الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول علامات خروج الدجال
أولًا: هل الدجال حي
؟
ورد في الحديث الصحيح عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أن الصحابى الجليل تميمًا الداري وكان رجلًا نصرانيًا فأسلم وحسن إسلامه، وركب البحر فأنكسر لهم المركب وأرفؤوا إلى جزيرة من جزر بحر اليمن، فرأو الدجال هناك وسألهم وسألوه، وهو موثق بالحديد، وأخبرهم عن موعد خروجه وعلاماته، ما سنرى من خلال الحديث.
هذا السؤال يبدو غريبًا للوهلة الأولى، هل الدجال حى منذ ذلك الزمان وإلى زمننا هذا ثم يبقى كذلك إلى أن يخرج خرجته المعهودة؟
ثم إن الجزر اكتشفت كلها، ونحن الآن نعيش في أوج التقدم العلمي والاكتشافات قائمة على قدم وساق، فلماذا لم يخبر أحد أنه رأى هذا الشخص وأين هو الآن لا سيما والأقمار الصناعية التجسسية منتشرة في كل أصقاع المعمورة؟
هذه الأسئلة اطرحها وأجيب عليها بعد أن أورد الحديث الذي تكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع الصحابة لما رأى رؤية تميم الدارى وكلامه حول الدجال تطابق ما أخبرهم عنه.
على أن هناك اختلافًا آخر بين العلماء حول (بن صائد) الذي كان يعيش في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، كما اختلف الصحابة فيه، هل هو الدجال الحقيقى أم هو دجال من الدجاجلة؟
فتعال معى أخي القارئ الكريم لنتأمل في حديث تميم الدارى. . .
عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (سمعت نداء المنادى ينادى، الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكنت في النساء التي تلى ظهور القوم، فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال: أتدرون لما جمعتكم؟
قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: إني ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الدارى كان رجلًا نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، ثم ارفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب (1)، كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره فقالوا: ويلك ما أنت؟
قالت: أنا الجساسة (2). قالوا: وما الجساسة؟
قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق.
قال: لما سمت لنا رجلًا فرقنا (3) منها أن تكون شيطانه،
قال: فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا الدير (4)، فإذا فيه اعظم إنسان رأيناه قط
(1) أهلب: ما غلظ من الشعر، والأهلب: الغليظ الخشن.
(2)
الجساسة: فعالة من التجسس، وهو من الفحص عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال ذلك في الشر.
(3)
فرقنا: خفنا.
(4)
الدير: مكان خاص لعبادة اليهود، كما أن للمسلمين مكان خاص لعبادتهم وهي المساجد ولاحظ هنا أن الدجال يهودى إذ يسكن في الدير الذي هو خاص باليهود.
خلقًا وأشده وثاقًا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
قلنا: ويلك، ما أنت؟
قال: قد قدرتم على خبرى، فأخبرونى: ما أنتم؟
قلنا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم (1)، فلعب بنا الموج شهرًا، ثم ارفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، كثير الشعر، لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر.
فقلنا: ويلك، ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعًا، وفزعنا منها ولم نأت من أن تكون شيطانه.
فقال: أخبرونى عن نخل بيسان؟ (2)
قلنا: عن أي شأنها تستخير؟
قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟
قال: أخبرونى عن بحيرة الطبرية (3) قلنا أي شأنها تستخير؟
فقال: هل فيها ماء؟
قالوا: هى كثيرة الماء.
(1) اغتلام البحر: اضطراب امواجه واهتياجه.
(2)
بيسان: منطقة في فلسطين، ونخل بيسان بساتينها.
(3)
بحيرة الطبرية: موجودة في فلسطين.
قال: أما أن ماءها يوشك أن يذهب.
قال: أخبرونى عن عين زعر (1)؟
قالوا: عن أي شيء تستخبر؟
قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟
قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها)
قال: أخبرونى عن نبى الأميين ما فعل؟
قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب.
قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟
فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب واطاعوه.
قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا نعم.
قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وأنى مخبركم عنى، أنا المسيح، وإنى اوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فسيروا في الأرض فلا ادع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدًا منها استقبلنى ملك بيده السيف صلتًا (2) يصدنى عنها وأن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قلت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة، هذه طيبة -يعنى المدينة- ألا هل حدثتكم عن ذلك؟
فقال الناس: نعم: قال: فإنه أعجبنى حديث تميم أنه وافق الذي كنت
(1) زغر: (مدينة في الشام ويزرع الناس من عينها).
(2)
صلتا: المسلول من غمده، المهيأ للضرب.
أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من المشرق، ما هو؟ من قبل المشرق ما هو؟
وأومأ بيده المشرق.
قالت: (فحفظت هذا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)(1).
هذا الحديث صحيح السند وهو يشير إلى أن الدجال موثق بالسلاسل في جزيرة من جزر بحر اليمن، ووردت روايات أخرى أنه يخرج من خراسان أو أصبهان من المشرق، فأما الآن وقد اكتشفت كل الجزر ولم ير أحد الدجال، فكيف التوفيق في ذلك، والجواب أنه إما أن يكون الدجال قد هرب من ذلك المكان بعد فترة واختبأ في مكان آخر، وقد يكون في ديار اليهود القاطنين إقليم اصبهان الآن، وهذا الإنتقال له بإذن اللَّه تعالى، وأن الدجال لا يزال حى وفى ذلك المكان على التحديد ولكن اللَّه طمس عيون الناس عن رؤيته إلى أن يحين الوقت المناسب لرؤيته، وما ذلك على اللَّه بعزيز.
وأما رؤية تميم الدارى له موثقًا فى جزر البحر فهي من الكرامات التي يعطيها اللَّه لأوليائه ويخصهم بها من دون الناس، وكانت هذه الرؤيا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ليكون زيادة في إثبات صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر الصحابة عن الدجال، لذلك يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه واستبشر بهذا الخبر والناس ليخبرهم بذلك.
والخلاصة: المؤمن يؤمن بأن الدجال حى وموجود في مكان ما من الكرة الأرضية، وأن اللَّه تعالى طمس عيون الخلق الآن عن رؤيته إلى أن يحين الوقت المناسب لخروجه بإذن اللَّه (2).
(1) النقب: الطريق في الجبل، أو الباب المؤدى إلى مدخل المدينة.
(2)
رواه مسلم وأبو داود والترمذي.