الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها
المراد بالدّواب معناه العُرفي، وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير، ويحتمل أن يُراد المعنى اللغوي، وهو اسم لكل ما يدِبُّ على الأرض، وعلى هذا يكون من عطف العام على الخاص، ثم عطف الخاص على العام، والأول أوجه، ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد، لأنها مأوى الدواب التي تُركب، وحديث العُرَنيّين، ليُستدل به على طهارة أبوال الإِبل، وحديث مرابض الغنم، ليُستدل به على ذلك، والمرابض جمع مِرْبَض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة، وهي للغنم، كَالمعاطِن للإبل، ورُبوض الغنم كبُروك الإبل.
ولم يُفصح المصنف بالحكم كعادته في المختَلَف فيه، لكن ظاهر إيراده حديث العُرَنيين يُشعر باختياره الطهارة، ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر المار:"ولم يذكر سوى بول الناس" وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن عُلية وداود وغيرهم، إلَاّ أنهم استثنوا بول الآدمي ورَوْثه، وهو يرد على من نقل الإِجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقًا، وقد قدمنا حكمه عند حديث صاحب القبر.
وصَلَّى أبُو مُوسَى في دَارِ البَريدِ والسِّرْقِينُ والبَرِّيّةُ إلى جنْبِه فَقَالَ: هَاهُنا وثَمَّ سَوَاءٌ.
البريد: موضع بالكوفة، كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرًا على الكوفة في زمن عمر وعثمان، وكانت الدار في طرف البلد، ولهذا كانت البرية إلى جنبها.
وقال المطرِّزي: البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط، ثم سُمي به الرسول المحمول عليها، ثم سميت به المسافة المشهورة اثني عشر ميلًا، وكان لعُمر رجل بريد اسمه هَمْدان، روى عنه.
والسِّرْقين -بكسر السين وإسكان الراء- هو الزِّبل، وحُكي فتح أوله، وهو
فارسي معرب؛ لأنه ليس في الكلام من فَعْليل -بالفتح-، ويقال له: السِّرجين -بالجيم-، وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم، يقرب من الكاف.
والبرية، الصحراء، منسوبة إلى البر.
وقوله: "هاهنا وثم سواء" يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة؛ لأن ما فيها من الأرواث والبول طاهر، فلا فرق بينها.
ولفظ الأثر عن مالك بن الحُوَيْرث، عن أبيه: صلَّى بنا أبو موسى في دار البريد، وهناك سِرقين الدواب، والبرية على الباب، فقالوا: لو صليت على الباب، فذكره.
وتعقبه القائلون بالنجاسة، فقالوا: لا دِلالة فيه، لاحتمال أنه صلّى على حائل بينه وبين ذلك. وأجيب بأن الأصل عدمه، وقد رواه الثوري في "جامعه" عن الأعمش بسنده، ولفظه: صلّى بنا أبو موسى على مكان فيه سِرقين. وهذا ظاهر في أنه بغير حائل. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بلفظ: فصلّى بنا على رَوْث وتبنٍ، فقلنا: تصلي هاهنا والبرية إلى جنبك؟ فقال: البرية وهاهنا سواء. وهذا أيضًا كذلك. وقد روى سعيد بن منصور، عن ابن المسيب وغيره أن الصلاة على الطِّنْفِسة محدثة، وإسناده صحيح.
قالوا: فالأولى في الجواب أن يقال: إن هذا من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره، فلا يكون حجة، أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطًا في صحة الصلاة، بل يراها واجبةً برأسها، وهو مذهب مشهور، وقد مرَّ مثله في قصة الصحابي الذي صلّى بعد أن جُرح وظهر عليه الدم الكثير، فلا تكون فيه حجة على أن الروث طاهر، كما أنه لا حجة في ذلك على أن الدم طاهر.
قلت: هذا الجواب غير ظاهر؛ لأن أبا موسى لم يكن منفردًا بذلك الفعل حتى يصحَّ ما قيل فيه، بل كان معه جمع من الصحابة والتابعين، ولم ينكر عليه أحد منهم ما قال، فما أبعد هذا من القياس على ما قيل، وقياس غير المأكول
على المأكول غير واضح؛ لأن الفرق بينهما متجه على ثبوت أن روث المأكول طاهر، وسأذكر قريبًا ما قيل فيه.
وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ المؤلف في كتاب الصلاة.
ومرَّ تعريف أبي موسى في الرابع من كتاب الإيمان.