الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْلِمِي أُمَّتِهِ وَقِيلَ: أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الرِّسَالَةِ فَهُوَ أَوَّلُهُمْ فِي الْخَلْقِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ «1» الْآيَةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ:
اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَذَا الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ:«وجهت وجهي للذي فطر السّموات وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» إِلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» قُلْتُ: هَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُطَوَّلًا. وَهُوَ أَحَدُ التَّوَجُّهَاتِ الْوَارِدَةِ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَأَصَحُّ التَّوَجُّهَاتِ الَّذِي كَانَ يُلَازِمُهُ النبي صلى الله عليه وسلم وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ هُوَ «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ» إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي شَرْحِنَا لِلْمُنْتَقَى بِمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى زيادة عليه هنا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ صَلاتِي قَالَ: يَعْنِي الْمَفْرُوضَةَ وَنُسُكِي يَعْنِي الْحَجَّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنُسُكِي قَالَ: ذَبِيحَتِي. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي قَالَ: حَجِّي وَذَبِيحَتِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَنُسُكِي قل: ذَبِيحَتِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَنُسُكِي قَالَ: ضَحِيَّتِي. وَفِي قَوْلِهِ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا فَاطِمَةُ! قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكَ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلَّ ذَنْبٍ عَمِلْتِهِ، وَقُولِي: إِنَّ صَلَاتِي إِلَى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، قَلَتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً- فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ- أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، بَلْ للمسلمين عامة» .
[سورة الأنعام (6) : الآيات 164 الى 165]
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
الِاسْتِفْهَامُ فِي أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا للإنكار، وهو جواب على المشركين لما دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، أَيْ: كَيْفَ أَبْغِي غَيْرَ اللَّهِ رَبَّا مُسْتَقِلَّا وَأَتْرُكُ عِبَادَةَ اللَّهِ أَوْ شَرِيكًا لِلَّهِ فَأَعْبُدَهُمَا مَعًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَالَّذِي تَدْعُونَنِي إِلَى عِبَادَتِهِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ هُوَ مَرْبُوبٌ لَهُ مَخْلُوقٌ مِثْلِي لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لَهُمْ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَغَيْرَ: مَنْصُوبٍ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَرَبًّا: تَمْيِيزٌ أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى جَعْلِ الْفِعْلِ نَاصِبًا لِمَفْعُولَيْنِ قَوْلُهُ: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها أَيْ لَا يُؤَاخَذُ مِمَّا أَتَتْ مِنَ الذَّنْبِ وَارْتَكَبَتْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ سِوَاهَا، فَكُلُّ كَسْبِهَا لِلشَّرِّ عَلَيْهَا لَا يَتَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «2» وقوله: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. قَوْلُهُ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أَصْلُ الْوِزْرِ: الثِّقْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ «3» وهو هنا: الذنب
(1) . الأحزاب: 7.
(2)
. البقرة: 286.
(3)
. الشرح: 2.
وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ قَالَ الْأَخْفَشُ: يُقَالُ: وُزِرَ يُوزَرُ، وَوَزَرَ يَزِرُ وِزْرًا، وَيَجُوزُ إِزْرًا، وَفِيهِ رَدٌّ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ مُؤَاخَذَةِ الْقَرِيبِ بِذَنْبِ قَرِيبِهِ، وَالْوَاحِدِ مِنَ الْقَبِيلَةِ بِذَنْبِ الْآخَرِ وَقَدْ قِيلَ:
إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ الَّتِي قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً «1» ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ:«يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» . وَالْأَوْلَى: حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، أَعْنِي: الْعُمُومَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِذَنْبِ الْغَيْرِ كَالدِّيَةِ الَّتِي تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُخَصَّصِ بِهَذَا الْعُمُومِ وَيُقِرُّ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْآيَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ «2» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَثْقَالِ الَّتِي مَعَ أَثْقَالِهِمْ هِيَ أَثْقَالُ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ «3» . ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ حَقُّ الْمُحِقِّينَ وَبَاطِلُ الْمُبْطِلِينَ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ خَلَائِفُ: جَمْعُ خَلِيفَةٍ، أَيْ: جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ السالفة، قال الشّمّاخ:
تصيبهم وَتُخْطِئُنِي الْمَنَايَا
…
وَأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ
أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُخْلِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْإِنْسَانِيَّ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فِي الْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ، وَالْقُوَّةِ، وَالْفَضْلِ، وَالْعِلْمِ، وَدَرَجَاتٍ: مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: إِلَى دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ أَيْ لِيَخْتَبِرَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ، أَوْ لِيَبْتَلِيَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ كَقَوْلِهِ تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً «4» ثُمَّ خَوَّفَهُمْ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ فَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ كَمَا قَالَ: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ «5» ثُمَّ رَغَّبَ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّرْغِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: كَثِيرُ الْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ قَالَ: لَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ السدي في قوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ قَالَ: أَهْلَكَ الْقُرُونَ الْأُولَى فَاسْتَخْلَفَنَا فِيهَا بَعْدَهُمْ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ قَالَ: فِي الرّزق.
(1) . الأنفال: 25.
(2)
. العنكبوت: 13.
(3)
. النحل: 25.
(4)
. الفرقان: 20. [.....]
(5)
. النحل: 77.