الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ يُصَلُّونَ رُفِعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: الْأَوَّاهُ:
الرَّحِيمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُنِيبُ: الْمُقْبِلُ إِلَى طَاعَةَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ قال: المنيب: المخلص.
[سورة هود (11) : الآيات 77 الى 83]
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
لَمَّا خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَقَرْيَةِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، جَاءُوا إِلَى لُوطٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ لُوطٌ، وَكَانُوا فِي صُورَةِ غِلْمَانٍ حِسَانٍ مُرْدٍ سِيءَ بِهِمْ أَيْ: سَاءَهُ مَجِيئُهُمْ، يُقَالُ: سَاءَهُ يسوءه، وأصل سيئ بِهِمْ: سُوِئَ بِهِمْ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إِلَى السِّينِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَلَمَّا خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ أُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى الْيَاءِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بِإِشْمَامِ السِّينِ الضَّمَّ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الذَّرْعُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الطَّاقَةِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْبَعِيرَ يَذْرَعُ بِيَدِهِ فِي سَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ سِعَةِ خَطْوِهِ: أَيْ:
يَبْسُطُهَا، فَإِذَا حُمِلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ طَاقَتِهِ ضَاقَ ذَرْعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَجُعِلَ ضِيقُ الذَّرْعِ كِنَايَةً عَنْ قِلَّةِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ وَشِدَّةِ الْأَمْرِ وقيل: هو من: ذرعه القيء: إذا غلب وَضَاقَ عَنْ حَبْسِهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ ضَاقَ صَدْرُهُ لَمَّا رَأَى الْمَلَائِكَةَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ فِسْقِهِمْ وَارْتِكَابِهِمْ لِفَاحِشَةِ اللِّوَاطِ وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي: شديد. قال الشاعر:
وإنّك إلّا تَرْضَ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ
…
يَكُنْ لَكَ يَوْمٌ بالعراق عصيب
يقال: عصيب وعصبصب وَعَصَوْصَبٌ عَلَى التَّكْثِيرِ: أَيْ يَوْمٌ مَكْرُوهٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الشَّرُّ، وَمِنْهُ قِيلَ عُصْبَةٌ وَعِصَابَةٌ: أَيْ مُجْتَمِعُو الْكَلِمَةِ، وَرَجُلٌ مَعْصُوبٌ: أَيْ مُجْتَمِعُ الْخَلْقِ وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أَيْ:
جَاءُوا لُوطًا، الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَمَعْنَى يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَا يَكُونُ الْإِهْرَاعُ إلا إسراع مَعَ رِعْدَةٍ، يُقَالُ أَهْرَعَ الرَّجُلُ إِهْرَاعًا: أَيْ أَسْرَعَ فِي رِعْدَةٍ مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَضَبٍ أو حمى، قال مهلهل:
فجاؤوا يهرعون وهم أسارى
…
نقودهم عَلَى رَغْمِ الْأُنُوفِ
وَقِيلَ يُهْرَعُونَ: يُهَرْوِلُونَ، وَقِيلَ: هُوَ مَشْيٌ بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْعَدْوِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَجِيءُ الْمَلَائِكَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَسْرَعُوا إِلَيْهِ، كَأَنَّمَا يُدْفَعُونَ دَفْعًا لِطَلَبِ الْفَاحِشَةِ مِنْ أَضْيَافِهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَيْ: وَمِنْ قَبْلِ مَجِيءِ الرُّسُلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ وَقِيلَ: وَمِنْ قَبْلِ لُوطٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، أَيْ: كَانَتْ عَادَتُهُمْ إِتْيَانَ الرِّجَالِ، فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى لُوطٍ، وَقَصَدُوا أَضْيَافَهُ لذلك العمل، قام إليهم لوط مدافعا وقالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ أَيْ: تَزَوَّجُوهُنَّ، وَدَعُوا مَا تَطْلُبُونَهُ مِنَ الْفَاحِشَةِ بِأَضْيَافِي، وَقَدْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، وَقِيلَ: اثْنَتَانِ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَهُمْ بِهِنَّ فَيَمْتَنِعُ لِخُبْثِهِمْ، وَكَانَ لَهُمْ سَيِّدَانِ مُطَاعَانِ فَأَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُمَا بِنْتَيْهِ وَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: هؤُلاءِ بَناتِي النِّسَاءَ جُمْلَةً، لِأَنَّ نَبِيَّ الْقَوْمِ أَبٌ لَهُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُدَافَعَةِ وَلَمْ يُرِدِ الْحَقِيقَةَ.
وَمَعْنَى: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ أَيْ: أَحَلُّ وَأَنْزَهُ وَالتَّطَهُّرُ: التَّنَزُّهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ، وَلَيْسَ فِي صِيغَةِ أَطْهَرُ دَلَالَةً عَلَى التَّفْضِيلِ، بَلْ هِيَ مِثْلُ «اللَّهُ أَكْبَرُ» . وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِنَصْبِ أَطْهَرُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَوَجْهُ النَّصْبِ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ بناتي، وهنّ ضمير فصل، وأطهر حَالٌ. وَقَدْ مَنَعَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ مِثْلَ هَذَا، لِأَنَّ ضَمِيرَ الْفَصْلِ الَّذِي يُسَمَّى عِمَادًا إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إِلَّا بِمَا بَعْدَهَا، نَحْوَ كَانَ زَيْدٌ هو أخاك فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَيِ: اتَّقَوُا اللَّهَ بِتَرْكِ مَا تُرِيدُونَ مِنَ الْفَاحِشَةِ بِهِمْ، وَلَا تُذِلُّونِي وَتَجْلِبُوا عَلَيَّ الْعَارَ فِي ضَيْفِي، وَالضَّيْفُ: يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَا تَعْدَمِي الدَّهْرَ شِفَارَ الْجَازِرِ
…
لِلضَّيْفِ وَالضَّيْفُ أَحَقُّ زَائِرِ
وَيَجُوزُ فِيهِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. يُقَالُ: خَزِيَ الرَّجُلُ خَزَايَةً: أَيِ اسْتَحْيَا أَوْ ذَلَّ أَوْ هَانَ، وَخَزِيَ خِزْيًا: إِذَا افْتَضَحَ، وَمَعْنَى فِي ضَيْفِي: فِي حَقِّ ضَيْفِي، فَخِزْيُ الضَّيْفِ خِزْيٌ لِلْمُضِيفِ، ثُمَّ وَبَّخَهُمْ فَقَالَ:
أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يُرْشِدُكُمْ إِلَى تَرْكِ هَذَا الْعَمَلِ الْقَبِيحِ. وَيَمْنَعُكُمْ مِنْهُ، فَأَجَابُوا عَلَيْهِ مُعْرِضِينَ عَمَّا نَصَحَهُمْ بِهِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ أَيْ مَا لَنَا فِيهِمْ مِنْ شَهْوَةٍ وَلَا حَاجَةٍ، لِأَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ. وَمَعْنَى مَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْهُمُ الْمُكَالَبَةَ عَلَى إِتْيَانِ الذُّكُورِ وَشِدَّةِ الشَّهْوَةِ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنَّهُمْ لَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى النِّسَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدُوا:
أَنَّهُ لَا حَقَّ لَنَا فِي نِكَاحِهِنَّ، لِأَنَّهُ لَا يَنْكِحُهُنَّ وَيَتَزَوَّجُ بِهِنَّ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَنَحْنُ لَا نُؤْمِنُ أَبَدًا، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ خَطَبُوا بَنَاتَهُ مِنْ قَبْلُ فَرَدَّهُمْ، وَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِمْ أَنَّ مَنْ خَطَبَ فَرُدَّ فَلَا تَحِلُّ الْمَخْطُوبَةُ أَبَدًا وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكُورِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ تَصْمِيمَهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ مَا قَدْ طَلَبُوهُ قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَدَافَعْتُكُمْ عَنْهُمْ وَمَنَعْتُكُمْ مِنْهُمْ، وَهَذَا مِنْهُ عليه السلام عَلَى طَرِيقِ التَّمَنِّي: أَيْ: لَوْ وَجَدْتُ مُعِينًا وَنَاصِرًا، فَسَمَّى مَا يُتَقَوَّى بِهِ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ لَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ قَوِيتُ عَلَى دَفْعِكُمْ أَوْ آوَيْتُ إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ.
وَقُرِئَ أَوْ آوِي بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قُوَّةً كَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ إِيوَاءً إِلَى رُكْنٍ شديد ومراده
بِالرُّكْنِ الشَّدِيدِ: الْعَشِيرَةُ، وَمَا يَمْتَنِعُ بِهِ عَنْهُمْ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقُوَّةِ الْوَلَدَ، وَبِالرُّكْنِ الشَّدِيدِ:
مَنْ يَنْصُرُهُ مِنْ غَيْرِ وَلَدِهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْقُوَّةِ: قَوَّتَهُ فِي نَفْسِهِ. وَلَمَّا سَمِعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَوَجَدُوا قَوْمَهُ قد غلبوه وعجز عن مدافعتهم قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ أَخْبَرُوهُ أَوَّلًا أَنَّهُمْ رُسُلُ رَبِّهِ ثم بشروه بقولهم: لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ وهذه الجملة موضّحة لما قَبْلَهَا، لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مُرْسَلِينَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَيْهِ لَمْ يَصِلْ عَدُوُّهُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ فَقَالُوا لَهُ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ بِالْوَصْلِ، وَقَرَأَ غَيْرُهُمَا بِالْقَطْعِ، وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ وقال سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى وَقَدْ جَمَعَ الشَّاعِرُ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ فَقَالَ:
حَيُّ النّضيرة ربّة الخدر
…
أسرت إليك وَلَمْ تَكُنْ تَسْرِي
وَقِيلَ: إِنَّ أَسْرَى لِلْمَسِيرِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَسَرَى لِلْمَسِيرِ مِنْ آخِرِهِ، وَالْقِطْعُ مِنَ اللَّيْلِ: الطَّائِفَةُ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: بِسَاعَةٍ مِنْهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: بِجُنْحٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: بِظُلْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: بَعْدَ هُدُوٍّ مِنَ اللَّيْلِ. قِيلَ: إِنَّ السُّرَى لَا يَكُونُ إِلَّا فِي اللَّيْلِ، فَمَا وَجْهُ زِيَادَةِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ؟ قِيلَ:
لَوْ لَمْ يَقُلْ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ اجْتِمَاعِ الظُّلْمَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَيْ: لَا يَنْظُرْ إِلَى مَا وَرَاءَهُ، أَوْ يَشْتَغِلْ بِمَا خَلْفَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ. قِيلَ: وَجْهُ النَّهْيِ عَنِ الِالْتِفَاتِ أَنْ لَا يَرَوْا عَذَابَ قَوْمِهِمْ، وَهَوْلَ مَا نَزَلَ بِهِمْ فَيَرْحَمُوهُمْ وَيَرِقُّوا لَهُمْ، أَوْ لِئَلَّا يَنْقَطِعُوا عَنِ السَّيْرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمْ بِمَا يَقَعُ مِنَ الِالْتِفَاتِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُلْتَفِتِ مِنْ فَتْرَةٍ فِي سَيْرِهِ إِلَّا امْرَأَتَكَ بِالنَّصْبِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِ، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى امْرَأَتُهُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ
أَيْ: أَسْرِ بِأَهْلِكَ جَمِيعًا إِلَّا امْرَأَتَكَ فَلَا تَسْرِ بِهَا، فَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَهُوَ رَمْيُهُمْ بِالْحِجَارَةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ كَافِرَةً وَأَنْكَرَ قِرَاءَةَ الرَّفْعِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا بِرَفْعِ يَلْتَفِتْ وَيَكُونُ نَعْتًا، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ إِذَا أَبْدَلْتَ وَجَزَمْتَ أَنَّ الْمَرْأَةَ أُبِيحَ لَهَا الِالْتِفَاتُ وَلَيْسَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ. قَالَ النَّحَّاسُ:
وَهَذَا الْعَمَلُ مِنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ أَبِي عَمْرٍو مَعَ جَلَالَتِهِ وَمَحَلِّهِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ، وَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنَ النَّهْيِ عَنِ الِالْتِفَاتِ أَيْ: لَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ فَإِنَّهَا تَلْتَفِتُ وَتَهْلَكُ وَقِيلَ: إِنَّ الرَّفْعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ أَحَدٌ، وَيَكُونُ الِالْتِفَاتُ بِمَعْنَى التَّخَلُّفِ لَا بِمَعْنَى النَّظَرِ إِلَى الْخَلْفِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَتَخَلَّفْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ، فَإِنَّهَا تَتَخَلَّفُ، وَالْمُلْجِئُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ الْفِرَارُ مِنْ تُنَاقِضِ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَالضَّمِيرُ فِي: إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ لِلشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَقْلِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِسْرَاءِ وَالنَّهْيِ عَنِ الِالْتِفَاتِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَوْعِدَ عَذَابِهِمُ الصُّبْحُ الْمُسْفِرُ عَنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ لِلْإِنْكَارِ التَّقْرِيرِيِّ، وَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلتَّعْلِيلِ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ، وَلَعَلَّ جَعْلَ الصُّبْحِ مِيقَاتًا لِهَلَاكِهِمْ لِكَوْنِ النُّفُوسِ فِيهِ أَسْكَنَ وَالنَّاسُ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لَمْ يَتَفَرَّقُوا إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا أَيْ: الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِوُقُوعِ الْعَذَابِ فِيهِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ: نَفْسُ الْعَذَابِ جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها أَيْ: عَالِيَ قُرَى لوط سافلها،
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ قَلَبَهَا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَهِيَ كَوْنُ عَالِيهَا صَارَ سَافِلَهَا وَسَافِلِهَا صَارَ عَالِيَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ تَحْتَهَا فَرَفَعَهَا مِنْ تَخُومِ الْأَرْضِ حَتَّى أَدْنَاهَا مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ قِيلَ: إِنَّهُ يُقَالُ أَمْطَرْنَا فِي الْعَذَابِ وَمَطَرْنَا فِي الرَّحْمَةِ وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ مَطَرَتِ السَّمَاءُ وَأَمْطَرَتْ، حَكَى ذَلِكَ الْهَرَوِيُّ، وَالسِّجِّيلُ: الطِّينُ الْمُتَحَجِّرُ بِطَبْخٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ: هُوَ الشَّدِيدُ الصُّلْبُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَقِيلَ:
السِّجِّيلُ: الْكَثِيرُ وَقِيلَ: إِنَّ السِّجِّيلَ لَفْظَةٌ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ، أَصْلُهُ سِجْ وَجِيلْ، وَهَمَّا بِالْفَارِسِيَّةِ حَجَرٌ وَطِينٌ عَرَّبَتْهُمَا الْعَرَبُ فَجَعَلَتْهُمَا اسْمًا وَاحِدًا وَقِيلَ: هُوَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ: أَنَّ السِّجِّيلَ اسْمٌ لِسَمَاءِ الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ يَرُدُّهُ وَصْفُهُ بِمَنْضُودٍ وَقِيلَ هُوَ بَحْرٌ مُعَلَّقٌ فِي الْهَوَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقِيلَ هِيَ جِبَالٌ فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مِنَ التَّسْجِيلِ لَهُمْ: أَيْ مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فَهُوَ فِي مَعْنَى سِجِّينٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ- كِتابٌ مَرْقُومٌ «1» وَقِيلَ: هُوَ مَنْ أَسْجَلْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتُهُ، فَكَأَنَّهُ عَذَابٌ أُعْطُوهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَنْ يُسَاجِلْنِي يساجل ما جدا
…
يَمْلَأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكَرَبْ
وَمَعْنَى: مَنْضُودٍ أَنَّهُ نُضِّدَ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: بَعْضُهُ فِي أَثَرِ بَعْضٍ، يُقَالُ: نَضَّدْتُ الْمَتَاعَ:
إِذَا جَعَلْتُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهُوَ مَنْضُودٌ وَنَضِيدٌ، وَالْمُسَوَّمَةُ: الْمُعَلَّمَةُ، أَيِ: الَّتِي لَهَا عَلَامَةٌ، قِيلَ: كَانَ عَلَيْهَا أَمْثَالُ الْخَوَاتِيمِ وَقِيلَ: مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَنْ رُمِيَ بِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ مُخَطَّطَةً بِحُمْرَةٍ وَسَوَادٍ فِي بَيَاضٍ. فَذَلِكَ تَسْوِيمُهَا وَمَعْنَى: عِنْدَ رَبِّكَ فِي خَزَائِنِهِ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ أَيْ: وَمَا هَذِهِ الْحِجَارَةُ الْمَوْصُوفَةُ مِنَ الظَّالِمِينَ وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ بِبَعِيدٍ، أَوْ مَا هِيَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ مِنَ الظَّلَمَةِ وَمِنْهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَمَنْ عَاضَدَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِبَعِيدٍ، فَهُمْ لِظُلْمِهِمْ مُسْتَحِقُّونَ لَهَا. وَقِيلَ: وَما هِيَ أَيْ: قُرَى مِنَ الظَّالِمِينَ مَنْ كفر بالنبيّ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهَا بَيْنَ الشَّامِ وَالْمَدِينَةِ. وَفِي إِمْطَارِ الْحِجَارَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أُمْطِرَتْ عَلَى الْمُدُنِ حِينَ رَفَعَهَا جِبْرِيلُ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا أُمْطِرَتْ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُدُنِ مِنْ أَهْلِهَا وَكَانَ خَارِجًا عَنْهَا. وَتَذْكِيرُ الْبَعِيدِ: عَلَى تَأْوِيلِ الْحِجَارَةِ بِالْحَجَرِ، أَوْ إِجْرَاءً لَهُ عَلَى مَوْصُوفٍ مُذَكَّرٍ، أَيْ:
شَيْءٍ بَعِيدٍ، أَوْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ مَصْدَرًا، كَالزَّفِيرِ وَالصَّهِيلِ، وَالْمَصَادِرُ يَسْتَوِي فِي الْوَصْفِ بِهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً قَالَ: سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ، وَضَاقَ ذَرْعًا بِأَضْيَافِهِ وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ يَقُولُ: شَدِيدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ قَالَ: يُسْرِعُونَ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قَالَ: يَأْتُونَ الرِّجَالَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: هؤُلاءِ بَناتِي قَالَ: مَا عَرَضَ لُوطٌ بَنَاتَهُ عَلَى قَوْمِهِ لَا سِفَاحًا وَلَا نِكَاحًا، إِنَّمَا قَالَ هَؤُلَاءِ نِسَاؤُكُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ إِذَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ فَهُوَ أَبُوهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي القرآن:«وأزواجه أمّهاتهم وَهُوَ أَبُوهُمْ» فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جرير، وابن
(1) . المطففين: 8- 9.
أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمْ تَكُنْ بَنَاتُهُ وَلَكِنْ كُنَّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوَهُ. قَالَ: وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حذيفة ابن الْيَمَانِ قَالَ: عَرَضَ عَلَيْهِمْ بَنَاتَهُ تَزْوِيجًا، وَأَرَادَ أَنْ يَقِيَ أَضْيَافَهُ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي قَالَ: لَا تَفْضَحُونِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالَ: رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالَ: وَاحِدٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ: إِنَّمَا نُرِيدُ الرِّجَالَ قالَ لُوطٌ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
يَقُولُ: إِلَى جُنْدٍ شَدِيدٍ لِمُقَاتَلَتِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالَ: عَشِيرَةٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِلُوطٍ إِنْ «1» كَانَ ليأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» .
وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: جَوْفِ اللَّيْلِ. وَأَخْرَجَا عَنْهُ قَالَ: بِسَوَادِ اللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَالَ: لَا يَتَخَلَّفُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَالَ: لَا يَنْظُرُ وَرَاءَهُ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عَبِيدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ هَارُونَ قَالَ:
فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها قَالَ: لَمَّا أَصْبَحُوا عَدَا جِبْرِيلُ عَلَى قَرْيَتِهِمْ فَقَلَعَهَا مِنْ أَرْكَانِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ، ثُمَّ حَمَلَهَا عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ بِمَا فِيهَا ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَقَطَ مِنْهَا سُرَادِقُهَا، فَلَمْ يُصِبْ قَوْمًا مَا أَصَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ طَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ، ثُمَّ قُلِبَتْ قَرْيَتُهُمْ، وَأُمْطِرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ رِوَايَاتٍ وَقَصَصًا فِي كَيْفِيَّةِ هَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ طَوِيلَةً مُتَخَالِفَةً، وَلَيْسَ فِي ذِكْرِهَا فَائِدَةٌ، لَا سِيَّمَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ هَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ دَهْرٌ طَوِيلٌ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ فِي مِثْلِهِ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَغَالِبُ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَحَالُهُمْ فِي الرِّوَايَةِ مَعْرُوفٌ.
وَقَدْ أُمِرْنَا بِأَنَّا لَا نُصَدِّقُهُمْ وَلَا نُكَذِّبُهُمْ، فَاعْرِفْ هَذَا، فَهُوَ الْوَجْهُ فِي حَذْفِنَا لِكَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْكَائِنَةِ فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْمِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال: يرهب بها قريش أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ الْقَوْمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: مِنْ ظَلَمَةِ الْعَرَبِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَيُعَذَّبُوا بِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مِنْ ظَالِمِي هذه الأمة.
(1) . إن: مخففة من الثقيلة والمعنى: إنه كان يأوي إلى ركن شديد وهو الله تعالى، كما ورد في آثار أخرى.