الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصوب أن الضم هو المعروف في كتب الحديث واللغة والغريب، واختلفوا في المراد به، فقيل: هو صبغ أحمر شديد الحمرة، وهو نَوْر شجر من أحسن الألوان. وقيل: الصوف الأحمر. وقيل: كل شيء أحمر فهو أرجوان. ويقال ثوب أرجوان، وقطيفة أرجوان. وحكى السّيرافي: أحمر أرجوان، فكأنه وصفٌ للمبالغة في الحمرة، كما يقال: أبيض يقَقَ، وأصفر فاقع. واختلفوا هل الكلمة عربية أو معرّبة.
فإن قلنا باختصاص النهي بالأحمر من المياثر. فالمعنى في النهي عنها ما مر في الثوب الأحمر قريبًا. وإن قلنا: لا يختصُّ بالأحمر. فالمعنى بالنهي عنها ما فيه من الترفه، وقد يعتادُها الشخص فتعوزه، فيشُقُّ عليه تركها، فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة دنيوية. وإن قلنا: النهي من أجل التشبه بالأعاجم، فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذٍ، وهم كفّار، ثم لما لم يصر الآن يختصُّ بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة.
رجاله أربعة:
الأول: آدم بن أبي إياس.
الثاني: شُعبة بن الحجاج ومرَّ تعريفهما في الحديث الثالث من كتاب الإيمان.
الثالث: ابن عُتَيْبة وقد مرَّ تعريفه في الثامن والخمسين من كتاب العلم. ومرَّ أبو جُحَيْفة في الحادي والخمسين منه.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع والسماع، ورواته ما بين عَسْقلاني وكوفي وواسطي، وهو من رباعيات البخاري.
والصحيح أن الحكم بن عُتيبة لم يرو عن أحد من الصحابة إلا عن أبي جُحيفة هذا، وقيل: روى عن أبي أوفى أيضًا.
أخرجه هنا وفي الصلاة أيضًا عن سليمان بن حَرْب، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم-
عن الحسن بن منصور، ومسلم في الصلاة عن محمد بن المثنّى وغيره، والنّسائي فيها أيضًا عنه.
وقَالَ أبو مُوسى: دَعَا النبيّ صلى الله عليه وسلم بقَدَح فيهِ ماءٌ، فَغَسَلَ يَدَيهِ وَوَجْهَهُ فيهِ وَمَجَّ فِيهِ ثُمّ قالَ لهما:"اشْرَبَا منِهُ وأفْرِغَا عَلى وُجُوهِكما وَنُحُورِكما".
وقوله: "مجَّ فيه"، أي: صب ما تناوله من الماء بفيه في الإناء، والغرض من ذلك إيجاد البركة في الماء بريقه المبارك.
وقوله: "ثم قال لهما" أي: لبلال وأبي موسى كما جاء مبيّنًا في المغازي، فإن أوله عن أبي موسى قال:"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال، فأتاه أعرابيٌّ" فذكر الحديث، فعُرف منه أن المبهَمَيْن هنا هما المذكوران.
وقوله: "اشربا وأَفْرِغا على وجوهكما، ونحورِكما" وهمزة "اشربا" همزة وصل من شرب وهمزة "أفرِغا" همزة قطع مفتوحة من الرباعي.
و"نحورِكما" جمع نحر، وهو موضع القِلادة من الصدر. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث استعماله عليه الصلاة والسلام الماء في غسل يديه ووجهه، وأمره لهما بشربه وإفراغه على وجوهكما، ونحورهما، فلو لم يكن طاهرًا لما أمرهما به.
واستدلَّ به ابن بطال على أن لُعاب الآدمي ليس بنجس كبقية شربه، وحينئذٍ فنهيه عليه الصلاة والسلام عن النفخ في الطعام والشراب إنما هو لئلا يُتَقَذَّر بما يتطاير من اللعاب في المأكول والمشروب لا لنجاسته.
وفي هذا الحديث من الحرص على التبرك بريقه صلى الله عليه وسلم زيادة على ما في الذي قبله؛ لأن الذي قبله كان التبرك فيه من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من قِبَل أنفسهم، وفي هذا الحديث الأمر منه صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، وقصد فعله عليه الصلاة والسلام ذلك لهم للتبرك.
وقوله لهم: "أبشرا" يعني بما نالا من بركة الماء المخلوط بريقه عليه الصلاة والسلام.
ومن أعظم هذا فعل أم سلمة كما في الحديث: "فنادت أم سلمة من وراء السِّتر أن أَفْضِلا لأُمِّكما، فافْضَلا لها منه طائفةً" فنداؤها رضي الله تعالى عنها من وراء الستر وهي محجوبة فيه دلالة عظيمة على أنها لم تتمالك لما تعلم في ذلك من الخير، حتى نادت من وراء الستر بحضرته صلى الله عليه وسلم. ولم ينكِر عليها ذلك.
فسبحان الله كيف تنكر زنادقة الخوارج التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم، مع ورود ما يفوت الحصر من الأحاديث الصحاح في ذلك.
وأبو موسى هو أبو موسى الأَشْعري مرَّ تعريفه في الرابع من كتاب الإيمان.
وهذا التعليق طرف من حديث مطوّل، أخرجه البخاري في المغازي، وأخرج قطعة منه أيضًا في باب الغُسل والوضوء في المخضب، وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.