الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومقتل الحسين بن علي عنهما ومقتل كثير من الصحابة كعبد اللَّه بن الزبير وغيره، واستباحة مدينة الرسول في يوم الحرة وضرب الكعبة بالمنجنيق أيام الحجاج، ثم توقفت الفتن والحروب بعد ذلك وانتشرت الفتوحات الإسلامية فكان خيرًا ولكن فيه دخن، أي خبر غير خالص تشوبه بعض المنكرات والترف وظهور البدع والفرق التي فرقت المسلمين وجعلتهم طرائق قددًا، وهذه الفرق -لا شك- كانت تهدى بغير هدى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان في أقوالهم حق مشوب بالباطل، لعدم اتباعهم المنهج الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه أصحابه من بعده، ثم كان بعد ذلك الخير العميم -الذي استمر أكثر من عشرة قرون- كان بعده الشر الذي تمثل في ظهور الدعاة على أبواب جهنم، وهم دعاة الكفر والإلحاد، الذين ظهروا في منتصف القرن الرابع عشر الهجري ومطلع هذا القرن الميلادى، فقلوبهم قلوب الشياطين الذين توغر بالحقد والكره للحق وأهله، وتطرب للباطل والشر ودهاقنة الكفر والضلال، النبي صلى الله عليه وسلم يوصى حذيفة وأمته من خلاله أن تعتزل هذه الفرق الضالة كلها، وتتمسك بأهداب الكتاب والسنة، وعلى المسلم أن يبقى متمسكًا بمبادئ الحق، عاضًا بالنواجذ على إيمانه بأحقية الإسلام، ويعتزل هذه الفرق كلها ولو أن يلزم جزع شجرة ماسكًا به حتى يدركه الموت وهو كذلك على الحق المبين، غير حائر ولا وجل ليأمن الفتنة في دينه، هكذا كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لحذيفة وأمته من بعد حذيفة.
عاشرًا: وجوب لزوم الجماعة
تبين من خلال الحديث السالف وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم النقاط على الحروف لحذيفة، بأن يلزم جماعة المسلمين عند ظهور الدعاة على أبواب جهنم، وهذه
نصوص أخرى تعضد وتؤيد مبدأ لزوم الجماعة.
1 -
عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال. (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)(1).
2 -
وقال صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ألا وهي الجماعة)(2).
وفى رواية أخرى: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)
قال ابن حجر معلقًا على قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري:
(تلزم جماعة من المسلمين وإمامهم)(وفى رواية الطبراني فإن رأيت خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك، فإنه لم يكن خليفة فالهرب. .) وفى رواية ابن ماجه (فلأن تموت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدًا منهم)
(الجذل): عود ينصب لتحتك به الإبل.
(قوله: وأنت على ذلك): أي العض، وهو كناية عن لزوم جماعة المسلمين).
ثم قال ابن حجر: قال البيضاوى: (المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة ذلك الزمان، وعض أصل الشجرة: كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان بعض الحجارة من شدة الألم.
وقال ابن أبي جمرة: (في الحديث حكمة اللَّه في عباده، كيف أقام كلًا
(1) التاج الجامع للأصول ج 5 ص 308.
(2)
رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وقال: هذا إسناد قوى على شرط الصحيح.
منهم فيما شاء، فجب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعلموا بها -ويبلغوها غيرهم، وجب لحذيفة السؤال عن الشر ليجتبه ويكون سببًا في دفعه عمن أراد اللَّه له النجاة، وفيه سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بوجوه الحكم حتى كان يجيب كل من مسألة بما يناسبه) (1).
3 -
خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية (2) فقال (أيها الناس أنى قمت فيكم كمقام الرسول صلى الله عليه وسلم فإنا فقال: أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)(3).
4 -
عن الحارث بن الحارث الأشعرى وذكر حديثًا طويلًا وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(وأنا آمركم بخمس أمرنى اللَّه بهن، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فإن مكن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)(4).
قال ابن بطال: (مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة لقوله (لتكونوا شهداء على الناس) وشرط قبول الشهادة العدالة، والمراد بالجماعة: أهل الحل والعقد من كل عصر).
وقال الكرماني: (مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف متابعة ما
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر ج 13.
(2)
الجابية: إسم مكان في المدينة.
(3)
رواه الترمذي بسند صحيح.
(4)
قال عنه ابن حجر في فتح الباري: (حديث رواه الترمذي مصححًا).