الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
أولًا: يأجوج ومأجوج
هذان الاسمان -يأجوج ومأجوج- يطلقان على أمة كبيرة من الناس، وهم محجوزون الآن في مكان ما، بين الجبال، جهة المشرق من الأرض، يخرجون بمشيئة اللَّه تعالى لهم، كما أشار بذلك القرآن الكريم (1).
هذه الأمة تظهر فجأة على العالم، تنساب عليهم من كل مكان، تنشر الرعب والفساد والدمار في الأرض، على نحو مذهل وطريقة مخيفة، حتى إنهم إذا مروا بقرية يدمرونها حتى يقال، قد كان في هذا المكان قرية كذا- ويمرون ببحيرة طبرية فيشربونها كلها، وأوان خروجهم هذا من العلامات الكبرى للساعة (2).
قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97]{يَاوَيْلَنَا قَدْ كنا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كنا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 97].
في هذا البيان القرآنى يشير تعالى إلى خروج يأجوج ومأجوج، من كل مكان مرتفع من الأرض يسرعون إلى الفساد فيها، وخروجهم هذا هو من علامات الساعة الكبرى، وإيذانًا باقتراب الوعد الحق، إذ تشخص أبصار الذين كفروا، وتبدو عليهم علامات الويل والثبور لظلمهم وتكذيبهم وغيهم
(1) سيأتى تفصيل هذا تبعًا.
(2)
كبرى اليقينات الكونية للدكتور/ محمد سعيد رمضان البوطى بتصرف.
عن الوعد الحق، واستهزائهم برسل اللَّه وما جاءوا به من عند اللَّه العزيز العظيم سبحانه.
تخرج هذه الأمة الكافرة بعد أن يقتل السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام المسيح الأعور الدجال، كما دل على ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة:
(كل واحد من هذين الفظين اسم لقبيل وأمة من الناس، مسكنهم في أقصى الشرق، وما يقال في خلقتهم وصفاتهم مما يخيل إني سامعه أنهم ليسوا من طبيعة البشر ولا على خلقة الناس فكذب أصل له)(1).
قال الحافظ ابن كثير في (تفسيره) سورة الكهف:
(هم من سلالة آدم عليه السلام كما ثبت في (الصحيحين) أن اللَّه تعالى يقول (أي يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: ابعث بعث النار، -أي: ميز أهل النار من غيرهم- فيقول: وما بعث أهل النار؟ وما مقدارهم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشب الصغير. . وتضع كل ذات حمل حملها. . . فقال: أي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج).
وفى رواية البخاري: (ابشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجل).
ثم قال الحافظ ابن كثير: (وما يذكر في الأثر عن وهب بن منبه في
(1) التصريح فيما تواتر في نزول المسيح بتحقيق أبو غدة.
أشكالهم وصفاتهم وآذانهم وطولهم وقصر بعضهم ففيه غرابة ونكارة، وروى بن حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها).
وقال الشيخ أبو حيان الأندلسى في تفسيره (روح المعانى) مرتضيًا له، ويعنى أبو حيان أن الأخبار التي تروى في ذلك ضعيفة لا تثبت على محك النقد.
وقد اتفقت كلمة القرآن الكريم والحديث الشريف على كثرة يأجوج ومأجوج، وشدة إفسادهم كما هو صريح في الحديث الذي نشرحه، وكما هو صريح في حديث (الصحيحين) الذي نقلناه عن الحافظ ابن كثير، وذكرناه بعض رواياته، وكما جاء ذلك في أحاديث كثيرة لا تحصى. . .
وقد افصح القرآن الكريم عن هذا أيضًا فقال تعالى في سورة الكهف مخبرًا عن ذي القرنين وعنهم، قال تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)} .
ثم قال سبحانه وتعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} .
قال العلامة الآلوسى في تفسيره (تفسيره): (قال أبو حيان (في البحر): (والأظهر كون الضمير في {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ} هو ليأجوج ومأجوج (أي وتركنا بعض يأجوج ومأجوج يموج في بعضهم آخر منهم حين يخرجون من السد، مزدحمين في البلاد وذلك بعد نزول عيسى عليه السلام) ثم عزز الآلوسى ذلك واستشهد له رحمه اللَّه تعالى بحديث النواس بن سمعان.
وقال الحافظ ابن كثير في (تفسيره): (وقال السدى في قوله تعالى:
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: ذاك حين يخرجون على الناس، وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال، كما سيأتى بيانه عند قوله تعالى في سورة الأنبياء:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} . قال: (وهذه صفتهم في حال خروجهم كأن السامع مع شاهد لذلك، ولا ينبئك مثل خبير.
رأى بن عباس صبيانًا يلعبون ينزو -يثب- بعضهم على بعض، فقال: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج، وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية، منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده (مسنده) وابن ماجة في (سننه) واللفظ لأحمد من أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (تفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال اللَّه عز وجل وهم من كل حدب ينسلون (فيغشون الناس -لفظ ابن ماجة- فيعمون الأرض -وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض، حتى أن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابسًا. . حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ها هنا ملء مرة!!
حتى إذا لم يبق من الناس أحدًا، إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقى أهل السماء، قال: ثم يمر أحدهم حربته ثم يرمى بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دمًا، للبلاء والفتنة.
فبينما هم على ذلك إذ بعث اللَّه عز وجل دودًا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقهم، -لفظ ابن ماجة- كنغف الجراد فتأخذ بأعناقهم -فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس فيقول المسلمون: ألا رجل يشرى لنا نفسه، فينظر ما فعل هذا الدود؟ قال: فينحدر رجل منهم محتسبًا نفسه قد