الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.
قوله: "كان إذا اغتسل" أي: شرع في الفعل، ومِنْ في قوله:"من الجنابة" سببية، أي: من أجل الجنابة.
وقوله: "بدأ فغسل يديه" يُحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذَر كما يدُل عليه قول ميمونة في الرواية الآتية: "وما أصابه من الأذى"، ويُحتمل أن يكون هو الغَسل المشروع قبل أن يُدخلهما في الإناء، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث:"قبل أن يُدخلهما في الإناء" رواه الشافعي والترمذي، وزاد أيضًا:"ثم يغسِلُ فرجه"، وكذا لمسلم وأبي داوود. وهي زيادة جليلة؛ لأن بتقديم غسله يحصُل الأمن من مسه في أثناء الغسل.
وقوله: "كما يتوضأ للصلاة احترز به عن الوضوء اللُّغوي، ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سُنة مستقلة، بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل، ويؤيد هذا الاحتمال قوله في آخر الحديث: "على جلده كله"، وعليه تجري النية على ما مر. ويُحتمل أن يكتفي بغسلها في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وقد مرّ إجزاء غسل المحل عن إعادته في الغسل عند المالكية وإنما قدم أعضاء
الوضوء تشريفًا لها، ولتحصُل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى، وظاهر قوله:"كما يتوضأ للصلاة" أنه يتوضأ وضوءً كاملًا، وهذا هو المحفوظ من حديث عائشة من هذا الوجه، وهو مذهب الشافعي، وأحد الأقوال عند المالكية. وقال الفاكهاني في "شرح العمدة": هو المشهور. وقيل: يؤخر غسل قدميه إلى ما بعد الغسل، ليحصُل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء، وهو المشهور عند المالكية، خلافًا لما درج عليه خليل، حيث قال: أعضاء وضوئه كاملة مرة، وهو صريح حديث ميمونة الآتي قريبًا. وفي رواية مسلم عن أبي معاوية في حديث عائشة:"ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه"، وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية، إلَاّ أن لها شاهدًا من رواية أبي سلمة عن عائشة، أخرجه أبو داوود الطيالسي، فزاد في آخره:"فإذا فَرغَ غَسَلَ رجليه" فإما أن تُحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها: "وضوءه للصلاة" أي: أكثره، وهو ما سوى الرجلين، أو يُحمل على ظاهره، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز تفريق الوضوء، ويُحتمل أن يكون قولها في رواية أبي معاوية:"ثم غسل رجليه" أي: أعاد غسلهما لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء، فيوافق قولها في حديث الباب:"ثم يُفيضُ على جلده كله". وللمالكية قول ثالث، وهو إن كان موضعه وسخًا أخر، وإلا فلا. وعند الحنفية إن كان في مستنقع يؤخر، وإلا فلا. ونقل ابن بطّال الإجماع على أن الوضوء لا يجبُ مع الغسل، وهو مردود، فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداوود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث.
وقوله: "ثم يُدخل أصابعه في الماء، فيخلِّل بها" أي: بأصابعه التي أدخلها في الماء، ولمسلم:"ثم يأخذ الماء فيُدْخل أصابعه في أصول الشعرة، وللترمذي والنسائي: "ثم يشرِّب شعرَهُ الماءَ".
وقوله: "أصول الشعر"، وللكُشميهني:"أصول شعره" أي: شعر رأسه، ويدل عليه رواية حمّاد بن سلمة عند البيهقي:"يخلِّل بها شِقَّ رأسه الأيمن، فيتتبَّعُ بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك"، والحكمة في هذا
تليين الشعر وترطيبه، ليسهل مرور الماء عليه، ويكون أبعد من الإسراف في الماء، وتأنيس البشرة، لئلا يصيبها بالصب ما تتأذّى به.
وقال القاضي عِياض: احتج به بعضُهم على تخليل شعر الجسد في الغُسل، إما لعموم قوله: أصول الشعر، وإما بالقياس على شعر الرأس، وأوجبت المالكية والحنفية تخليل شعر المغتسل، لقوله عليه الصلاة والسلام:"خلِّلوا الشعر، وأنقُوا البشرة، فإنَّ تحتَ كلِّ شعرة جنابة" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه. ولكنه ضعيف. وفائدة التخليل عندهم إيصال الماء إلى الشعر والبشرة، ومباشرة الشعر باليد ليحصُل تعميمه بالماء.
وقال في "الفتح": والتخليل غير واجب اتفاقًا، إلا إن كان الشعر ملبّدًا بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله. فظاهر كلامه هذا أن الشعر لا يجبُ تخليله عندهم إلَاّ في هذه الحالة. وفي "المهذّب" وغيره من كتبهم: وأما الشعور، فيجب إيصال الماء إلى منابتها خفَّت أو كثُفت، بخلاف الوضوء، فإنه يتكرَّر في اليوم والليلة، ويجب نقض الضفائر. فظاهر هذا الكلام وجوب تخليل الشعر عندهم مطلقًا.
وإنما قال: "ثم يُدخل" بلفظ المضارع، وما قبله مذكور بلفظ الماضي وهو الأصل، لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين.
وقوله: "ثم يصبَّ على رأسه ثلاث غُرَف بيديه" بضم ففتح جمع غُرْفة، وهي قدر ما يُعرف من الماء بالكف، وللكشميهنى:"ثلاث غُرُفات" وهو المشهور في جمع القلة.
وفيه استحباب التثليث في الغسل، يعني فيغسل رأسه ثلاثًا بعد تخليله في كل مرة، ثم شِقَّه الأيمن ثلاثًا، ثم شِقه الأيسر ثلاثًا.
قال النووي: لا نعلم فيه خلافًا، إلا ما انفرد به الماوَرْدي، فإنه قال: لا يُستحب التكرار في الغُسل.