الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب اللَّه عز وجل، وخير الهدي هدي محمَّد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (1).
وبعد: فقد كان يخالجنى وازع في نفسي أن أكتب بحثًا جامعًا عن علامات الساعة الصغرى والكبرى والملامح التي تحدث والفتن لأن هذا الموضوع يهمني كثيرًا ويفقهني في أمور كثيرة أعيشها وأتحسسها من أمر
(1) جزء من حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند (3/ 371) ومسلم برقم (867) والنسائي (3/ 188)، وهو جزء من خطة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها لأصحابه.
ديني وصلب عقيدتي.
فعلامات الساعة الصغرى أرى كثيرًا منها واقعًا أعيشه؟ والكبرى غيب لا نعرف عنها سوى ما أخبرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنه، والفتن التي تموج موج البحر في دنيانا والتي حذر منها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جدير بالمسلم أن يعرفها ويتفقه فيها كي يتجنبها ولا يقع فيها، ويظل صامدًا ثابتًا على دينه، والملاحم التي تحدث مستقبلًا بين جيش الخلافة الراشدة وجيوش الكفار وعودة الخلافة الراشدة على ضوء الكتاب والسنة إلى ربوع المعمورة وكيف تكون نهاية العالم.
كل هذه العناوين استهوتنى وظلت هاجسًا أعيشه وأفكر فيه إلى أن شرح اللَّه تعالى صدري لذلك، فعزمت على كتابة هذا البحث متوكلًا على اللَّه تعالى؟ وعسى أن أكون موفقًا في رفد المكتبة الإسلامية بهذا الموضوع العقائدى المهم، لا سيما ونحن اليوم نعيش في زمن عزف الناس فيه عن الخير وأشرأبت الأعناق إلى المادة والتطلع إلى متاع الدنيا ولو كان بخسًا زهيدًا.
إن المسلمين عامة والشباب منهم خاصة بحاجة ماسة إلى هذه الدروس الإيمانية العقائدية لأنها من صميم دينهم وعقيدتهم وفيها المحفز للتشمير عن ساعد الجد وذلك بالإنابة والتوبة وأخذ الدين بهمة عالية ويقظة دائمة قبل فوات الأوان.
إن الفقه بعلامات الساعة من العقائد الأساسية التي تدخل ضمن "الإيمان بالغيب" لا سيما وأن هذه الدروس تعتمد على آي القرآن الكريم التي تكلمت بإسهاب عن بعض هذه العلامات أو أشارت إلى بعضها الآخر إشارة واضحة أو تركت بعضها لغاية معينة سوف تجدها في هذا البحث، وهذا العلم معزز أيضًا بالأحاديث النبوية المتواترة والصحيحة والحسنة أو الضعيفة والتي تكون حسنة لغيرها إذا عضدها أحاديث أخرى صحيحة أو
حسنة مطابق لمعناها وكذلك أراء الفقهاء والعلماء والمفسرين والمحدثين الذين ملئوا بطون الكتب في الكلام عن هذا الموضوع وغيره رحمهم الله جميعًا.
أنني أرى من اللازم على المسلم المعاصر أن يتفقه في أمور عقيدته ويتعلم الكثير منها لأن قسمًا ممن يعيشوا معنى ينكر كثيرًا من هذه العقائد أو ينظر إليها باستهذاء أو يؤولها حسب هواه أو حسب ما يتلقى من ناقص الفهم وأرباب الغزو الفكرى بل إن قسمًا من المسلمين لا يكاد يصدق أن العلامات الصغرى كلها متحققة الآن ونحن نعيش بانتظار ظهور الجزء الأول الممهد للعلامات الكبرى التي ما أن ظهر أولها حتى تتابعت كحبات العقد المنفرط واحدة تلو الأخرى ولا يتصور هؤلاء المسلمين أننا نعيش في نهاية العالم أو قريب منه {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63].
بل إن قسمًا آخر أخذ يتجرأ على اللَّه تعالى فيحدد وقتًا معينًا لقيامها ومثل هذا وأمثاله قد أعظموا على اللَّه تعالى الفرية؛ إذ أن الساعة غيبًا اختصه اللَّه تعالى بنفسه لم يطلع عليها أحد لا نبيّ مرسل ولا ملك مقرب.
ولما لهذا الموضوع من أهمية بالغة على صعيد العقيدة -أو لما له من أثر بالغ على النفوس- نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه رضي الله عنهم الاستعاذة من الفتن كما يعلمهم السورة من القرآن، كان صلى الله عليه وسلم يقول:"أيكم استعاذ، فليستعذ باللَّه من مضلات الفتن"(1).
بل أن فتنة المسيح الدجال مثلا، ما خلا نبي من الأنبياء إلا وأنذر قومه منها، وهكذا كان دأب السلف الصالح من بعدهم يربون أبنائهم على تعلم
(1) تفسير ابن كثير لسورة الأنفال في قوله تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .
هذه العقائد وسبكها في نفوسهم. قال مسلم بن الحجاج: بلغني أن طاووسًا قال لابنه: "أدعوت بها في صلاتك؟ (1) فقال: لا. قال: أعد صلاتك"(2)
فقل لي يا سيدي المسلم: كيف لا تكون هذه المواضيع مهمة في حياتنا ونحن نقرأ أن الأنبياء والمرسلين صلوات اللَّه تعالى عليهم ومنهم سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم كانوا لا يتوانون في تعليم هذه الأخبار لجلاسهم وحوارييهم؟ أليس جدير بنا أن نتعلمها ونعلمها لأبنائنا وبناتنا وللجيل كله بإمعان وهمة؟.
* وهذا وقد قسمت بحثى كما يلي:
1 -
المقدمة وأهمية هذا الموضوع.
2 -
تمهيد للبحث وتقسيم لعلامات الساعة من حيث ظهورها.
3 -
علامات الساعة الصغرى، وأجزم أنها متحققة كلها الأن ونحن نعيش على أعتاب ظهور مقدمة العلامات الكبرى كما سترى من خلال هذه البحث.
4 -
الفتن التي حدثت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتحديدًا بقتل الفاروق عمر رضي الله عنه ولا تزال مستمرة إلى هذا الوقت، وكيف يتعامل المسلم معها، وما هو العاصم له، من خلال وصايا النبي صلى الله عليه وسلم.
5 -
ظهور الرايات السوداء مواطئة لظهور الهدى.
6 -
الأحداث التي تكون علامة على ظهور المهدى.
(1) يعني بذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابني عباس رضي الله عنه ما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن بقوله: "قولوا: اللهم أنى أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيخ الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"
(2)
لتصريح فيما تواتر في نزول المسيح: للكشميرى تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
7 -
الملاحم التي تحدث بين جيش المسلمين وجيش الروم ثم مقاتلة المسلمين للدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام.
8 -
القتال الذي يدور بين المسلمين والدجال ومعه اليهود ثم القضاء على الدجال واجتثاث شأفة النسل اليهودى القذر نهائيًا.
9 -
الوعد الحق الذي يؤمن به المسلمون والوعد المفترى الذي يثقف له قادة الغرب.
10 -
ثم إلى نهاية علامات الساعة الكبرى المألوفة.
11 -
العلامات الكبرى غير المألوفة.
12 -
الأحداث التي تكون قبيل الساعة.
13 -
آخر من تقوم عليهم الساعة.
14 -
خاتمة موجزة ومختصرة لخلاصة البحث.
ولقد اعتمدت في هذا البحث على كتاب اللَّه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وآراء العلماء وتعليقاتهم من المفسرين والمحدثين والفقهاء رحمهم الله جميعًا، واعتمدت في تخريج الأحاديث على أمهات كتب السنة الطهرة، وأحيانًا ولظروفى القاهرة اضطررت أن أعتمد في تخريج الأحاديث على الكتب التي طالعتها (مصادر البحث) لأنها محققة ومخرجة كما سترى وكذلك لقلة بضاعتى في علم الحديث وقد حاولت أن أرضى ربى تعالى أولًا وأرضى قارئى الكريم، وأسأله الدعاء لي ولوالدى وللمسلمين، وعسى أن يكون هذا العمل خالصًا لوجه اللَّه الكريم وأن ينفع به المسلمين، ويساهم في تصحيح عقائدهم وتأصيلها في نفوسهم وأن يكون زادًا على الطريق ينهل منه كل من يريد السير على هدى كتاب اللَّه وسنة نبيه ومنهج الإِسلام الحق، وعسى أن
تكون هذه الكلمات نورًا لي في قبرى ويكون هذا العلم مما يلحقنى من حسناتى بعد الموت، فإن أصبت ووفقت فمن اللَّه تعالى منة وفضل وإن أخطأت أو قصرت، فأنا أهل للتقصير والخطأ والعصيان، وما أبرئ نفسى إن النفس لأماره بالسوء إلا ما رحم ربى. والحمد للَّه أولًا وأخرًا وصلى اللَّه تعالى على النبي الأمى وآله وصحبه وسلم، وأخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين، وأستغفر اللَّه في كل وقت وحين.
محمود رجب حمادى الوليد
العراق - الرمادى
الإمارات العربية المتحدة - دبي
16/ غرة شعبان / 1421 هـ
12/ تشرين الثاني/ 2000 م