَ عَلَى ذَبَائِحِهِمُ اسْمَ اللَّهِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ، وَإِنْ ذَكَرَ الْيَهُودِيُّ عَلَى ذَبِيحَتِهِ اسْمَ عُزَيْرٍ، وَذَكَرَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى ذَبِيحَتِهِ اسْمَ الْمَسِيحِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَعِبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ: إِذَا سَمِعْتَ الْكِتَابِيَّ يُسَمِّي غَيْرَ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلْ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالْحَسَنُ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «1» وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ:

وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. فَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ذَكَرُوا عَلَى ذَبَائِحِهِمُ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَقَدْ حَكَى الْكِيَا الطَّبَرِيُّ «2» وَابْنُ كَثِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّهَا لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ أَكْلِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشَّاةِ الْمَصْلِيَّةِ الَّتِي أَهْدَتْهَا إِلَيْهِ الْيَهُودِيَّةُ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَابُ الشَّحْمُ الَّذِي أَخَذَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ خَيْبَرَ وَعَلِمَ بذلك النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَأَمَّا الْمَجُوسُ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَبُو ثَوْرٍ كَاسْمِهِ، يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِمَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَجُوسِ:«سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ لَهُ أَصْلًا فَفِيهِ زِيَادَةٌ تَدْفَعُ مَا قَالَهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ:«غَيْرَ آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ وَلَا نَاكِحِي نِسَائِهِمْ» . وَقَدْ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِفَنِّ الْحَدِيثِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ وَلَا الزِّيَادَةُ، بَلِ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَأَمَّا بَنُو تَغْلَبَ فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحِهِمْ لِأَنَّهُمْ عَرَبٌ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْعَرَبِ الْمُتَنَصِّرَةِ كَتَنُوخَ وَجُذَامٍ وَلَخْمٍ وَعَامِلَةَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلَبَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَالَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ إِنَّ ذَبِيحَةَ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ حَلَالٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَنِي تَغْلَبَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ. قَالَ: وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ كَالطَّعَامِ يَجُوزُ أَكْلُهُ. قَوْلُهُ: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أَيْ وَطَعَامُ الْمُسْلِمِينَ حَلَالٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُطْعِمُوا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُكَافَأَةِ وَالْمُجَازَاةِ وَإِخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ من أعراض الطعام حلال

(1) . الأنعام: 121.

(2)

. هو علي بن محمد بن علي، أبو الحسن الطبري، المعروف بالكيا الهرّاسي، فقيه، مفسّر (ت 504 هـ) .

ص: 18

لَهُمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ. قَوْلُهُ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمُحْصَنَاتِ هُنَا، فَقِيلَ:

الْعَفَائِفُ، وَقِيلَ: الْحَرَائِرُ. وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَبِهِ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ. وَالْمُحْصَنَاتُ مُبْتَدَأٌ، وَمِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَصْفٌ لَهُ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ حِلٌّ لَكُمْ، وَذَكَرَهُنَّ هُنَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْحَرَائِرُ دُونَ الْإِمَاءِ، هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَعُمُّ كُلَّ كِتَابِيَّةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَقِيلَ:

الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:

لَا تَحِلُّ النَّصْرَانِيَّةُ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ: رَبُّهَا عِيسَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الْآيَةَ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُخَصِّصَةٌ لِلْكِتَابِيَّاتِ مِنْ عُمُومِ الْمُشْرِكَاتِ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ حَرَّمَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ حَمَلَهَا عَلَى الْحَرَائِرِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:

فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالَفَهُمْ مَنْ قَالَ:

إِنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ أَوْ تَخُصُّ الْعَفَائِفَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ الْحُرَّةُ الْعَفِيفَةُ مِنَ الْكِتَابِيَّاتِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَيَدْخُلُ تَحْتَهَا الْحُرَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِعَفِيفَةٍ وَالْأَمَةُ الْعَفِيفَةُ، عَلَى قَوْلِ من يقول: إنه يجوز استعمال المشترك فِي كِلَا مَعْنَيَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلَ الْمُحْصَنَاتِ هُنَا عَلَى الْحَرَائِرِ لَمْ يَقُلْ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَفِيفَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَيَقُولُ: بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَإِنْ حَمَلَ الْمُحْصَنَاتُ هُنَا عَلَى الْعَفَائِفِ قَالَ: بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ وَالْأَمَةِ الْعَفِيفَةِ دُونَ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أَيْ مُهُورَهُنَّ، وَجَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ: أَيْ فَهُنَّ حَلَالٌ، أَوْ هِيَ ظَرْفٌ لِخَبَرِ الْمُحْصَنَاتِ الْمُقَدَّرِ: أَيْ حِلٌّ لَكُمْ. قَوْلُهُ: مُحْصِنِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ: أَيْ حَالَ كَوْنِكُمْ أَعِفَّاءَ بِالنِّكَاحِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: غَيْرَ مُسافِحِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُحْصِنِينَ أَوْ صِفَةٌ لِمُحْصِنِينَ، وَالْمَعْنَى: غَيْرُ مُجَاهِرِينَ بِالزِّنَا. قَوْلُهُ: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرَ مُسافِحِينَ أَوْ عَلَى مُسافِحِينَ. وَلا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْخِدْنُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا مَعْشُوقَاتٍ، فَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ فِي الرِّجَالِ الْعِفَّةَ وَعَدَمَ الْمُجَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَعَدَمَ اتِّخَاذِ أَخْدَانٍ، كَمَا شَرَطَ فِي النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ مُحْصَنَاتٍ.

وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ أَيْ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ أَيْ بَطَلَ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ وَقَرَأَ ابن السّميقع فَقَدْ حَبَطَ بِفَتْحِ الْبَاءِ اه.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فِي النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَدِيَّ ابن حَاتِمٍ وَزَيْدَ بْنَ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ سَأَلَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ، فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسأله،

ص: 19