الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث اليهود
أولًا: قضاء اللَّه على اليهود في القرآن
بهذا القضاء الإلهى، أخبر اللَّه بنى اسرائيل بما سيؤول إليه أمرهم من الإفساد في الأرض لا أنه قضاء قسرى، لأن اللَّه تعالى لا يأمر بالفساد ولا يجبر عباده على الشر.
لقد قضى عليهم بذلك في التوراة التي أنزلت عليهم، أنهم سيفسدون في الأرض ويعبثون بها شرًا، ويذلون أعدائهم، ويخربون عليهم ديارهم، وينغصون عليهم عيشهم، لما تنطوى عليه نفوسهم من الشر والرذيلة والحقد على البشرية، إذ أنهم يعتقدون أن غيرهم من الأجناس الأخرى أراذل وأنهم -اليهود شعب اللَّه المختار، فهم يبيحون لأنفسهم قتلهم وإغتصاب أموالهم وأعرضهم.
إذن، فبنو اسرائيل سيعلون في الأرض المقدسة علوًا كبيرًا -كما بين ذلك
القرآن- بحيث تكون لهم الصولة والقوة والتمكين على أعدائهم، ولأن ليهو قتلة الأنبياء وأعداء الفضيلة وأصحاب السجل الأسود الحافل بالجرائم فلا يمد اللَّه لهم الحبل على الغارب، بل يسلط عليهم من ينتقم منهم ويستأصل بيضتهم.
إذا تحقق هذا الوعد -هو الوعد الحق- من الإفساد في الأرض -وقد تحقق سلفًا: بعث اللَّه عليهم عبادًا له أشداء أقوياء يسومونهم سوء العذاب، يخربون عليهم ديارهم- ويشربوهم كأس الذل والهوان، بحيث يستأصلون شأفتهم ويشردونهم ويمزَّقون شرَّ مُمزَّق، وهذا وعد من اللَّه تعالى قضاه عليهم لما يعلمه تعالى بأنهم يستحقون كل هذا العذاب فهم أهل الشر والقتل والخديعة على مر العصور.
بعد أن يلقنهم اللَّه تعالى هذا الدرس على أيدى عباده الذين وصفهم بأنهم أولو البأس شديد، ولعلهم استفادوا من هذا الدرس القاسى، أنعم عليهم بأن مدهم بالمال والبنين وجعلهم أكثر رخاء ونعمة من ذي قبل، فعسى أن يتوبوا إلى ربهم ويعودوا إلى رشدهم، ويرعووا عن غيهم، حتى إذا استعلوا وتجبروا وأفسدوا بما أعطاهم اللَّه تعالى من القوة والتمكين والمنعة، وفوضوا هذا الفضل الإلهي عليهم في غير المحل الذي أراده اللَّه لهم أن يضعوه، مكن المغلوبين والمستضعفين من النصر على المتجبرين والمستهترين من اليهود وأعوانهم.
والذى يجرى فى الوقت الراهن هو عين ما أخبر به القرآن الكريم، من وضع العرب والمسلمين مع اليهود في اسرائيل، فاللَّه تعالى كتب عليهم -اليهود- الذل والهوان {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 112].
وهنا استثناء عن هذا القضاء الإلهى عليهم، وذلك إذا أراد اللَّه تعالى لهم
الغلبة والنصر) {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عِمرَان: الآية 112].
أو إذا التزمهم الناس وهم الدول الغربية التي تلتزم اسرائيل وتمدها بالقوة والطغيان، فإذا أراد اللَّه لهم ذلك بحيث يصيرون أعزاء أقوياء، وهذا من الإبتلاء الذي ابتلى اللَّه به العرب والمسلمين.
لكن إذا جاء وعد الآخرة، أي قضاء اللَّه عليهم الأخير، سلط عليهم عبادًا يدخلون البؤس والشقاء عليهم من شدة بأسهم وبطشهم وانتقامهم، إذ عزاهم اللَّه إلى نفسه فقال {عِبَادًا لَنًا} [الإسراء: الآية 5] فيدخلون عليهم المسجد ويخربون ديارهم فوقهم، {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحمَكُمْ} [الإسراء: 8] أي عسى يا بنى اسرائيل أن يعطف عليكم ربكم نتيجة هذا الذل الذي اشربتموه، والتسلط الذي ابتلاكم به:{وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] أي كما أفسدتم في الأرض عدنا إلى عهدنا معكم، بأن نسلط عليكم عبادًا لنا أشداء أقوياء وهكذا إلى يوم القيامة.
وإذا استطردنا الأحداث التاريخية نرى ذلك واضحًا جليًا، في عهد اللَّه مع اليهود، فهم كلما أفسدوا في الأرض، سلط اللَّه عليهم من يهينهم، فمن هؤلاء: ونبوخذ نصر والإسكندر، إلى أن جاء الفتح الإسلامى حيث أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم قسمًا منهم عن ديارهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب من الجزيرة العربية، وفى العصر الحديث سلط اللَّه عليهم هتلر فظلوا مشردين مشتتين في الأرض أذلاء إلى أن حان وعد بلفور وجاء هرتزل فأقامهم في قلب الأمة الإسلامية في فلسطين، وهم اليوم يتجمعون من كل أنحاء العالم، ويذلون أعدائهم ويصبون عليهم جام غضبهم من جديد، إلى أن يحين القضاء الإلهى عليهم الذي ننتظره نحن المسلمون، بأن يسلط اللَّه عليهم أمة محمد العائدين إلى سلف مجدهم وقوتهم وهو الإسلام العظيم، ليحملوه