المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: الرسول يتحدث عن الفتن - كشف المنن في علامات الساعة والملاحم والفتن

[محمود رجب حمادي الوليد]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد البحث

- ‌1 - أشراط الساعة:

- ‌2 - قرب قيام الساعة:

- ‌3 - متى الساعة

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول علامات الساعة الصغرى

- ‌أولًا: بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيا: موته صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: انشقاق القمر

- ‌رابعًا: فتح بيت المقدس وطاعون عمواس

- ‌خامسًا: استفاضة المال وإخراج الأرض كنوزها

- ‌سادسًا: قتل الإمام

- ‌سابعًا: اقتتال فئتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة

- ‌ثامنًا: خروج الكذابين أدعياء النبوة

- ‌تاسعًا: وضع الأحاديث المكذوبة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌عاشرًا: ظهور الخوارج

- ‌أحد عشر: خروج نار من الحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى

- ‌اثنا عشر: رفع العلم وفشو الجهل وافتاء من ليسوا أهلًا لذلك

- ‌ثلاثة عشر: قلة البركة في الوقت والبخل في الخير وكثرة القتل

- ‌أربعة عشر: فشو الزنا وشرب الخمر وظهور المنكرات وكثرة النساء وقلة الرجال

- ‌خمسة عشر: فشو المعازف والقينات وإستحلالها وظهور الخسف والمسخ والقذف وكثرة الزلازل

- ‌ستة عشر: مقاتلة الأقوام عراض الوجوه، كأنها المجان المطرقة

- ‌سبعة عشر: تضييع الأمانة ورفعها من القلوب وصيرورة الأمور إلى غير أهلها

- ‌ثمانية عشرة: نزول المصائب وتمنى الموت

- ‌تسعة عشر: تداعى الأم على الأمة الإِسلامية

- ‌عشرون: ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء بالبنيان

- ‌واحد وعشرون: تسليم الخاصة (السلام على المعارف) وفشو التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور

- ‌اثنان وعشرون: المرور في المساجد واتخاذها طرقًا وعدم الصلاة فيها

- ‌ثلاثة وعشرون: زخرفة المساجد والتباهى بها

- ‌أربعة وعشرون: تدافع المصلين لعدم وجود إمام يصلى بهم

- ‌خمسة وعشرون: عودة جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا

- ‌ستة وعشرون: رفض السنة النبوية

- ‌سبعة وعشرون: يكرم الرجل مخافة شره وأمور تجلب البلاء

- ‌ثمانية وعشرون: تخوين الأمين وائتمان الخائن، ووضع الخيار ورفع الأشرار، والفحش والتفحش

- ‌تسعة وعشرون: ظهور أعوان الظلمة الذين يجلدون الناس بسياطهم

- ‌ثلاثون: ظهور الكاسيات العاريات والتقليد الأعمى لأعداء الإسلام

- ‌إحدى وثلاثون: قطع المال والغذاء عن العراق وغيرها من بلاد المسلمين

- ‌اثنان وثلاثون: انتفاخ الأهلة وموت الفجأة

- ‌ثلاث وثلاثون: تغيير المظاهر لأخفاء الشيب (الخضاب بالسواد)

- ‌أربعة وثلاثون: تكليم السباع والجماد للإنسان وإخبار الفحذ بما يحدث الأهل

- ‌خمسة وثلاثون: صدق رؤيا المؤمن

- ‌الفصل الثاني الفتن

- ‌أولًا: حذيفة بن اليمان وأحاديث الفتن

- ‌ثانيًا: لا فتن وعمر موجود

- ‌ثالثًا: الرسول يتحدث عن الفتن

- ‌رابعًا: اللسان في الفتنة

- ‌خامسًا: الأمر بالصبر عند الفتن

- ‌سادسًا: بادروا بالأعمال عند الفتن

- ‌سابعًا: انقلاب الموازين

- ‌ثامنًا: فتنة الأحلاس والسراء والدهيماء

- ‌تاسعًا: ظهور الدعاة على أبواب جهنم

- ‌عاشرًا: وجوب لزوم الجماعة

- ‌أحد عشر: الأمر بتعلم كتاب اللَّه

- ‌اثنا عشر: لماذا يكون القرآن هو العاصم عن الفتن، والمخرج منها

- ‌ثلاثة عشر: تمنى الموت إذا ظهرت الفتن

- ‌أربعة عشر: أسباب كثرة الفتن في هذا الزمان

- ‌خمسة عشر: ما موقف المسلم عند الفتن

- ‌ستة عشر: إعداد الإيمان وإكراه النفوس وفضل العبادة

- ‌الفصل الثالث ظهور الرايات السود

- ‌الباب الثاني

- ‌الفصل الأول علامات الساعة الكبرى

- ‌تمهيد

- ‌أولًا: خليفة اللَّه المهدى

- ‌ثانيًا: أحداث قبل وبين يدى خروجه

- ‌ثالثًا: كلمة عن انحسار الفرات

- ‌رابعًا: يتبين من خلال النصوص ما يلى:

- ‌خامسًا: المهدى في السنة النبوية

- ‌سادسًا: الطائفة المنصورة:

- ‌الفصل الثاني الملاحم والغزو وفتح القسطنطينية

- ‌أولًا: الملاحم

- ‌ثانيًا: الملاحم في السنة النبوية

- ‌ثالثًا: غزو المعسكر الغربى لبلاد المسلمين

- ‌رابعًا: إشكال ورده حول فتح القسطنطينية

- ‌خامسًا: الرد على منكرى ظهور المهدى

- ‌سادسًا: البشائر

- ‌الفصل الثالث الدجال الأكبر

- ‌أولًا: من هو الدجال

- ‌ثانيًا: الدجال في السنة النبوية

- ‌الباب الثالث

- ‌الفصل الأول علامات خروج الدجال

- ‌أولًا: هل الدجال حي

- ‌ثانيًا: علامات خروج الدجال

- ‌ثالثًا: الأمصار التي تتصدى للدجال

- ‌رابعًا: منزلة الرجل الذي يتصدى للدجال

- ‌الفصل الثاني قتل عيسى بن مريم للدجال

- ‌أولًا: عيسى بن مريم يقتل الدجال

- ‌ثانيًا: التوفيق بين الروايات

- ‌ثالثًا: أسئلة حول الدجال

- ‌رابعًا: السلف يعلمون هذه الأخبار للناس

- ‌الفصل الثالث اليهود

- ‌أولًا: قضاء اللَّه على اليهود في القرآن

- ‌ثانيًا: اليهود والدجال

- ‌ثالثًا: قتال اليهود في السنة

- ‌رابعًا: الوعد الحق والوعد المفترى

- ‌خامسًا: المستند التأريخى للوعد المفترى وموقف الغرب منه

- ‌سادسًا: الدجال في منظور اليهود والنصارى

- ‌سابعًا: عقيدة النصارى الألفية

- ‌ثامنًا: إيمان قادة الغرب بمعركة (هرمجدون)

- ‌تاسعًا: إن الذي يقرأ هذا الفصل يتبين له ما يلي:

- ‌الفصل الرابع هلاك الدجال وحكم عيسى بن مريم

- ‌أولًا: عيسى بن مريم في المنظور القرآنى

- ‌ثانيًا: عيسى بن مريم في السنة النبوية

- ‌ثالثًا: الأيام بعد هلاك الدجال وحكم عيسى عليه السلام

- ‌رابعًا: التوفيق بين الروايات في كيفية قتل عيسى للأعور الدجال

- ‌خامسًا: ماذا بعد قتل عيسى عليه السلام للدجال

- ‌الفصل الخامس ابن الصياد

- ‌أولًا: ابن الصياد

- ‌ثانيًا: ابن الصياد في السنة النبوية:

- ‌ثالثًا: أقوال العلماء في ابن صياد

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول

- ‌أولًا: يأجوج ومأجوج

- ‌ثانيًا: ذو القرنين ويأجوج ومأجوج

- ‌ثالثًا: ذو القرنين في القرآن

- ‌رابعًا: يأجوج ومأجوج في السنة

- ‌خامسًا: أوصافهم

- ‌سادسًا: هل فتح السد وخرج يأجوج ومأجوج

- ‌الفصل الثاني علامات الساعة الكبرى غير المألوفة

- ‌تمهيد

- ‌أولًا: طلوع الشمس من المغرب

- ‌ثانيًا: الدابة

- ‌ثالثًا: الدخان

- ‌رابعًا: الريح الطيبة

- ‌خامسًا: خروج النار

- ‌سادسًا: الخسوفات الثلاثة

- ‌الفصل الثالث تخريب الكعبة

- ‌أولًا: تخريب الكعبة:

- ‌ثانيًا: كيف تخرب الكعبة

- ‌ثالثًا: القحطانى يقتل ذا السويقتين

- ‌رابعًا: المدينة المنورة والحث على سكناها

- ‌خامسًا: خراب المدينة المنورة

- ‌سادسًا: رفع القرآن من الصدور والمصاحف

- ‌سابعًا: الناس الذين تقوم عليهم الساعة

- ‌الخاتمة

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌ثالثا: الرسول يتحدث عن الفتن

‌ثالثًا: الرسول يتحدث عن الفتن

1 -

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم. (اشرف على أطم (1) من آطام المدينة ثم قال: هل ترون ما أرى؟

إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر) (2) قال النووي: (التشبيه بمواقع القطر: في الكثرة والعموم. أي أنها كثيرة وقع الناس لا تخص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كموقعة الجمل وصفين)(3)

2 -

سئل صلى الله عليه وسلم: هل للإسلام من منتهى؟

فقال: أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد اللَّه بهم خيرًا ادخل عليهم الإسلام

فقال: ثم ماذا؟

قال: ثم تقع الفتن كالظلل

فقال الرجل: كلا واللَّه إن شاء اللَّه.

قال: بلى والذي نفسي بيده، لتعودن فيها أساود صبًا (4)، يضرب بعضكم رقاب بعض) (5).

(1) الأطم: المكان المرتفع.

(2)

أخرجه البخاري ومسلم.

(3)

انظر شرح صحيح مسلم للنووي باب الفتن.

(4)

أساود صبًا: قال الزهري: (الحية السوداء إذا أراد أن ينهش ارتفع هكذا ثم انصب)، وقال القرطبي في (التذكرة):

الأساود: جمع أسود وهي الحية السوداء وصبًا: جمع صاب وهو الذي يميل ويلتوي وقت النهش ليكون انكى في اللدغ وأشد صبًا للسم. . .).

(5)

رواه البيهقي.

ص: 123

3 -

عن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فزعًا مرعوبًا يقول: سبحان اللَّه ماذا فتح الليلة من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقض صواحب الحجر، يريد أزواجه- لكى يصلين، رب كاسية في الدنيا عاريةً في الآخرة)(1).

4 -

خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أصحاب الحجرات، سعرت النار، وجاءت الفتن كأنها قطع الليل المظلم، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا)(2).

5 -

عن عبد اللَّه بن عمر قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الفتنة تجئ من هنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى عليه السلام الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال اللَّه عز وجل {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] (3).

6 -

عن عبد اللَّه بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا- مرتين فقال رجل: وفى مشرقنا يا رسول اللَّه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من هناك يطلع قرن الشيطان، وبها تسعة أعشار الشر)(4).

(1) رواه البخاري: 16/ 7068 ومسلم.

(2)

قال أبو الحسن القابسي: هذا الحديث وإن كان مرسلًا فإنه من جيد المراسيل وعبيد بن عمير من أئمة المسلمين وقد روى البخاري معناه.

(3)

رواه مسلم.

(4)

أخرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير وأخرجه البخاري والترمذي ولفظه: (قالوا وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن، بها يطلع قرن الشيطان) والمقصود بـ (نجد) في الحديث ليس نجد الجزيرة العربية وإنما هي (العراق) كما أشار الأصبهاني في (الحلية): 6/ 133: فقال رجل: يا رسول اللَّه وفى عراقنا؟. . . فقال: فيها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن =

ص: 124

7 -

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة:

(إكسروا فيها قسيكم، واقطعوا فيها أوتاركم، والزموا فيها اجواف بيوتكم، وكونوا كابن آدم)(1).

8 -

وأخرجه أبو داود بزيادة له في أوله قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أن بين يدى الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم (2)، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خيرًا من القائم، والماشي فيها خيرًا من الساعي، فكسروا فيها قسيكم، وقطعوا أوتاركم، وضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير بنى آدم) (3).

وفى رواية: قالوا فما تأمرنا؟ قال كونوا أحلاس (4)، بيوتكم) (5).

9 -

عن بكر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أنها ستكون فتنة ألا ثم تكون فتن، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه: أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟

= الشيطان، والحقيقة فإن العراق كان مسرحًا للفتن والحروب وخروج الفرق الضالة والمبتدعة.

(1)

صحيح الجامع: رقم 1232.

(2)

قطع الليل: طائفة منه أراد فتنة سوداء تعظيمًا لشأنها.

(3)

خير بنى آدم: هو الذي قال لأخيه: (لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك. .).

(4)

أحلاس بيوتكم: فلان حلس بيته، إذا لزمه لا يغادره، مأخوذ من الحلس، وهو الكساء الذي يكون على ظهر البعير أو حلس بيته: كمتاع من متاع البيت كالبساط وغيره وذلك مبالغة في العزلة إذا ظهرت الفتن.

(5)

صحيح الجامع: رقم 2045.

ص: 125

قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه: أرأيت إن اكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه، ويجئ سهم فيقتلنى؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار) (1). قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم (القاعد فيها خير من القائم إلى آخره. . .بمعناه: (بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها، وإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها)(2). قال الطبري: (اختلف السلف فحمل ذلك بعضهم على العموم وهم من قعد عن الدخول في القتال بين المسلمين مطلقًا، وقالت طائفة: بلزوم البيوت، وطائفة أخرى بالتحول عن بلد الفتن أصلًا. ومنهم من قال: إذا هجم عليه شيء من ذلك يكف يده ولو قتل، منهم من قال: بل يدافع عن نفسه وعن ماله وأهله وهو معذور إن قتل أو قتل، وقال آخرون: إذا بغت طائفة على الإمام وجب قتالها، ووجب على كل قادر الأخذ على يد المخطئ ونصر المصيب، وفصل آخرون فقالوا: كل قتال وقع بين طائفتين من المسلمين حيث لا إمام ولا جماعة فالقتال حينئذ ممنوع، وقيل: إن أحاديث النهي مخصوصة بآخر الزمان حيث يحصل التحقق بأن المقاتلة إنما هي في طلب الملك، وقد وقع في حديث بن مسعود الذي اشرت إليه (قلت يا رسول اللَّه ومتى ذلك؟ قال أيام الهرج قلت: ومتى؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه)(3).

(1) صحيح الجامع: رقم 2426.

(2)

شرح مسلم للنووي باب الفتن.

(3)

فتح الباري لابن حجر 13 كتاب الفتن.

ص: 126

10 -

في رواية عنه صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب، قطعًا كالليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال الشوك)(1).

11 -

وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا إلا من أحياه اللَّه بالعلم)(2).

12 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن القاعد لها تستشرقه، فمن وجد منها ملجأً أو معاذًا فليعذ به)(3).

قال ابن حجر: قال بعض الشراح. (في قوله: (والقاعد فيها خيرًا من القائم) أي القاعد في زمانها عنها فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن تشرف قال: والمراد بالقائم الذي لا يستشرفها وبالماشي من يمشي في أسبابه لأمر سواها فربما يقع بسبب مشيه في أمر يكرهه).

قال وحكى بن التين عن الداودى: الظاهر أن المراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها، يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببًا لإثارتها، ثم من يكون قائمًا بأسبابها وهو الماشي، ثم من يكون مباشرًا لها وهو القائم، ثم من يكوم مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد، ثم من يكون مجتنبًا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شيء من ذلك لكنه راض وهو النائم، والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرًا من فوقه).

(1) رواه الترمذي وأحمد وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

رواه أحمد وأبو داود وقال الهيتمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

رواه البخاري: رقم 7082.

ص: 127

قوله: (من تشرف لها تستشرفه): (من تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يغرض عنها تستشرفه أي تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك، يقال: استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه، يريد من انتصب لها انتصبت له ومن اعرض عنها أعرضت عنه، وحاصله بأن من طلع فيها بشخصه قابلته بشرها، ويحتمل أن يكون المراد من خاطر فيها بنفسه أهلكته، ونحو قول القائل من غلبها غلبته.

قوله: (فمن وجد فيها ملجأً أو معاذًا فليعذ به): (أي يلتجئ أليه من شرها، أي ليعتزل فيه ليسلم من شر الفتنة وفيه التحذير من الفتن عمومًا والحث على اجتنابها وأن الشر يلق بصاحبها حسب تعلقه بها، وتطلعه إليها وإلا فالأولى به أن يعتزلها كى لا يقع فيها واللَّه أعلم)(1).

13 -

عن الزبير بن عدي قال: (أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذى بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم (2).

وفي رواية عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عند الاسماعيلى: (شكونا إلى أنس ما نلقى من الحجاج)(3)

قال بن بطال: (هذا الخبر من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال، وذلم من الغيب الذي لا يعلم بالرأى وإنما يعلم بالوحى)(4).

قال ابن حجر: (وقد استشكل هذا الإطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 13.

(2)

رواه البخاري برقم 7068.

(3)

فتح الباري لابن حجر ج 13 كتاب الفتن.

(4)

المصدر السابق.

ص: 128

في الشر دون التي قبلها، ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز وهو بحذر من الحجاج بيسير. . .بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه لما كان بعيدًا، فضلًا عن أن يكون شر من الزمن الذي قبله، وقد حمله الحسن البصرى على الأكثر الأغلب.

وأجاب بعضهم: أن المراد بالتفضيل، تفضيا مجموع العصر، فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله صلى الله عليه وسلم:(خير القرون قرني) وهو في الصحيحين، ثم وجدت عن عبد اللَّه بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع، يقول لا يأتي عليكم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعنى رخاء من العيش يصيبه ولا مالًا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء واستوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون).

وفى لفظ عنه من هذا الوجه (يعني بن مسعود): (وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه)(1).

قال ابن حجر: (قلت: ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد بالأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال، وأما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف واللَّه أعلم، ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة

(1) المصدر السابق.

ص: 129

الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم، فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور، ولكن الصحابي فهم التعميم فلذلك أجاب من شكا إليه من الحجاج بذلك وأمرها بالصبر) (1).

قال القسطلاني في شرحه للبخارى: (وعند الطبراني بسند صحيح عن بن مسعود رضي الله عنه قال: (امس خير من اليوم، واليوم خير من غد، وكذلك حتى تقوم الساعة)(2).

14 -

عن هند بنت الحارث الرواسية أن أم سلمه زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (استيقظ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة فزعًا يقول: سبحان اللَّه، ماذا أنزل اللَّه من الخزائن وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صوحب الحجرات -يريد أزواجه- لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عاريةً في الآخرة)(3) قال ابن حجر: قال ابن بطال: (في هذا الحديث أن الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسبه وإن يخل به فبمنع الحق أو يطر صاحبه فيسرف، فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك وأراد بقوله: (من يوقظ) بعض خدمه كما قال يوم الخندق: (من يأتينى بخبر القوم)(4).

وفى الحديث الندب إلى الدعاء، والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له وباللَّه التوفيق) (5).

(1) فتح الباري لابن حجر ج 13 كتاب الفتن.

(2)

إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني.

(3)

رواه البخاري: رقم 7069.

(4)

فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر ج 13 كتاب الفتن.

(5)

المصدر السابق.

ص: 130

15 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)(1).

قوله (يفر بدينه من الفتن): قال ابن حجر: (والخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، وقد اختلف السلف في أصل العزلة فقال الجمهور. الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعبادة وغير ذلك

وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين، وقال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى، وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجح، وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينًا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يطلب على ظنه أن يسلم في نفسه إذا قام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وممن يستوى من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبًا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلكها كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] ويؤيد التفضيل المذكور حديث بن سعيد.

(1) رواه البخاري: شغف الجبال: أعلاها. الفطر: الغيث.

ص: 131