الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتنة يهرم فيها الكبير ويربوا فيها الصغير (1) ويتخذها الناس سنة، إذا ترك منها شئ قيل تركت السنة:
قالوا: ومتى ذلك؟
قال: إذا ذهبت علماؤكم وكثر قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين) (2).
ثامنًا: فتنة الأحلاس والسراء والدهيماء
- عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا قعودًا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس.
فقال قائل يا رسول اللَّه: وما فتنة الأحلاس؟
قال هي هرب وحرب. ثم فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي.
يزعم أنه منى وليس منى، وإنما من أوليائي المتقون، ثم يصلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده) (3).
قوله: (فتنة الأحلاس): شبه هذه الفتنة بالأحلاس، وهي جمع حلس، وهو كساء يكون على ظهر البعير لدوام هذه الفتنة ولزومها.
(1) يربو فيها الصغير: يشب عليها الصغير ويكبر.
(2)
صحيح الترغيب والترهيب: رقم 106.
(3)
صحيح الجامع: رقم 4070.
قوله: (حرب): بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال حرب الرجل فهو حريب، إذا سلب أهله وماله.
(كورك على ضلع): هو مثل: أي أنه لا يستقل بالملك ولا يلائمه، كما أن الورك لا تلائم الضلع.
(الدهيماء): السوداء المظلمة أو الداهية ومنها: أدهم أي أسود.
(الفسطاط): الخيمة الكبيرة والمراد به في هذا الحديث: الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى) (1)
الظاهر من هذا الحديث الذي وفعه ابن عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن فتنة (الأحلاس) هي الفتنة التي نشبت بين المسلمين بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما حدث من الإقتتال بعده حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى الإعتزال وأن يكون المسلم (حلس بيته) وهي مبالغة في التصوير البلاغي حيث شبه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بحلس البيت أي يكون كمتاع من متاع بيته وهي إمعان في الأمر بالعزلة وعدم المشاركة في الفتن التي تحدث.
أما فتنة (السراء): (فقد تكون سيطرة العباسين على الحكم وما رافق ذلك من ظلم وترف، أي هي فترة الخير الذي يشوبه دخن (2) وقد تكون فتنة السراء هي الفتنة التي حصلت من تحت قدمي حاكم الحجاز الملقب (بالشريف) والذى اتفق مع الأنكليز ضد المسلمين العثمانيين، ولا شك أن السراء والترف الذي حصل في ذلك العصر نتيجة اكتشاف النفط كان فتنة عظيمة أصاب نسبة كبيرة من المسلمين والعرب، وهكذا تكون فتنة السراء
(1) انظر هامش: اليوم الآخر في ظلال القرآن، أحمد فائز صـ 137.
(2)
سيأتي الحديث لاحقًا.
هي فتنة (الدعاة على أبواب جهنم)(1) الذين تزامن ظهورهم مع ظهور الحسين بن علي حاكم الحجاز واللَّه أعلم.
أما فتنة (الدهيماء) فالأرجح أنها الفتنة التي يعيش فيها المسلمون اليوم إذ تنطبق عليها بوضوح المواصفات التي وردت في الحديث النبوى الشريف، فهي (لا تدع أحد من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه)، بل هي الفتنة الوحيدة -من بين الفتن التي مرت بالمسلمين- التي تنطبق عليها هذه المواصفات، فمن يدرس حال الفتن السابقة يجد أن تلك الفتن لم تكن تصيب جميع الأمة، بل لابد أن تنجو منها نسبة كبيرة من عامة المسلمين وأهالى القرى والبوادي، أما هذه الفتنة فلم تدع أحدًا إلا لطمته لطمة وذلك لوصول خطرها إلى كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض، ولا شك أن المسلم الذي يسمع عن فتنة ما، فهو إما أن ينكرها بقلبه أو بلسانه أو يؤيدها بيده أو بلسانه أو بقلبه، كما أن الإنحراف في الفتن السابقة لم يكن يصل لدرجة الكفر والخروج عن الملة، ولم يحصل الكفر والإنسلاخ عن الإسلام إلا في مطلع هذا القرن عندما اتبع أبناء المسلمين الدعاه على أبواب جهنم واعتنقوا الأفكار المادية والإلحادية وآمنوا بالمبادئ الكافرة. كما أن تمايز الناس إلى فسطاطين (فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) لم يحصل في أية فتنة سابقة، إذ ما من فتنة منها إلا وطرفاها مشتملان على مؤمنين صادقين عدا هذه.
(1) سيأتي الكلام عن (الدعاة على أبواب جهنم).