الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند ابن خُزيمة عن البراء: سئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال:"صلوا فيها، فإنها بركة".
وعند أبي القاسم اللالكائي بسند لا بأس به عن عُقبة بن عامر: "صلوا في مرابض الغنم". وكذا رواه ابن عمرو وأسيد بن حُفير.
قلت: قد بات من الأحاديث المذكورة أن علة النهي عن الصلاة في معاطن الإبل كونها خُلقت من الجانِّ لا من جهة النجاسة. وقيل: العلة كون الناقة تحيض والجمل يمذي. وقيل: لأن أهلها يستترون بها عند قضاء الحاجة. وقيل غير ذلك، فلا حجة في النهي على نجاسة فضلاتها.
رجاله أربعة:
الأول: آدم بن أبي إياس.
والثاني: شُعبة بن الحجّاج وقد مرّا في الثالث من كتاب الإيمان. ومرَّ أنس بن مالك في السادس منه. ومرَّ أبو التّيّاح يزيد بن حميد في الحادي عشر من كتاب العلم.
لطائف إسناده:
وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والاخبار بصيغة الجمع في موضع، والعنعنة في موضع، ورواته ما بين خُراساني وكوفي وبصري.
أخرجه البخاري هنا، وفي الصلاة عن سليمان بن حرب. ومسلم في الصلاة مختصرًا كما هنا عن عبيد الله بن معاذ وغيره. والترمذي فيها عن محمد ابن بشار، وفي المغازي عن عبيد الله بن معاذ وغيره. والنسائي في العلم عن بُندار.
باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء
هل ينجسها أم لا؟ أو لا ينجس الماء إلا إذا تغير دون غيره. وهذا هو الذي
يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من حديث أو أثر. ثم ذكر تعاليق فقال:
وقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بأْسَ بالماءِ ما لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أوْ رِيحٌ أوْ لَوْنٌ.
أي: لا حرج في استعماله في كل حالة، فهو محكوم بطهارته، ما لم يغيره طعم، أي: من شيء نجس، أو ريح منه، أو لون.
ولفظ يونس عن الزهري: كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى، حتى لا يغير ذلك طعمه ولا لونه ولا ريحه فهو طاهر.
ومقتضى هذا أنه لا فرق بين القليل والكثير إلا بالقوة المانعة للملاقي أن يغيِّر أحد أوصافه، فالعبرة عنده بالتغيُّر وعدمه.
ومذهب الزهري هذا قال به طوائف من العلماء، منهم الحسن، والنخعي، والأوزاعي، وهو مذهب أهل المدينة، والرواية المشهورة عن مالك، وروي عنه أن قليل الماء وهو آنية وضوء أو غسل ينجُس بقليل النجاسة، وإن لم تغيره.
ويوافق أثرُ الزهري حديثَ أبي أُمامة المرفوع: "إن الماء لا ينجِّسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه"، أخرجه ابن ماجه والطبراني، وأخرجه الدارقطني عن ثَوْبان بلفظ:"الماء طهور لا ينجِّسه إلا ما غلب على ريحه أو لونه"، وتُكُلِّم في هذا الحديث لأن في سنده رِشْدين بن سعد، وهو متروك، ولكنه روي عن غيره. وقال البيهقي: الحديث غير قوي، إلا أنا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافًا.
قلت: ويعضُده حديث: "إن الماء طهور لا ينجسِّه شيء" بلفظ الترمذي، وقال: حديث حسن، ولفظ أحمد وابن خُزيمة وابن حِبان:"الماء لا ينجِّسه شيء، ولفظ أصحاب "السنن": "إن الماء لا يَجْتَنب"،
فيحمل العموم الوارد في هذا الحديث على الخصوص الوارد في الأول، لما هو متقرر من أن الماء إذا تغير أحد أوصافة بالنجاسة لم تبق له طهورية بالاجماع، كما مر عن البيهقي.
ومذهب الشافعي وأحمد التفريق بالقُلتين فما كان دونهما تنجس بملاقاة النجاسة، وإن لم يظهر فيه تغيير، لمفهوم حديث القلتين:"إذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث"، صححه ابن خُزيمة وغيره. وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد صحيح:"فإنه لا ينجس"، وهو المراد بقوله:"لم يحمل الخبث"، أي: يدفع النجس ولا يقبله، وهو مخصص لمنطوق حديث:"الماء لا ينجسه شيء".
قالوا: إنما لم يخرجه البخاري للاختلاف الواقع في إسناده، لكن رواته ثقات، وصححه جماعة.
قلت: بل قال ابن عبد البر في "التمهيد": ما ذهب إليه الشافعي من حديث القُلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر؛ لأنه قد تكلَّم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل.
وقال الدَّبّوسي: هو خبر ضعيف، ومنهم من لم يقبله؛ لأن الصحابة والتابعين لم يعلموا به.
وقال ابن العربي: مداره على علة أو مضطرب أو موقوف، وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير، وهو إباضيّ. واختلفت روايته، فقيل: قلتين، وقيل: قلتين أو ثلاثًا، ورُوي: أربعون قلة، وروي: أربعون فرقًا، ووُقِف على أبي هريرة وعبد الله بن عمرو.
وقال اليَعْمَري: حكم ابن مندة بصحته على شرط مسلم من جهة الرواة، ولكنه أعرض عن جهة الرواية بكثرة الاختلاف فيها والاضطراب، ولهذا لم يخرِّجه مسلم ولا البخاري.
واختلفوا في مقدار القُلتين؛ لأن القلة في العرف تُطلق على الكبيرة
والصغيرة كالجرة، ولم يثبت من الحديث تقديرهما، فيكون مجملًا، فلا يعمل به كما قاله الطحاوي وابن دقيق العيد. لكن أجاب عن ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام، فقال: المراد القلة الكبيرة، إذ لو أراد الصغيرة لم يَحْتَج لذكر العدد، فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة، ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز.
والظاهر أن الشارع عليه الصلاة والسلام ترك تحديدهما على سبيل التوسعة، والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلا بما يفهمون، فانتفى الإِجمال، لكن لعدم التحديد وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها ابن المنذر. ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالأرطال، واختلف فيه أيضًا، واعتبر الشافعي قدرهما بخمس قُرب من قُرب أهل الحجاز احتياطًا.
وقالت الحنفية: إذا اختلطت النجاسة بالماء تنجس إلا أن يكون كثيرًا، وهو الذي إذا حُرِّك أحد جانبيه لم يتحرك الآخر. واختلفوا في جهة التحريك، فقيل: بالاغتسال من غير عنف. وقيل: باليد من غير اغتسال ولا وضوء، إلى ما هو مذكور في كتبهم.
والزُّهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، وقد مر في الثالث من بدء الوحي.
وأثره هذا وصله عبد الله بن وهب في "جامعه" عن يونس، عنه. وروى البيهقي معناه من طريق أبي عمرو، وهو الأوزاعي.
وقال حماد: لا بأس بريش الميتة
أي: ليس نجسًا، ولا ينجس الماء بملاقاته، سواء كان ريش مأكول أو غيره.
وحماد: هو حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وقد مر في باب قراءة
القرآن بعد الحدث وغيره في السابع والأربعين من كتاب الوضوء.
وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عنه.
وقَالَ الزُّهْرِيُّ في عِظام المَوْتَى نَحْو الفِيلِ وغَيْرهِ أَدْرَكْتُ ناسًا مِنْ سَلَفِ العُلمَاءِ يَمْتَشِطُون بها ويَدَّهِنُونَ فِيها لا يَرَوْن بِهِ بَأَسًا.
وقوله: "نحو الفيل" أي: مما هو محرم الأكل عند بعض العلماء، ومكروه عند بعضهم.
وقوله: "أدركت ناسًا" أي: كثيرًا، فالتنوين للتكثير.
وقوله: "يمتشطون بها" أي: بعظام الموتى، بأن يصنعوا منها مِشْطًا، ويستعملوها.
وقوله: "ويدَّهنونَ فيها" أي: في عظام الموتى، بأن يصنعوا منها آنية، يجعلون فيها الدهن، ويدَّهنون: بتشديد الدال من باب الافتعال، ويجوز ضم أوله وإسكان الدال.
وقوله: "لا يرون به بأسًا" أي: حرجًا، وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون بطهارته، فلو كان نجسًا عندهم ما استعملوه امتشاطًا وادّهانًا، وحينئذ فإذا وقع عظم الفيل في الماء لم ينجس بناء على القول بعدم نجاسته، وهو مذهب أبي حنيفة بناء على أنه لا تحلُّه الحياة، ومذهب الشافعي أنه نجس بناء على أنه تحلُّه الحياة، لقوله تعالى:{قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78، 79] قال في "الفتح": وعند المالكية أن عظم الفيل يطهُر إذا ذُكِّي، بناء على قول مالك أن غير المأكول يطهر بالتذكية. قلت: هذا كله غير جار على مشهور مذهب مالك، فإن مشهور مذهبه أن ما لا يُؤكل لا يطهُر شيء منه بالتذكية، ومشهور مذهبه أن الفيل مكروه الأكل لا محرمه، ومشهور مذهبه أن عاج المذكّى وعظمه طاهران، وغير المذكّى في عاجه قولان بكراهة التنزيه والحرمة، لتعارض مقتضى التنجيس، وهو جزئية الميتة ومقتضى
الطهارة، وهو عدم الاستقذار؛ لأنه مما يُتنافس في اتخاذه.
وأثر الزهري هذا لم أر من وصله.
قالَ ابنُ سِيرِينَ وإبْراهِيمُ لَا بَأْسَ بِتِجارَةِ العَاجِ.
لم يذكر السَّرْخسي إبراهيم في روايته ولا أكثر الرواة عن الفِرْبَري، وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرًا؛ لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره، بدليل قصته المشهورة في الرويث.
والعاج: هو ناب الفيل، قال ابن سِيده: لا يسمى غيره عاجًا. وأنكر الخليل أيضًا أن يسمّى غير ناب الفيل عاجًا. وقال ابن فارس والجوهري: العاج: عظم الفيل. فلم يخصِّصاه بالناب. وقال الخطابي تبعًا لابن قُتيبة: العاج الذَّبْل وهو ظهر السلحفاة البحرية، وفيه نظر، ففي "الصحاح": المسك السوار من عاج أو ذبل، فغاير بينهما، لكن قال القالي: العرب تسمي كل عظم عاجًا، فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل، لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزُّهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل عنده.
وابن سيرين المراد به الإمام محمد بن سيرين، وقد مر في الحادي والأربعين من كتاب الإيمان.
وأثره وصله عبد الرزاق في "مصنفه" عن الثوري عن همّام، عنه.
وإبراهيم المراد به إبراهيم بن يزيد النَّخَعي، وقد مر في السادس والعشرين من كتاب الإيمان أيضًا، ولم أر من وصل أثره، بل لم يذكره السَّرخسي في روايته، ولا أكثر الرواة عن الفربري كما مر قريبًا.