المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السابع والمئة - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٥

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌باب غسل الرجلين إلى الكعبين

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب استعمال فضل وضوء الناس

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من مَضْمض واستنشق من غَرْفة واحدة

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح الرأس مرة

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغسل والوضوء في المِخْضَب والقدح والخشب والحجارة

- ‌الحديث الستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من التور

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء بالمُدِّ

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من مضمضر من السويق ولم يتوضأ

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب هل يُمَضْمِض من اللبن

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من النوم

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء من غير حدث

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في غسل البول

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌تنبيه

- ‌باب صب الماء على البول في المسجد

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب يهَريق الماء على البول

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب بول الصِّبْيان

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول قائمًا وقاعدًا

- ‌الحديث التسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط

- ‌الحديث الحادي والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول عند سُباطة قوم

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غَسل الدم

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث المائة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء

- ‌الحديث الحادي والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البول في الماء الدائم

- ‌الحديث الرابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا أُلقِي على ظهرِ الْمُصَلِّي قذر أوْ جِيفَةٌ لمْ تَفْسُد عليهِ صَلاتُهُ

- ‌الحديث الخامس والمئة

- ‌رجاله عشرة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب البصاق والمخاط ونحوه في الثوب

- ‌الحديث السادس والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر

- ‌الحديث السابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه

- ‌الحديث الثامن والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السِواك

- ‌الحديث التاسع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العاشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دفع السواك إلى الأكبر

- ‌الحديث الحادي عشر والمائة

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف الإسنادين:

- ‌باب فضل من بات على الوضوء

- ‌الحديث الثاني عشر والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌تنبيه

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الغُسْلِ

- ‌باب الوضوء قبل الغسل

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غُسْلَ الرجل مع امرأته

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغُسل بالصاع ونحوه

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أفاض على رأسه ثلاثًا

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغسل مرة واحدة

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من بدأ بالحِلاب أو الطيب عند الغُسل

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تفريق النُسل والوضوء

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغُسل

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب إذا جَامَعَ ثم عاد ومن دار على نسائه في غُسْلٍ واحد

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غَسْلِ المذي والوضوء منه

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة

- ‌الحديث الرابع والعشرين

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تخليلِ الشَّعَرِ حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يُعِدْ كسل مواضع الوضوء منه مرة أخرى

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج ولا يتيمم

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌ورجالها أربعة:

- ‌باب نفض اليدين من الغسل عند الجنابة

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من بدأ بشقِّ رأسه الأيمن في الغسل

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌بابُ مَنِ اغْتَسلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ في الخَلْوَةِ ومَنْ تَسَتَّر فالتستُّر أَفْضَلُ

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التستر في الغسل عند الناس

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب إذا احتلمت المرأة

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عرق الجُنُب وأن المسلم لا يَنْجُس

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ

الفصل: ‌الحديث السابع والمئة

‌الحديث السابع والمئة

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ".

قوله: "حدّثنا الزُّهري" في رواية الأصيلي: "عن الزُّهري".

وقوله: "أسكر" أي كان من شأنه الإسكار، سواء حصل بشربه السكر أم لا.

ووجه احتجاج البخاري به في هذا الباب هو أن المسكر لا يحِلُّ شربه، وكل ما لا يحِلُّ شربه لا يجوز الوضوء به اتفاقًا.

وقوله: "فهو حرام" أي: قليله وكثيره، وحُدَّ شاربُه المكلف قليلًا كان أو كثيرًا، من عنب أو تمر أو حِنطة أو لبن أو غير ذلك، نيئًا كان أو مطبوخًا.

قال الخطابي: فيه دليل على أن قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان، لأنها صيغة عموم أُشير بها إلى جنس الشراب الذي يكون منه السُّكر، فهو كما لو قال: كل طعام أشْبع فهو حلال، فإنه يكون دالاًّ على حِلِّ كل طعام من شأنه الإشباع، وإن لم يحصُل الشِّبَع به لبعض دون بعض.

قلت: ما ذكره استنباطًا وقع التصريح به في بعض طرق الحديث، فعند أبي داود والنسائي وصححه ابن حِبان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام". وللنَّسائي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مثله. وسنده إلى عمرو صحيح. ولأبي داود عن عائشة مرفوعًا:"كل مسكرٍ حرام، وما أسكر منه الفَرْق فملء الكف منه حرام". ولابن حِبّان والطحاوي عن سعد بن أبي وقّاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنهاكُم عن قليل ما أسكر كثيره". وقد اعترف الطحاوي بصحة هذه الأحاديث.

ص: 302

وقال أبو حنيفة: لا يحرُم عصير العنب النيّئ حتى يغلي ويقذف بالزبد، فإذا على وقذف بالزبد حرم، وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فلا يمتنع مطلقًا، ولو على وقذف بالزبد بعد الطبخ. وقال في المتَّخَذ من غير العنب: لا يحرُم منه إلا القَدْر الذي يُسكر، وما دونه لا يحرُم.

ففرَّقوا بينهما بدعوى المغايرة في الاسم، مع اتحاد العلة فيهما، فإن كل ما قُدِّر في المتخذ من العنب يُقدر في المتجذ من غيرها، واستدلوا بحديث ابن عباس مرفوعاً وموقوفًا أخرجه النَّسائي ورجاله ثقات:"إنما حُرِّمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكرُ من كل شراب". قالوا: فهذا يدُل على أن الخمر قليلها وكثيرها أسكرت أم لا حرام، وعلى أن غيرها من الأشربة إنما يحرم عند الإسكار.

وقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية في هذا الحديث بلفظ: "والمُسْكر" بضم الميم، لا السُّكْر بضم فسكون، وعلى تقدير ثبوتها، فهو حديث فرد، ولفظه محتمِل، فكيف يعارِض تلك الأحاديث مع صحتها وكثرتها.

وقذ قال أبو المظفَّر ابن السمعاني: ثبتت الأخبار الكثيرة في ذلك، فلا مساغ لأحد في العدول عنها، والقول بخلافها، فإنها حجج قواطع، وقد زلَّ الكوفيون في هذا الباب، وروَوْا أخبارًا معلولة لا تُعارض هذه الأخبار بحال، ومن ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب مسكرًا فقد دخل في أمر عظيم، وباء بإثم كبير، وإنما الذي شربه كان حلوًا ولم يكن مسكرًا.

وقال أبو الليث السَّمَرْقندي: شارب المطبوخ إذا كان يُسكر أعظم ذنبًا من شارب الخمر؛ لأن شارب الخمر يشربُها وهو يعلم أنه عاصٍ، وشارب المطبوخ يشرب المُسكر وهو يراه حلالًا، وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام، وثبت قوله صلى الله عليه وسلم:"كل مُسْكِر حرام"، ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر، وقد قال بعض الشعراء في المئة الثالثة، معرِّضًا بمن يُفتي بإباحة المطبوخ:

وأشربُها وأزعُمها حرامًا

وأرجو عفوَ ربٍّ ذي امتنانِ

ص: 303

ويشربُها ويزعُمها حلالًا

وتلكَ على المسيء خطيئتانِ

واستدلوا لشراب المطبوخ بما أخرجه "الموطأ" عن عمر في قدومه للشام أن أهله شكوا إليه وباء الأرض، وقالوا: لا يُصلِخنا إلَاّ هذا الشراب. فقال عمر: اشربُوا العسل. قالوا: ما يُصلحنا العسل. فقال رجال من أهل الأرض: هل لك أن نجعلَ لك من هذا الشراب شيئًا لا يُسكر؟ فقال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه ثلثان وبقي الثلث، فأتَوا به عمر، فأدخل فيه أُصْبُعَه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطَّط، فقال: هذا الطِّلاء مثل طِلاء الإِبل. فأمرهم عمر أن يشربوه، وقال: اللهم إني لا أُحِلُّ لهم شيئًا حرمتَهُ عليهم. والطِّلاء -بكسر المهملة والمد- الدبس، شُبِّه بطلاء الإبل وهو القَطِران الذي يُدهن به.

ووجه الاستدلال به عندهم هو أنه أمر بشرب المطبوخ، ولم يفصِّل بين ما إذا أسكر أو لم يُسكر.

ورُد هذا الاستدلال بما في الأثر نفسه من قولهم له: نجعل لك شيئًا لا يُسكر. فما قَبِلَ الشراب إلا بشرط أنه لا يُسكر. وبقوله رضي الله تعالى عنه في آخره: اللهم لا أُحلُّ لهم شيئًا حرمته عليهم. فإنه يدل على التفصيل؛ لأن المسكر حرمه الله تعالى.

وبرده أيضًا ما أخرجه البخاري تعليقًا، ومالك وسعيد بن منصور موصولًا، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خرج عليهم، فقال: إني وجدت من فلان ريحَ شرابٍ، فزعم أنه شراب الطِّلاء، وإني سائل عمّا شرب، فإن كان يُسكر جلدته، فجلده عمر الحدَّ تامًّا، يعني بعد أن سأل عنه، فوجده يُسكر. فهذا الأثر يبين أن ما أحله عمر من المطبوخ الذي يسمى الطلاء، المراد به ما لم يبلغ حدَّ الإسكار، فإن بلغه لم يحِل عنده، ولذلك جلدهم، ولم يستفصل: هل شوبوا منه قليلًا أو كثيرًا.

فالحاصل أن مذهب الحنفية هذا مخالف لمذاهب الأئمة الثلاثة وجمهور العلماء، فإن الشراب عندهم محرَّم إذا صار مسكرًا شُرْبُ قليله وكثيره، وسواء غلى أو لم يغل؛ لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار بأن يغلي، ثم يسكن غليانه

ص: 304

بعد ذلك، وهو مراد من قال: حد منع شربه أن يتغير.

وقد قال أبو عبيدَة في الأشربة: بلغني أن المنصّف يُسكر، فإن كان كذلك فهو حرام.

والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأعناب في البلاد، فقد قال ابن حزم: إنه شاهد من العصير ما إذا طُبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكرًا أصلًا، ومنه ما إذا طُبخ إلى النصف كذلك، ومنه ما إذا طُبخ إلى الربع كذلك، بل قال: إنه شاهد منه ما يصير ربًّا خاثرًا لا يُسكر، ومنه ما لو طُبخ حتى لا يبقى غير ربعه لا يخثُر ولا ينفك السكر عنه، قال: فوجب أن يُحمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على ما لا يُسكر بعد الطبخ.

وقد ثبت عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال: إن النار لا تُحِلُّ شيئًا ولا تحرِّمه. أخرجه النسائي، وقال: إنه يريد ما نُقل عنه في الطلاء. وأخرج أيضًا عن طاووس، قال: هو الذي يصير مثل العسل، يُؤكل ويُصب عليه الماء.

وما ورد عن الصحابة في أمر الطلاء منه ما مرَّ عن عمر. ومنه ما أخرجه سعيد بن منصور عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد، فإنه جاءني عِير تحمل شرابًا أسود كانه طلاء الإبل، فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثُلثاه الأخبثَان، ثلث بريحه، وثلث ببَغْيه، فمُر من قِبَلَك أن يشربوه. وعن سعيد بن المسيِّب أن عمر أحلَّ من الشراب ما طُبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه. وأخرج النسائي عن عمر قال: كتب عمر: اطبخوا شرابَكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين ولكم واحد.

وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضُها بأن المحذور منه السكر، فمتى أسكر لم يحلَّ، وكأنه أشار بنصيب الشيطان إلى ما أخرجه النسائي عن ابن سِيرين في قصة نوح عليه السلام، قال: لما ركب السفينة فقد الحَبْلة، يعني: المكرمة، وهي بفتح الحاء وسكون الموحدة. فقال له الملك: إن الشيطان أخذها، ثم أُحضِرت له ومعها الشيطان، فقال له الملك: إنه شريكُك فيها،

ص: 305