الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع هلاك الدجال وحكم عيسى بن مريم
أولًا: عيسى بن مريم في المنظور القرآنى
إن قضية قتل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وصلبه، قضية يتخبط فيها اليهود والنصارى، فاليهود يزعمون أنهم قتلوه، ويخرون من كونه نبيًا من الأنبياء، والنصارى يزعمون أنه صلب وانتهى وأنه عاد بعد الصلب بفترة، وسيعود من جديد -بعد أن مات- ليرفع المؤمنين به فوق السحاب. والتاريخ سكت عن هذه القضية، والأناجيل التي كتبت عنه ينقصها الصدق لأنها كتبت عنه بعد فترة طويلة من إسدال الستار عليه فضلًا عن كونها محرفة، فلم يبق لنا من الحق والحقيقة لهذا الموضوع إلا كتاب رب العالمين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
إن القرآن الكريم يقرر أن: {قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157]{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157]{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} .
في هذا البيان القرآنى يتبين ضلال أهل الكتاب وكفرهم، وأن السيد المسيح السلام لم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لمناوئيه ذلك والتبس الأمر عليهم فقتلوا غيره ورفعه اللَّه إليه، وأن الذين يقولون بقتله ليس لهم حجة دامغة، اللهم إلا الظن واتباع الهوى، وأنه سينزل من السماء ويؤمن به أهل
الكتاب الذين كانوا يعتقدون موته، ويوم القيامة -أمام اللَّه تعالى- يشهد عليهم بذلك.
قال ابن كثير: (لا شك أن هذا هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الآية في تقرير بطلان ما ادعته اليهود في قتل عيسى عليه السلام وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة في ذلك، فأخبر اللَّه أنه لم يكن الأمو كذلك، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم أنه رفعه اللَّه إليه، وأنه باق حى وأنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة. .، فيقتل مسيح الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، يعنى لا يقبلها من أحد من أهل الأديان بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف)(1).
أما قولى تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران الآية 55]. . .
فقد جاء في تفسيرها: (أي آخذك وافيًا بروحك وجسمك، ورافعك إلى محل كرامتى، فالعطف للتفسير، يقال: وفيت فلانًا حقه، أي أعطيته إياه وافيًا فاستوفاه وتوفاه أي آخذه وافيًا. أو قابضك ومستوفى شخصك من الأرض، من توفى المال بمعنى استوفاه وقبضه، واعلم أن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب كما يدعى النصارى قال تعالى {قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] وما قتلوه يقينًا، فاعتقاد النصارى القتل والصلب كفر لا ريب فيه، وقد اخبر اللَّه تعالى أنه رفع إليه عيسى كما قال:{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] قال: {بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِليَهِ} [النساء: 158] فيجب الإيمان به، والجمهور على أنه حيًا من غير موت بجسده وروحه إلى
(1) تفسير ابن كثير ج 2 ص 435.