الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والسبعون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ".
قوله: "فَلْيرقُد"، وللنسائي:"فلينصرف"، والمراد به التسليم من الصلاة بعد إتمامها، إلَاّ أنه يقطع الصلاة بمجرد النعاس.
وحمله المهلب على ظاهره، فقال: إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه، فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك يُعفى عنه. قال: وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقُض الوضوء، وخالف المزنيّ فقال: ينقُض قليله وكثيره، فخرق الإجماع. كذا قال المهلب، وتبعه ابن بطال، وابن التين، وغيرهما.
وهذا تحامل منهم على المزني، فقد اختلف العلماء في النوم هل هو في ذاته حدث أو هو مظِنّة الحدث؟
فنقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة، وبه قال إسحاق والحسن والمُزَني وغيرهم أنه في ذاته ينقُض الوضوء مطلقًا قليله وكثيره، وعلى كل حال وهيئة لعموم حديث صفوان بن عسال الذي صححه ابن خزيمة وغيره، ففيه:"إلَاّ من غائطٍ أو بولٍ أو نومٍ" فسوى بينهما في الحكم.
وقال آخرون بالثاني لحديث أبي داود وأحمد وابن ماجه والدّارقُطني عن علي: "العَيْنان وِكاء السَّهِ، فمن نام فلْيتوضأ" والسَّه -بفتح السين وكسر الهاء
المخففة- الدُّبُر. وهذا الحديث فيه مقال وتضعيف، واختلف هؤلاء، فمنهم من قال: لا ينقُض القليل وهو قول مالك والزُّهري وأحمد في إحدى الروايتين عنه. ومنهم من قال: ينقض مطلقًا إلَاّ نوم ممكِّن مقعدتِه من مَقَره فلا ينقُض، لحديث أنس المروي عند مسلم وأبي داود:"أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا ينامونَ، ثم يصلّون ولا يتوضؤون"، فحمل على نوم الممكِّن جمعًا بين الأحاديث. لكن في "مسند" البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث:"فيضعونَ جنوبَهم، فمنهُم مَنْ ينام، ثم يقومون إلى الصلاة"، وهذا يرد حمله على القاعد، وحَمَله بعضهم على النوم الخفيف.
وبهذا القول الذي هو عدم النقض للممَكِّن مَقْعَدَته قال الشافعي وأبو حنيفة. وقيل: لا ينقض نوم غير القاعد مطلقًا، وبه قال الشافعي في القديم، وروي عنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا.
قال القسطلّاني: ولا تمكين لمن نام أعلى قفاه ملصِقًا مقعدته بمقرِّه، ولا لمن نام محتبيًا وهو هزيل بحيث لا تُطبِق أَليتاه على مقرِّه. واختار الماوَرْدي أنّه متمكن، وصححه في "الروضة" نظرًا إلى أنّه متمكن بحسب قدرته.
ولو نام جالسًا، فزالت أليتاه أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوؤه، أو بعده أو معه أو لم يدرِ أيَّهما أسبق فلا؛ لأن الأصل بقاء الطهارة، وسواء وقعت يده أم لا.
وقال آخرون: لا ينقض الوضوءَ النومُ بحالٍ. وهو مروي عن أبي موسى الأشعري وابن عُمر ومكحول رضي الله تعالى عنهم لحديث مسلم المار قريبًا، ولاسيما رواية البزار.
وفرق الثوري بين المضطجع وغيره. وفرق أصحاب الرأي بين المضطجع والمستند وغيرهما.
ويقاس على النوم الغلبة على العقل بجنون أو إغماء أو سكر؛ لأن ذلك أبلغ في الذهول من النوم الذي هو مظنة الحدث على ما لا يخفى.
وقوله: "فإن أحدكم إذا صلّى وهو ناعسٌ لا يدري لعله يستغفِرُ فيسبُّ نفسه" أي: يدعو على نفسه. وصرح به النسائي في روايته، ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة، والفاء عاطفة على "يستغفر"، وفي بعض النسخِ:"يسُبُّ" بدونها جملة حالية، و"يسبَّ" بالنصب جوابًا لـ"لعلَّ"، والرفع عطفاً على:"يستغفر"، والترجي في "لعل" عائد إلى المصلّي، لا إلى المتكلم به، أي: لا يدري أمستغفر أم سابٌّ مترجيًا للاستغفار، وهو بضد ذلك في الواقع.
وغاير بين لفظي النعاس، فقال في الأول:"نعِسَ" بالماضي، وفي الثاني:"ناعس" باسم الفاعل، تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدُّد أدنى نعاس وتقضيه في الحال، بل لابد من ثبوته، بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول، وعدم علمه بما يقرأ.
فإن قلت: هل بين قوله: "نعس وهو يصلّي"، و"وصلّى وهو ناعس" فرق؟ أجيب بأن الحال قيد وفضلة، والقصد في الكلام ما له القيد، ففي الأول لا شك أن النعاس هو علة الأمر بالرُّقاد لا الصلاة فهو المقصود الأصليّ في التركيب، وفي الثاني الصلاة علة الاستغفار، إذ تقدير الكلام: فإن أحدكِم إذا صلَّى وهو ناعس يستغفر، والفرق بين التركيبين هو الفرق بين: ضرب قائماً. وقام ضاربًا، فإن الأول يحتمل قيامًا بلا ضرب، والثاني ضربًا بلا قيام.
وقال المهلب: في قوله: "فإن أحدكم" إلخ. إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوؤه بالإجماع. كذا قال، وفيه نظر، فإن الإشارة إنما هي إلى جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلّم منها كما مرَّ، وأما النقض فلا يتبين من الحديث؛ لأن جريان ما ذكر على اللسان ممكن من الناعس، وهو القائل: إن قليل النوم لا ينقض، فكيف بالنعاس؟ وما ادعاه من الإجماع منتقضٌ بما مرَّ عن أبي موسى وغيره.
وفي الحديث الأخذ بالاحتياط؛ لأنه علل بأمر محتمل الوقوع، والحث