الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: كُنَّا بِالشَّامِ فَقَرَأْتُ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْآيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا، مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ.
[سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)
قَوْلُهُ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ قَبَائِحِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَكَمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِحُكْمٍ خَاصٍّ غَيَّرُوا تِلْكَ الْأَوْقَاتَ بِالنَّسِيءِ وَالْكَبِيسَةِ، فَأَخْبَرَنَا اللَّهُ بِمَا هُوَ حُكْمُهُ فَقَالَ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ أَيْ: عَدَدِ شُهُورِ السَّنَةِ عِنْدَ اللَّهِ فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَحِكْمَتِهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا. قَوْلُهُ: فِي كِتابِ اللَّهِ أَيْ: فِيمَا أَثْبَتَهُ فِي كِتَابِهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَلَّقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: عِدَّةَ الشُّهُورِ، لِلْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْخَبَرُ أَعْنِي اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فَقَوْلُهُ:
فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: يَوْمَ خَلَقَ، بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ يوم خلق السّموات وَالْأَرْضَ. وَفَائِدَةُ الْإِبْدَالَيْنِ: تَقْرِيرُ الْكَلَامِ فِي الْأَذْهَانِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ وَاجِبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَثَابِتٌ فِي عِلْمِهِ فِي أَوَّلِ مَا خَلْقَ اللَّهُ الْعَالَمَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ:
صِفَةُ اثْنَا عَشَرَ: أَيِ: اثْنَا عَشَرَ مُثْبَتَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ هَذِهِ الشُّهُورَ وَسَمَّاهَا بِأَسْمَائِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا عِنْدَ الْعَجَمِ وَالرُّومِ وَالْقِبْطِ مِنَ الشُّهُورِ الَّتِي يَصْطَلِحُونَ عَلَيْهَا وَيَجْعَلُونَ بَعْضَهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَبَعْضَهَا أَكْثَرَ، وَبَعْضَهَا أَقَلَّ. قَوْلُهُ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ هي: ذي الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ، كَمَا وَرَدَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ. قَوْلُهُ: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أَيْ: كَوْنُ هَذِهِ الشُّهُورِ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، هُوَ الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ، وَالْحِسَابُ الصَّحِيحُ، وَالْعَدَدُ الْمُسْتَوْفَى. قَوْلُهُ: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، بِإِيقَاعِ الْقِتَالِ فِيهَا، وَالْهَتْكِ لِحُرْمَتِهَا وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى الشُّهُورِ كُلِّهَا الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ لَمْ يُنْسَخْ لهذه الآية، ولقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ «1» وَلِقَوْلِهِ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السيف. ويجاب عنه بأن الأمر
(1) . المائدة: 2.
بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَمُقَاتَلَتِهِمْ مُقَيَّدٌ بِانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَتَكُونُ سَائِرُ الْآيَاتِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْأَمْرِ بِالْقِتَالِ مُقَيَّدَةً بِمَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، كَمَا هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ لِلْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَهُوَ ذُو الْقِعْدَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِ مُحَاصَرَتَهُمْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ بَلْ فِي شَوَّالٍ، وَالْمُحَرَّمُ إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا إِتْمَامُهُ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أَيْ:
جَمِيعًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مِثْلُ هَذَا مِنَ الْمَصَادِرِ: كَعَامَّةٍ، وَخَاصَّةٍ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً أَيْ: جَمِيعًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُ فُرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ إِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْبَعْضُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ أَيْ: يَنْصُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فَهُوَ الْغَالِبُ، وَلَهُ الْعَاقِبَةُ وَالْغَلَبَةُ، قَوْلُهُ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ قَرَأَ نَافِعٌ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ عَنْهُ النَّسِيُّ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بِدُونِ هَمْزٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِيَاءٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ نَافِعٍ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ إِلَّا وَرْشٌ وَحْدَهُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ نَسَأَهُ وَأَنْسَأَهُ: إِذَا أَخَّرَهُ، حَكَى ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النَّسِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ قَوْلِكَ نَسَأْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ مَنْسُوءٌ: إِذَا أَخَّرْتَهُ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مَنْسُوءٌ إِلَى نَسِيءٍ كَمَا تَحَوَّلَ مَقْتُولٌ إِلَى قَتِيلٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فِي النَّسِيءِ بِالْهَمْزَةِ مَعْنَى: الزِّيَادَةِ، يُقَالُ: نَسَأَ يَنْسَأُ: إِذَا زَادَ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ إِلَّا مِنَ النِّسْيَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ، وَرَدَّ عَلَى نَافِعٍ قِرَاءَتَهُ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحَرِّمُ الْقِتَالَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِذَا احْتَاجُوا إِلَى الْقِتَالِ فِيهَا قَاتَلُوا فِيهَا وَحَرَّمُوا غَيْرَهَا، فَإِذَا قَاتَلُوا فِي الْمُحَرَّمِ حَرَّمُوا بَدَلَهُ شَهْرَ صَفَرٍ، وَهَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَكَانَ الَّذِي يَحْمِلُهُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَعِيشُونَ بِالْغَارَةِ عَلَى بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ، وَنَهْبِ مَا يُمْكِنُهُمْ نَهْبُهُ مِنْ أَمْوَالِ مَنْ يُغِيرُونَ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقِتَالُ. وَكَانَتِ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ الْمَسْرُودَةُ يَضُرُّ بِهِمْ تَوَالِيهَا وَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُمْ وَتَعْظُمُ فَاقَتُهُمْ، فَيُحَلِّلُونَ بَعْضَهَا وَيُحَرِّمُونَ مَكَانَهُ بِقَدْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى النَّسِيءِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَوَّلِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِيَ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: حُذَيْفَةُ بْنُ عَتِيدٍ، وَيُلَقَّبُ: الْقَلَمَّسَ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ الْكُمَيْتُ بِقَوْلِهِ:
أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ
…
شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامًا
وَفِيهِ يَقُولُ قَائِلُهُمْ:
وَمِنَّا نَاسِئُ الشَّهْرِ الْقَلَمَّسُ وَقِيلَ: هُوَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ، وَقِيلَ: هُوَ نُعَيْمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ. وَسَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّسِيءَ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ كُفْرِهِمْ، وَمَعْصِيَةٌ مِنْ مَعَاصِيهِمُ الْمُنْضَمَّةِ إِلَى كَفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. قَوْلُهُ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا قَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ يَضِلُّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْكُفَّارَ يَضِلُّونَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ النَّسِيءِ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ الَّذِي سَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ يَجْعَلُهُمْ ضَالِّينَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ السَّيِّئَةِ، وَقَدِ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ
الْأُولَى أَبُو حَاتِمٍ، وَاخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةِ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَيَعْقُوبُ: يُضِلُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ الْمَوْصُولُ، وَمَفْعُولَهُ مَحْذُوفٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَمَفْعُولُهُ الْمَوْصُولَ. وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالضَّادِ مِنْ ضَلَّ يَضَلُّ. وَقُرِئَ نَضِلُّ بِالنُّونِ. قَوْلُهُ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى النَّسِيءِ، أَيْ: يُحِلُّونَ النَّسِيءَ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا، أَوْ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي يُؤَخِّرُونَهُ وَيُقَاتِلُونَ فِيهِ، أَيْ: يُحِلُّونَهُ عَامًا بِإِبْدَالِهِ بِشَهْرٍ آخر من شهور الحل، ويحرّمونه عَامًا، أَيْ: يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ فَلَا يُحِلُّونَ فِيهِ القتال، بل يبقونه على حرمته. قوله: لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ: لِكَيْ يُوَاطِئُوا، وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ، يُقَالُ: تَوَاطَأَ الْقَوْمُ عَلَى كَذَا: أَيْ: تَوَافَقُوا عَلَيْهِ وَاجْتَمَعُوا. وَالْمَعْنَى: إِنَّهُمْ لَمْ يُحِلُّوا شَهْرًا إِلَّا حَرَّمُوا شَهْرًا لِتَبْقَى الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَرْبَعَةً. قَالَ قُطْرُبٌ: مَعْنَاهُ: عَمَدُوا إِلَى صَفَرٍ فَزَادُوهُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَقَرَنُوهُ بِالْمُحَرَّمِ فِي التَّحْرِيمِ. وَكَذَا قَالَ الطَّبَرَيُّ. قَوْلُهُ: فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ: مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي أَبْدَلُوهَا بِغَيْرِهَا زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ أَيْ: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا. وَمِنْ جُمْلَتِهَا النَّسِيءُ. وَقُرِئَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أَيِ: الْمُصِرِّينَ عَلَى كُفْرِهِمُ، الْمُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهِ، فَلَا يَهْدِيهِمْ هِدَايَةً تَوَصِّلُهُمْ إِلَى الْمَطْلُوبِ. وَأَمَّا الْهِدَايَةُ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِرْشَادِ إِلَيْهِ فَقَدْ نَصَبَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِجَمِيعِ عِبَادِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فِي حجته قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السّموات وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حرم، ثلاثة مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» . وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ مَرْفُوعًا مُطَوَّلًا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابن عباس مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ قال: الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّينَ حُرُمًا لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِنَّ حَرْبٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ. وَجَعَلَ الدِّينَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْأَجْرَ أَعْظَمَ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ قال: كُلِّهِنَّ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً يَقُولُ جَمِيعًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي قَوْلِهِ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كُلَّ آيَةٍ فِيهَا رُخْصَةٌ. وَأَخْرَجَ الطبراني وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ يُحِلُّونَ عَامًا شَهْرًا وَعَامًا شَهْرَيْنِ، ولا يصيبون الحجّ إلا في كلّ عشرين سَنَةً مَرَّةً، وَهِيَ النَّسِيءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ حَجِّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَافَقَ ذَلِكَ الْعَامُ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الْأَهِلَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: