الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمهم الله بعذاب من عنده.
[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 28]
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ لِلْمُهَاجِرِينَ، أَيِ: اذكروا وقت قلتكم، ومُسْتَضْعَفُونَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمُبْتَدَأِ، وَالْأَرْضُ: هِيَ أَرْضُ مَكَّةَ، وَالْخَطْفُ: الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ: مُشْرِكُو قُرَيْشٍ وَقِيلَ: فَارِسُ وَالرُّومُ فَآواكُمْ يُقَالُ: آوَى إِلَيْهِ بِالْمَدِّ وَبِالْقَصْرِ بِمَعْنَى: انْضَمَّ إِلَيْهِ. فَالْمَعْنَى: ضَمَّكُمُ اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ إِلَى الْأَنْصَارِ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ أَيْ: قُوَاكُمْ بِالنَّصْرِ فِي مُوَاطِنِ الْحَرْبِ الَّتِي مِنْهَا يَوْمُ بَدْرٍ، أَوْ قَوَّاكُمْ بِالْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْغَنَائِمُ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ: إِرَادَةَ أَنْ تَشْكُرُوا هَذِهِ النِّعَمَ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَالْخَوْنُ أَصْلُهُ كَمَا فِي الْكَشَّافِ: النَّقْصُ، كَمَا أَنَّ الْوَفَاءَ التَّمَامُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي ضِدِّ الْأَمَانَةِ وَالْوَفَاءِ، لِأَنَّكَ إِذَا خُنْتَ الرَّجُلَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ النُّقْصَانَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: الْغَدْرُ وَإِخْفَاءُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ «1» نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَخُونُوهُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا افْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَخُونُوا رَسُولَهُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا أَمَّنَهُمْ عَلَيْهِ، أَوْ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا سَنَّهُ لَهُمْ، أَوْ يَخُونُوا شَيْئًا مِنَ الْأَمَانَاتِ الَّتِي اؤْتُمِنُوا عَلَيْهَا، وَسُمِّيَتْ أَمَانَاتٍ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ مَعَهَا مِنْ مَنْعِ الْحَقِّ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْأَمْنِ، وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ خِيَانَةٌ فَتَفْعَلُونَ الْخِيَانَةَ عَنْ عَمْدٍ، أَوْ وأنتم مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا مَنْ أَهْلِ الْجَهْلِ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
لِأَنَّهُمْ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الذُّنُوبِ، فَصَارُوا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مِحْنَةً يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
فَآثِرُوا حَقَّهُ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، لِيَحْصُلَ لَكُمْ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ أَذَلَّ النَّاسِ ذُلًّا، وَأَشْقَاهُ عَيْشًا، وَأَجْوَعَهُ بُطُونًا، وَأَعْرَاهُ جُلُودًا، وَأَبْيَنَهُ ضَلَالَةً، مَنْ عَاشَ عَاشَ شَقِيًّا، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رُدِّيَ فِي النَّارِ، يُؤَكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ، لَا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ قَبِيلًا مِنْ حَاضِرِي الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ كَانَ أَشَرَّ مَنْزِلًا مِنْهُمْ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَكَّنَ بِهِ فِي الْبِلَادِ، وَوَسَّعَ بِهِ فِي الرِّزْقِ، وَجَعَلَهُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّهُ مَا رَأَيْتُمْ، فَاشْكُرُوا لِلَّهِ نِعَمَهُ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشُّكْرَ، وَأَهْلُ الشُّكْرِ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ قَالَ: فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِمَكَّةَ فَآواكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ وهب فِي قَوْلِهِ: يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ قَالَ: النَّاسُ إِذْ ذاك فارس والروم.
(1) . غافر: 19.