الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حجر في الفتح: (روى الفاكهى أن ذا القرنين حج ماشيًا فسمع به إبراهيم فتلقاه ومن طريق عطاء عن ابن عباس: (إن ذا القرنين دخل المسجد الحرام فسلم على إبراهيم وصافحه) ومن طريق عثمان بن ساج: (إن ذا القرنين سأل إبراهيم أن يدعو له، فقال: كيف وقد أفسدتم بئرى؟ يعنى زمزم.
فقال: لم يكن ذلك عن أمرى، يعنى أن بعض الجند فعل ذلك بغير أذنى.
قال ابن حجر: (فهذه الآثار يشد بعضها بعضًا)(1).
إذن: ذو القرنين رجل صالح مكن اللَّه له في الأرض فبلغ ملكه المشارق والمغارب، وآتاه اللَّه العلم والحكمة ومباشرة أسباب التمكن في الأرض.
ثالثًا: ذو القرنين في القرآن
أما قصته مع يأجوج ومأجوج، هذه الأمة الطاغية، فقد جاء ذكرها في القرآن. قال تعالى:{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99). . .} [الكهف: 92 - 99].
أي أن ذا القرنين اتبع طريقًا آخر في الأرض فوصل إلى السدين، وهما
(1) تفسير ابن كثير وقال عنه ابن كثير: هذا حديث مرسل.
جبلان شاهقان بينها ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج، وهذان الجبلان هما في شرق الأرض، ومن المفسرين من يزعم أن هذه الأمة هي أمة الصين وما جاورها من الشعوب، لأنهم أوباش لا دين لهم ولا قيم، حتى إذا أيقنوا بالانتصار على من في الأرض، تطلعوا إلى السماء ليحاربوا من فيها كما ورد في السنة، وسيأتى لاحقًا.
فوجد ذو القرنين قومًا لا يكاد يفهم كلامهم لعجمتهم وبعدهم عن الناس، فعرضوا عليه أن يجعلوا له مكافأة، على أن يبنى لهم سدًا يكون حاجزًا بينهم وبين أمة يأجوج ومأجوج، لأن الآخرين مفسدون في الأرض، فأبى أن يأخذ منهم مكافأة لأن اللَّه تعالى مكنه في الأرض وآتاه الملك، فهو ليس بحاجة إلى هديتهم وذلك من باب العفة والدين، ولكن عرض عليهم أن يساعدوه ليبنى لهم هذا البناء الذي طلبوه منه، وقال لهم:{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وهى قطع الحديد كاللبن، فبنى لهم هذا البناء من الأساس، حتى حاذى به رأسي الجبلين المذكورين، وأضاف عليه النحاس المذاب ليزداد قوة فوق قوته ورصانته.
عن أبي قتادة قال: ذكر لنا أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج
قال: انعته لي؟
قال: كالبرد الحبر -طريقه سوداء وطريقة حمراء.
قال: قد رأيته) (1).
ثم أخبر جل وعلا: أن يأجوج ومأجوج لم يستطيعوا أن يصعدوا فوق هذا
(1) رواه أحمد. المصدر السابق.
السور ولا نقبه وذلك بأمر اللَّه تعالى ومشيئته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كانوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعودون إليه أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد اللَّه أن يبعثهم على الناس، حفروا حتى إذا كانوا يرون الشعاع قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، إن شاء اللَّه، فيستثنى فيعودون إليه، وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعَلَوْنَا أهل السماء.
فيبعث اللَّه عليهم نغفًا فيهم في رقابهم فيقتلهم بها، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى محمد بيده، أن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم) (1).
ثم قال ذو القرنين: إن بناء هذا السد ووقوفه وعدم استطاعة يأجوج ومأجوج استظهاره أو نقبه هى من رحمة اللَّه بالناس، لكن إذا حان وقت خروجهم وشاء اللَّه لهم ذلك، جعل هذا السد دكاء، أي مستويًا،
(تقول العرب: ناقة دكاء: إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها)(2). فتخرج هذه الأقوام، ويكون خروجها فتنة للناس ومحنة قاسية، وهذا الخروج يكون بين يدى الساعة، وهو حق صائر لا محالة لأنه من عند اللَّه وبأمره.
قال صاحب الظلال: (كشف سد بمقربه من مدينة (ترفد) عرف بباب الحديد، وقد مر به في أوائل القرن الخامس عشر الميلادى العالم الألمانى
(1) المصدر السابق.
(2)
في ظلال القرآن.