الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنزل اللَّه بها من سلطان واللَّه المستعان.
قال الحافظ في الفتح. (وأما قوله: (ويلقى الشح): فالمراد لقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره. . .) (1).
أو قد يكون زهد الناس عمومًا بالتعليم الشرعى وإنصرافهم إلى تعلم العلوم الأخرى التي قدر عليهم وتطغي عليهم حضرة دنيوية، فيقل المتعلمون ويندر الفقهاء ويصبح العلماء الربانيون أندر من الكبريت الأحمر، فيضطر الناس للجوء إلى أدعياء العلم من الجهال والمشعوذين فيضلونهم.
قال الحافظ ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم)(ومعناه أن العلم يرفع بموت العلماء فكلما مات عالم ينقص العلم بالنسبة إلى فقد حامله، وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء)(2).
ثلاثة عشر: قلة البركة في الوقت والبخل في الخير وكثرة القتل
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول اللَّه، وما الهرج؟
قال: القتل القتل (3).
معنى "يتقارب الزمان":
(1) فتح الباري: 16/ 309.
(2)
فتح الباري: 16/ 310.
(3)
تقدم تخريجه.
(أن يعتدل الليل والنهار أو يدنو قيام الساعة أو تقصر الأيام والليالى أو يتقارب في الشر والفساد أو تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض. . .؟.
في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف وينهى عن منكر لغلبة الفسق. . .
والحق: أن المراد نزع البركة من كل شيء (1).
2 -
أخرج الترمذي من حديث أنس، وأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا:
(لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة كاحتراق السعفة)(2).
قال الحافظ في الفتح تعقيبًا على هذا الحديث: (فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات قرب الساعة).
ثم قال: قال النووي: المراد بقصده عدم البركة فيه وأن اليوم مثلًا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة. . .).
(يلقى الشح): هو البخل في قلوب الناس على إختلاف أحوالهم، حتى يبخل العالم بعلمه، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغنى بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد أصل الشح لأنه لم يزل موجودًا) (3).
(1) إرشاد الساري للقسطلانى.
(2)
فتح الباري: 16/ 307.
(3)
فتح الباري: 16/ 309.
قال القرطبي في التذكرة عن معنى الشح: (يجوز أن يكون "يلقى" بتخفيف اللام والفاء أي يترك لأجل كثرة المال وإفاضته حتى يهم ذو المال من يقبل صدقته فلا يجد، ولا يجوز أن يكون بمعنى يوجد لأنه ما زال موجودًا، كذا جزم به، وقد تقدم ما يرد عليه)(1).
ولكن ذكر ابن حجر المعنى الآخر بالتشديد وهو الصحيح أى "يلقى" قال: (ويحتمل أن يكون بفتح اللام وتشديد القاف أي يتلقى ويتعلم ويتواصى به كما في قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} .
قال: والرواية بسكون اللام تفسد المعنى لأن الإلقاء بمعنى الترك ولو ترك لم يكن موجودًا وكان مدحًا والحديث ينبئ بالذم.
قلت: وليس المراد بالإلقاء هنا أن الناس يلقونه، وإنما المراد أنه يلقى إليهم أي يوقع في قلوبهم
ومنه: (إنى ألقى إلى كتاب كريم)(2).
قوله: "وتظهر الفتن": قال الحافظ بن حجر: (المراد كثرتها واشتهارها وعدم التكاتم بها واللَّه المستعان).
قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون إلقاء الشح عامًا في الأشخاص، والمحذور من ذلك ما يترتب عليه مفسده، والشحيح شرعًا هو من يمنع ما وجب عليه وإمساك ذلك ممحق للمال مذهب لبركته ويؤيده (ما نقص مال من صدقة)(3).
معنى "الهرج": قال الحافظ ابن حجر:
(1) التذكرة للقرطبى: ج 2.
(2)
فتح الباري: 16/ 310 - 311.
(3)
فتح الباري: 16/ 310 - 311.
(والهرج القتل. . . وأصل الهرج في اللغة العربية الإختلاط يقال: هرج الناس اختلطوا واختلفوا وهرج القوم في الحديث إذا كثروا وخلطوا. . .
ثم قال: وذكر صاحب "المحكم" للهرج معانى أخرى ومجموعها تسعة:
شدة القتل، كثرة القتل، الاختلاط، الفتنة في آخر الزمان، كثرة النكاح، كثرة الكذب، كثرة النوم، وما يرى في النوم غير منضبط، وعدم الإتقان للشئ.
وقال الجوهرى: أصل الهرج: الكثرة في الشيء حتى لا يتميز (1).
3 -
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج)
قالوا: وما الهرج يا رسول اللَّه؟
قال: القتل، القتل (2).
4 -
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدرى القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل
فقيل: كيف يكون ذلك؟
قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار (3)
5 -
روى أحمد وابن ماجة عن أبي موسى قال: حدثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن بين يدي الساعة لهرجًا قال: قلت يا رسول اللَّه: وما الهرج؟
(1) فتح الباري: 16/ 310 - 311.
(2)
مختصر صحيح مسلم بتحقيق الشيخ الألباني رقم: 2009.
(3)
مختصر صحيح مسلم بتحقيق الشيخ الألباني رقم: 2010.
قال: القتل
فقال بعض المسلمين: يا رسول اللَّه إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته.
فقال بعض القوم: يا رسول اللَّه، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء في الناس لا عقول لهم) (1).
يتبين من هذا الحديث أمورًا نراها ونعيشها ونتحمسها، فقد اضطربت الموازين وقل الورع، وابتعد الناس عن دينهم، وإذا حصل مثل هذا إشرأبت الأعناق إلى المفاسد واستشرت الشهوات.
انتشرت الحروب وتمادى القتلة في قتلهم وأصبح إراقة الدم شيئًا عاديًا بل إن هناك حروبًا يدخلها الناس مجبورين ولا يدرون على أي شيء يقاتلون، وتزهق أرواحهم إلى باريها وهم لا يعرفون السبب، بل لا نكاد نسمع نشرة للأخبار إلا ونجد قتلًا في مكان ما من العالم، فقد صدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك وهو الصادق المصدوق.
(1) صحيح ابن ماجه رقم: 3198.