المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الخامس والتسعون - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٥

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌باب غسل الرجلين إلى الكعبين

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب استعمال فضل وضوء الناس

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من مَضْمض واستنشق من غَرْفة واحدة

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح الرأس مرة

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغسل والوضوء في المِخْضَب والقدح والخشب والحجارة

- ‌الحديث الستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من التور

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء بالمُدِّ

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من مضمضر من السويق ولم يتوضأ

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب هل يُمَضْمِض من اللبن

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من النوم

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من غير حدث

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في غسل البول

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌تنبيه

- ‌باب صب الماء على البول في المسجد

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب يهَريق الماء على البول

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب بول الصِّبْيان

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول قائمًا وقاعدًا

- ‌الحديث التسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط

- ‌الحديث الحادي والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول عند سُباطة قوم

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غَسل الدم

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث المائة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء

- ‌الحديث الحادي والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول في الماء الدائم

- ‌الحديث الرابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أُلقِي على ظهرِ الْمُصَلِّي قذر أوْ جِيفَةٌ لمْ تَفْسُد عليهِ صَلاتُهُ

- ‌الحديث الخامس والمئة

- ‌رجاله عشرة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البصاق والمخاط ونحوه في الثوب

- ‌الحديث السادس والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر

- ‌الحديث السابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه

- ‌الحديث الثامن والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السِواك

- ‌الحديث التاسع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العاشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دفع السواك إلى الأكبر

- ‌الحديث الحادي عشر والمائة

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف الإسنادين:

- ‌باب فضل من بات على الوضوء

- ‌الحديث الثاني عشر والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌تنبيه

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الغُسْلِ

- ‌باب الوضوء قبل الغسل

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غُسْلَ الرجل مع امرأته

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغُسل بالصاع ونحوه

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أفاض على رأسه ثلاثًا

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغسل مرة واحدة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من بدأ بالحِلاب أو الطيب عند الغُسل

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تفريق النُسل والوضوء

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغُسل

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب إذا جَامَعَ ثم عاد ومن دار على نسائه في غُسْلٍ واحد

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غَسْلِ المذي والوضوء منه

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة

- ‌الحديث الرابع والعشرين

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تخليلِ الشَّعَرِ حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يُعِدْ كسل مواضع الوضوء منه مرة أخرى

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج ولا يتيمم

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌ورجالها أربعة:

- ‌باب نفض اليدين من الغسل عند الجنابة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من بدأ بشقِّ رأسه الأيمن في الغسل

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌بابُ مَنِ اغْتَسلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ في الخَلْوَةِ ومَنْ تَسَتَّر فالتستُّر أَفْضَلُ

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التستر في الغسل عند الناس

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب إذا احتلمت المرأة

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عرق الجُنُب وأن المسلم لا يَنْجُس

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ

الفصل: ‌الحديث الخامس والتسعون

‌الحديث الخامس والتسعون

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ.

قوله: "أغسل الجنابة" أي: أثر الجنابة، فيكون على حذف مضاف؛ لأن الجنابة معنى لا يغسل، أو عبرت بها عن ذلك مجازًا، أو المراد المني من باب تسمية الشيء باسم سببه، فإن وجوده سبب لبعده عن الصلاة ونحوها، وحينئذ فلا حاجة إلى التقدير.

وقوله: "فيخرج إلى الصلاة" أي: من الحجرة لأجلها.

وقوله: "وإن بُقَع الماء" بضم الموحدة وفتح القاف، جمع بُقْعة، وهو الخلاف في اللونين.

وقوله: "في ثوبه" أي: لم يجف؛ لأنه خرج مبادرًا إلى الصلاة، ولم يكن له ثياب يتداولها. ولابن ماجه:"وأنا أرى أثر الغَسْل فيه" أي: لم يجِفَّ. وفي رواية لمسلم عن عائشة: "لقد رأيتني وإني لأحُكّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري". وروى الترمذي وصححه عن همام بن الحارث: "إن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب الذي احتلم فيه لما أخبرتها بذلك الجارية، فقالت لها: أفسد علينا ثوبنا، إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي". وفي رواية ابن خُزيمة: "إنها كانت تحكُّه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي"، وفي رواية أخرى لابن خُزيمة عن عائشة:"كانت تَسْلُتُ المنيَّ من ثوبه بعرق الإذْخِر، ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسًا، ثم يصلي فيه. وفي رواية لمسلم عنها أيضًا: "لقد رأيتني أفرُكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم-

ص: 219

فركًا، فيصلّي فيه".

وقد اختلف العلماء في نجاسة المني وطهارته، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والليث والحسن بن حي وفي رواية عن أحمد إلى نجاسته، إلَاّ أن أبا حنيفة يكتفي في تطهير اليابس منه بالفرك، وأما مالك فيُوجب غسله رطبًا ويابسًا. وذهب الشافعي وأحمد وداود وإسحاق إلى أنه طاهر، وأنه لا يُفسد الماء، وأن حكمه في ذلك حكم النخامة.

وعلى القول بنجاسته اختُلف في سبب تنجيسه، فقيل: لأن أصله دم غيرته الشهوة، ويرد على هذا عند المالكية عدم العفو عن دون الدرهم منه كالدم.

وقيل: لقذارته، وأُورد عليه المخاط، وأجيب بأن الأصل اقتضاؤه التنجيس، وتخلف في المخاط للتكرر، وهو موجب للطهارة.

وقيل: لمروره في مجرى البول، ويتخرج عليه طهارة مني ما بوله طاهر من الحيوانات.

استدل القائلون بنجاسته بالأحاديث الأربعة التي أخرجها المصنف، وغيرها من الأحاديث المذكور فيها الغسل، ففي جميعها قالت عائشة:"كنت أغسل"، وقولها:"كنت" يدل على تكرار هذا الفعل منها، وهذا أدل دليل على نجاسة المني. وأيضًا أعلى مراتب الأمر الوجوب، وأدناها الإباحة، ولا وجه للثاني هنا؛ لأن عليه الصلاة والسلام لم يتركه على ثوبه أبدًا، وكذلك الصحابة من بعده، ومواظبته صلى الله عليه وسلم علي فعل شيء من غير ترك في الجملة يدل على الوجوب بلا نزاع فيه. وأيضاً الأصل في الكلام الكمال، فإذا أطلق اللفظ ينصرف إلى الكامل، إلَاّ أن يَصْرِفَ ذلك قرينة تقوم فتدُل عليه حينئذٍ، وفحوى كلام أهل الأصول أن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدلُ على الوجوب.

واستدل القائلون بطهارته بما مرَّ من الأحاديث الدالة على عدم غسله، كحديث عائشة المار أنها كانت تَسْلُت المني من ثوبه بعِرْق ثم يصلي فيه، وتحكُّه من ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه، فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالين،

ص: 220

وبحديثها المار أيضًا من أنها كانت تفركه من ثوبه فركًا فيصلي فيه، قالوا: وهذا التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة. وبحديثها المار أيضًا أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فهذه هي أقوى الأحاديث التي استدلّوا بها للتصريح فيها بالصلاة في الثوب. وحملوا أحاديث الغَسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب. وقد مرَّ تقرير دلالة أحاديث الغسل على الوجوب.

والجواب عن الحديث الأول أنه غير متضمن لترك الغسل في الحالين؛ لأن التعبير فيه بثمَّ الدالة على التراخي، فيمكن أن يقع الغسل بين السَّلْت والحكِّ والصلاة في الثوب كما مرَّ قريبًا في الدم من قوله: تحتُّه أو تحكُّه قصدًا للتخفيف، وهم لا يقولون بطهارة الدم، فكذلك المني هنا.

والجواب عن الثاني من كون التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة هو أن كون الفاء للتعقيب لا ينفي احتمال تخلل الغسل؛ لأن أهل العربية قالوا: إن التعقيب في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنهم قالوا: تزوج فلان فوُلد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وهي مدة متطاولة، فيجوز على هذا أن يكون معنى قول عائشة أنها كانت تفركه من الثوب ثم تغسله فيصلي فيه، ويجوز أن الفاء بمعنى ثم، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14]، فالفاءات فيها بمعنى ثم، لتراخي معطوفاتها، فإذا ثبت جواز التراخي في المعطوف، يجوز أن يتخلّل بين المعطوف والمعطوف عليه مدة يجوز وقوع الغسل في تلك المدة، ويؤيد كون الواو بمعنى ثم رواية البزار في "مسنده"، والطحاوي في "معاني الآثار" لهذا الحديث عن عائشة أنها قالت:"كنت أفرُكُ المنيَّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيه" فصرح بثمَّ الدالة على التراخي، وخير ما فسرته بالوارد.

والجواب عن الثالث هو أن قولها: "وهو يصلي" جملة اسمية وقعت حالًا منتظرةً، أي: والحال أنه منتظر للصلاة، لا أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت

ص: 221

تحكُّه من ثوبه عليه الصلاة والسلام في حال كونه في الصلاة، وإذا كان الأمر كما ذُكر احتمل تخلُّل الغسل بين الفَرْك والصلاة.

وحملت المالكية ما ورد من فرك اليابس في الأحاديث على إرادة التخفيف ثم الغسل بعد ذلك كما مرَّ، أو على أن ذلك كان في ثوب النوم المتَّخذ له من غير أن يصلي فيه، والنوم في الثوب النجس لا بأس به.

وقالت الحنفية: أحاديث الغسل تدُل على نجاسة المني وعلى وجوب غسله، ولكن خُصَّ تطهير اليابس منه بالفرك بأحاديث الفرك، وأورد عليهم أنه إذا كان نجسًا كان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يُعفى عنه من الدم بالفرك، وأن ما لا يجب غسلُ يابسه لا يجب غسل رطبه كالمخاط.

وأجابوا عن الأول بأنه لم يأت نص بجواز الفرك في الدم ونحوه، وإنما جاء في يابس المني على خلاف القياس، فيُقتصر على مورد النص.

وعن الثاني بأن المخاط لا يتعلّق بخروج حدث ما أصلًا، والمني موجب لأكبر المحدثين وهو الجنابة، فإن قلت: سقوط الغسل في يابسه يدل على الطهارة، فالجواب: لا نسلم ذلك كما في موضع الاستنجاء.

واستدل بعض القائلين بطهارته بأنه أصل الأنبياء والأولياء فيجب أن يكون طاهرًا، ورُد بأنه أصل الأعداء أيضًا كفرعون والنمرود وهامان وغيرهم، وبأن العلقة أقرب إلى الإِنسان من المني، وهي أيضًا أصل الأنبياء عليهم السلام، ومع هذا لا يقال: إنها طاهرة.

وأجاب بعضهم عن الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني، بأن منيَّ النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته. وأجيب عن هذا بأنه على تقدير صحة طهارة منيِّه عليه الصلاة والسلام، يقال: إن منيَّه كان عن جماع، فيخالط مني المرأة، فلو كان منيُّها نجسًا لم يُكتفَ فيه بالفرك، وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها. ومن قال: إن المني لا يسلم من المذي

ص: 222