الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والخمسون
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ.
قوله: "ذهبت بي خالتي" لم تُسَمَّ.
وقوله: "فقالت: يا رسول الله إنَّ ابن أختي" هي عُلْبة -بالعين المهملة المضمومة، واللام الساكنة، والموحدة- بنت شَريح.
وقوله: "وَقِعٌ" بفتح الواو وكسر القاف والتنوين، أي: أصابه وجع في قدميه، أو يشتكي لحم رجليه من الحفاء لغِلَظ الأرض والحجارة. وللكُشْميهني:"وَقَعَ" بلفظ الماضي، أي: وقع في المرض. وعند أبوي ذرٍّ والوقت: "وَجِع" بفتح الواو وكسر الجيم والتنوين، وعليه الأكثر، والعرب تسمّي كلَّ مرض وَجَعاً.
وقوله: "فشربتُ من وَضوئه" هو بفتح الواو، أي: من الماء المتقاطر من أعضائه الشريفة.
وقوله: "فنظرت إلى خاتم النُّبوة بين كتفيه" بكسر تاء خاتم أي: فاعل الختم، وهو الإتمام، والبلوغ إلى الآخر، وبفتحها وهو بمعنى الطابع، ومعناه الشيء الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده، وفيه صيانة لنبوته عليه الصلاة
والسلام من تطرق القدح إليها صيانة الشيء المستوثَق بالختم.
وقوله: "مثل" هو بكسر الميم وفتح اللام مفعول نظرت، وللأصيلي بكسر اللام بدل من المجرور.
وقوله: "زِرِّ الحجلة" هو بكسر الزاي وتشديد الراء، واحدًا لأزرار، والحَجَلَة بفتحات واحدة الحِجال، وهي الكُلّة التي تُعلق على السرير، ويُزين بها للعروس كالبشخانات، وتكون ذات أزرار وعُرى، والزِرُّ حينئذ على حقيقته. وقيل: المراد بالحجلة الطير، وهو اليعقوب، يقال للأنثى: حجلة. وعلى هذا فالمراد بِزرِّها بيضتها.
وقد وردت في صفة خاتم النبوة أحاديث مشابهة لما ذكر، منها عند مسلم، عن جابر بن سَمُرة:"كأنه بيضة حمامة"، وعند ابن حِبّان عن سِماك بن حَرْب:"كبيضة نَعامة" ونبّه على أنها غلط، وعند قاسم بن ثابت من حديث قُرة بن إياس:"مثل السِّلْعة"، وعند أحمد من حديث أبي رِمْثة التيمي قال:"خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت على كتفه مثل التُّفاحة، فقال أبي: إني طبيبٌ ألا أطِبُّها لك؟ قال: طبيبُها الذي خلقها".
وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها محمد رسول الله، أوسر فأنت المنصور، أو نحو ذلك، فلم يثبت منها شيء، ولا تغترَّ بما وقع منها في "صحيح" ابن حِبان فإنه غَفِل حيث صحَّح ذلك.
قال القُرطبي: اتفقت الأحاديث الثابته على أن خاتَم النبوة كان شيئًا أحمر بارزًا عند كتفه الأيسر، قدره إذا قلَّ قدر بيضة الحمامة ،. وإذا كثُر جمع اليد.
وعند مسلم عن عبد الله بن سَرْجس: "أنَّ خاتم النبوة كان بين كتفيه عند ناغِض كتفه اليسرى" والناغض أعلى الكتف، أو العظم الدقيق الذي على طرفه.
وعند الطّبراني من حديث عبّاد بن عمرو:"كانه ركبةُ عنز على طرف كتفه الأيسر"، ولكن سنده ضعيف.
قال العلماء: السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة، وقد ورد في خبر مقطوع أن رجلًا سأل ربه أن يُريه موضع الشيطان، فرأى الشيطان في صورة ضِفْدع عند نقص كتفه الأيسر حِذاء قلبه، له خرطوم كالبعوضة" أخرجه ابن عبد البر بسند قوي عن عُمر بن عبد العزيز. وله شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يَعْلى وابن عَدي، ولفظه: "إن الشيطان واضع خَطْمِه على قلب ابن آدم، فإذا سهى وغَفَل وسوس، وإذا ذكر الله خَنَس". وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن عباس. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي دؤاد في "كتاب الشريعة" عن عُروة بن رُوَيْم، قال: إن عيسى عليه السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم، قال: فإذا برأسه مثل الحية، واضع رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربّه خنس، وإذا غَفَل وسوس.
قال السُّهيلي: وضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان.
وهل وُضع الخاتم بعد مولده صلى الله عليه وسلم أو وُلد وهو به؟ والجواب أن في "الدلائل" لأبي نُعيم أنه عليه الصلاة والسلام لما وُلد ذكرت أمه أنَّ الملك غمسه في الماء الذي أنبعه ثلاث غمسات، ثم أخرج صُرّة من حرير أبيض، فإذا فيها خاتَم، فضرب به على كتفه كالبيضة المكنونة، تضيء كالزُّهرة. فهذا صريح في وضعه بعد مولده، وقيل: ولد به.
وأراد البخاري بهذه الأحاديث الاستدلال على ردِّ قول من قال بنجاسة الماء المستعمل، وقد مر لك عند الترجمة من قال بذلك، وهذه الأحاديث ترد عليه؛ لأن النجس لا يُتَبَرَّك به.
وحديث المَجّة وإن لم يكن فيه تصريح بالوضوء، لكن توجيهه أن القائل